مقالات

نحتاج دروساً في التخريب

نحتاج دروساً في التخريب

أيهم السهلي

شعوبنا لا تمارس السياسة، ولا تتعاطاها، لا كأفيون، ولا كواقع، فقط تتلقّى ما يتفتّق عنه السّاسة، فتتقبّله أو ترفضه، وكل هذا داخلي فقط، وذلك لأنها لا تعتبر نفسها جزءاً من شيء، ولا حتى لها علاقة بمعارك مفتوحة على أراضي وسماء بلادها.

شعوبنا المقهورة، تبتعد عن السياسة، وتكتفي بأقوال الدعاء كـ«الله يفرّج» و«الله يستر» و«الله يحمي الجميع»، وهنا لا يمارس أبناء شعوبنا الدعاء فقط، إنما يجرّبون لعبة من ألاعيب الحياد، حتى لا يلقون حساباً لفظياً على الأقل.

ينطبق هذا الكلام على سوريا، هناك انقسام واضح في الرأي، مع ميل كفّة «اللّهم اضرب الظالمين بالظالمين» التي تخرج من الأفواه بلا وعي ديني أو سياسي لماهيّتها، محمولة على ماضٍ منذ 14 عاماً من الجنون، والمشاركة غير الصحيحة لإيران في الحرب السورية.

هذه السنوات وما تبعتها من أحداث متسارعة في سوريا والمنطقة، لم تترك مجالاً لأحد ليفكّر أو يتفكّر، ويعنيني هنا الوعي السياسي، لما ستُلحقه هذه الحرب في منطقتنا أجمعها، بأنظمتها الحاكمة ودولها وشعوبها. وبعض أصحاب الرأي في سوريا، ممّن يتحسّبون للّحظة التالية للحرب، يخشون إبداء رأيهم، خشية من الهجوم «الشعبي» الكاسح عليهم.

أمّا العراق، فمنقسم بطبيعة الحال حيال إيران، وإن كان في سوريا من الصعب أن تجد أحداً يقف مع إيران في الرأي أو الموقف المعنوي، ففي العراق إلى جانب من يؤيّد أو يعارض إيران على أساس الموقف السياسي، من المسيّسين وأبناء بيوتات السياسة المتجاوزين للطوائف، هناك من يؤيّدون ويعارضون على أساس طائفي بحت، وعلى أساس سنوات من الفعل والتفاعل على الأرض في العراق منذ غزوه عام 2003، والدور الإيراني الذي كان بعد احتلال العراق، والذي يوصَف سلباً.

لتكون النتيجة أنّ قلّة فقط يتعاطون مع موضوع الحرب الدائرة حالياً، ببعد سياسي، ليبنى على الشيء مقتضاه دعماً أو حياداً أو غير ذلك. لكن في الحقيقة ما هو مهم فعلاً أن يكون الموقف على أساس مصلحة العراق السياسية، في حال بقي النظام الإيراني أو سقط أو تضعضع، أو اضطر أنّ يوقّع اتّفاقاً في جوهره تسليم وإذعان.

أمّا لبنان، فانقسامه طبيعي، ولغايات داخلية لن تخفى على أحد، هناك من ينتظر نهاية الحرب على إيران بهزيمة نظامها، حتى يقضي على «حزب الله».

وأظنّ ساعتها، أننا سنكون أمام فوضى عارمة، فالباقي من القوة سيجد طريقه للاستخدام الداخلي تحديداً وأنّ المنقضين سيجربون إنهاء الأمور فوراً.

وبتسطيح كامل سيظن البعض أنّ بتر الحزب يعني النهاية، وكأنّ لا ناس له، ولا عائلات تأكل وتشرب عبره، عندها سيحاول الحزب الحفاظ على آخر رمق من كرامة بيئته التي ناصرتْه على مدى السنين.

لماذا يحدث ما يحدث، أو ما سيحدث في بلادنا؟ ببساطة لأننا وإن أدركنا مصالحنا، لا نتعاطى في السياسة على أساسها، بل إنّ الحاكم يبحث عن طريقة للبقاء في مثل هذه الظروف التي قد تودي بالجميع، الآن أو لاحقاً؛ يتركنا ونحن نفعل ذلك بمحض إرادتنا، نعتاش على نزعات انتقامية، نظن أننا عبرها نُحيي العظام، ونخرج الحي من الميت ونخرج الميت من الحي، ونظن أننا ببضع شتائم على هذا وذاك، نكون قد حرّرنا الأراضي المحتلة، وأسقطْنا الصواريخ على رؤوس الأعداء (أي أعداء منهم؟!).

نحن لا نمارس السياسة، وحكوماتنا التي منعتْنا من أن نكون طبيعيّين، وأن نكون كائنات سياسية، على الأقل لتحتمي بموقفنا الوطني في لحظات الموات والموت، قتلتْنا حين فكّرنا أن نرفع رؤوسنا، وها نحن في لحظة الحقيقة، لم نوقف إبادةً سيصل عمرها إلى عامين، قطفت أعمار آلاف مؤلّفة، وستقطف بعد من باقي أنحاء هذه البلاد الخراب.

لست ضد معارضة إيران، ولست ضد اتّخاذ مواقف منها، حتى الحادّة منها، لكنّ المنطق السليم يقتضي إعادة النظر في التوازنات، على الأقل حتى تضع هذه الحرب أوزارها، وحتى تظهر التوازنات الجديدة في المنطقة على أساس «نتائج» هذه الحرب، لتعرف دولنا «أي منقلب ينقلبون».

يظن البعض أنّ هذه الحرب محسومة النتائج بمنتصِر واحد وحيد لا ينتصر سواه ولا ينتصر عليه أحد، والظنّانون أنفسهم يظنّون أنها قد تنتهي بأيام أو بأسبوع، لكن ما لا يخطر على بال أحد منهم، أنّ هذه الحرب يمكن أن تدخل في أتونها أطراف أخرى، ليس فقط أميركا و«حزب الله»، ومن الممكن أن تمتدّ إلى شهور، وتتّسع البقعة الجغرافية لهذه الحرب، التي بالفعل يمكن أن تتطور إلى حرب إقليمية، وربما أكبر.

قُبيل الحرب على لبنان، سألتُ وزير خارجية عربي سابق التقيتُه في بيروت مصادفةً، عن إمكانية اندلاع حرب في لبنان، فأجابني، خطأ صغير في حسابات أحد أطراف الحرب (لم يقل الطرفين) قد يؤدّي إلى حرب مفتوحة، وهذا ما حدث. والآن، خطأ صغير في حسابات الأطراف قد يأخذ المنطقة والعالم ربما إلى ما لا تُحمد عقباه.

وفي أثناء كل هذا الحدث الكبير، الذي قد يودي بنا جميعاً إلى جحيم حرب كبيرة مفتوحة، تحالفاتها قد لا تكون واضحة بسهولة، يتداول في منطق منطقتنا العربية «اللهم اضرب الظالمين بالظالمين»، ولا بأس بذلك، لكن بعد أن تعرف هذه الأمة أين تكمن مصلحتها، وما البلد التالي المقرّر تخريبه في المنطقة. وحتى ذاك الحين، «الأمة» التي تظن أنها بمنأى عن الحدث، لا بد لها «أن تأخذ درساً في التخريب» كما قال مظفر النواب يوماً.

* صحافي فلسطيني

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب