هل نجحت الحرب في تحقيق أهدافها؟
تقييم أولي لنتائج الضربات الأمريكية – الإسرائيلية على المشروع النووي الإيراني
إعداد وتقرير قسم الابحاث في صحيفة صوت العروبه
ضمن سلسلة التحليلات السياسية
بعد أسابيع من التصعيد الإقليمي، نفّذت الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل سلسلة من الضربات الجوية المركّزة على المنشآت النووية الإيرانية، في خطوة وُصفت بأنها الأكثر جرأة منذ سنوات في مواجهة طموحات طهران النووية. وبينما سارعت واشنطن وتل أبيب إلى إعلان نجاح العملية، تبقى الأسئلة قائمة حول مدى تحقق الأهداف الحقيقية للحرب، وما إذا كانت هذه الضربات قد نجحت فعلاً في تدمير البرنامج النووي الإيراني أو أنها مجرد تأخير مؤقت لمسار يبدو أن إيران عازمة على استكماله.
في 21 و22 من يونيو الجاري، شنت الطائرات الأمريكية ضربات باستخدام قنابل خارقة للتحصينات، مستهدفة منشآت نووية عميقة في نطنز وفردو وأصفهان. وجاءت العملية بتنسيق استخباري وعسكري مع إسرائيل، وشملت تدمير مراكز تخصيب ومختبرات بحثية ومنشآت تحت الأرض.
وأعلنت وزارة الدفاع الأمريكية أن الضربات “حققت أهدافها”، مشيرة إلى تدمير البنية التحتية لمنشآت التخصيب. بينما أكدت إسرائيل أن “إيران دفعت ثمنًا باهظًا”.
نجاحات تكتيكية… لا استراتيجية
رغم ما تحقق ميدانيًا من تدمير لبعض المنشآت، تشير تقارير استخبارية غربية وتحليلات متخصصة إلى أن البرنامج النووي الإيراني لم يُقضَ عليه بالكامل. بل إن صور الأقمار الصناعية أظهرت حركة مسبقة لنقل معدات ومواد حساسة قبيل الضربة.
ويرى مراقبون أن إيران احتفظت بمخزون من اليورانيوم المخصب وبخبراء الطرد المركزي، ما يُتيح لها القدرة على إعادة التشغيل خلال أشهر.
الوكالة الدولية للطاقة الذرية: مغيبة
اللافت أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية لم تتمكن حتى الآن من دخول المواقع لتقييم الأضرار، وسط رفض إيراني للتعاون بعد الضربات. ويجعل ذلك التقييم الفني الحقيقي لحجم الضرر غير ممكن في الوقت الحالي، ما يزيد من الغموض.
يقول الدكتور جيفري لويس، خبير حظر الانتشار النووي، إن “ما جرى لا يُقوّض قدرة إيران على استعادة برنامجها خلال عام على الأكثر”. بينما شبّه آخرون العملية بـ”جز العشب لا اقتلاع الجذور”.
الاستنتاج المشترك بين غالبية التحليلات: الضربات أخّرت البرنامج، لكنها لم تدمره.
في ظل هذه المعطيات، يُرجّح أن إيران لن تقف مكتوفة الأيدي. وقد تهدد الضربات بدفعها نحو تسريع مسارها النووي بعيدًا عن الرقابة، أو حتى الخروج من معاهدة عدم الانتشار.
والسؤال هل نجحت الحرب في تحقيق أهدافها؟
الجواب حتى الآن: نجاح جزئي تكتيكي، وفشل استراتيجي مؤجل.
فالعملية أدت إلى إحداث أضرار كبيرة في مواقع معروفة، لكنها لم تُنهِ المشروع النووي الإيراني، بل ربما دفعته نحو مرحلة أكثر سرّية وتعقيدًا.
ويبقى السؤال الأهم: هل كانت هذه الضربات بداية لمرحلة جديدة من الردع؟ أم أنها مجرد محطة في مسار نزاع طويل ومفتوح على جميع الاحتمالات
وقد كشفت شبكة “سي إن إن” في تحليلها لصور الأقمار الصناعية عن تأثير الغارات الأمريكية على منشأة فوردو النووية الإيرانية
وحسب تحليل “سي سي إن”، فإنه من المرجح أن تكون الضربات الجوية الأمريكية على منشأة فوردو قد خلفت ما لا يقل عن 6 حفر كبيرة، مما يشير إلى استخدام قنابل ضخمة خارقة للتحصينات.
ووفقا لـ”سي إن إن”، فقد أبانت الصور التي التقطتها شركة “ماكسار” 6 حفر ارتطام منفصلة واضحة في موقعين قريبين في فوردو، مع إمكانية رؤية الحفر على طول سلسلة التلال الممتدة فوق المجمع تحت الأرض.
وتمت الإِشارة، في نفس التحليل، إلى أن صور الأقمار الصناعية أظهرت تغييرات كبيرة في لون سفح الجبل حيث يوجد الموقع، مما يشير إلى أن مساحة شاسعة كانت مغطاة بطبقة من الغبار الرمادي اللون بعد الضربات.
ولم يتضح، حتى الآن، مستوى الضرر الذي لحق بالمنشأة الموجودة تحت الأرض.
في حين جاء في تحليل “سي إن إن” للصور التي تم جمعها قبل الضربات الأمريكية، أن إيران اتخذت خطوات لتعزيز مداخل الأنفاق التي يُعتقد أنها تؤدي إلى المنشأة تحت الأرض، وذلك على الأرجح تحسبا للضربة المرتقبة.
وبينت تلك الصور تراكم الأتربة أمام مدخلين على الأقل من المداخل الستة، كما ظهر في صورة التقطت في 19 يونيو، رتل يتكون من 16 شاحنة قلابة بالقرب من المداخل، إلى جانب معدات للحفر، بينما أظهرت صورة التقطت في اليوم التالي معدات نقل الأتربة في مكان قريب وهي تقوم بجرف التربة.
وكان مسؤول أمريكي قد أكد للشبكة نفسها في وقت سابق من اليوم، أن الجيش الأمريكي استخدم 6 طائرات قاذفة من طراز B-2 لإسقاط 10 قنابل خارقة للتحصينات على منشأة فوردو. ويمكن لهذه القنابل اختراق أعماق الأرض قبل أن تنفجر، وتعتبر ضرورية لاستهداف المنشأة، التي يقع جزء كبير منها تحت الأرض.

تُظهر هذه الصورة الملتقطة عبر الأقمار الصناعية من قبل شركة Planet Labs PBC موقع تخصيب اليورانيوم الإيراني تحت الأرض في فوردو في 19 مارس 2025. / AP
وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد أعلن أن القوات الأمريكية قد “دمرت” المواقع النووية الرئيسية في إيران باستخدام قنابل ضخمة خارقة للتحصينات، وذلك خلال الساعات الأولى من صباح الأحد بالتوقيت المحلي. ووجه تحذيرا لطهران بأنها ستواجه “المزيد من الهجمات المدمرة إذا لم تقبل بالسلام”.
في حين أكد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي أن إيران “تحتفظ بكل الخيارات للدفاع عن سيادتها ومصالحها وشعبها”، مشيرا إلى بقاء باب الدبلوماسية مفتوحا، على أن ترد بلاده على الهجمات التي تعرضت لها من باب الدفاع عن نفسها، وستفعل ذلك”.
كما دان الحرس الثوري الإيراني الهجوم الأمريكي على المواقع النووية معتبرا إياه جريمة فادحة تنتهك ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، متوعدا بردود مؤلمة على هذا الهجوم.

ملاحظة تحريرية:
هذا التقرير يأتي ضمن سلسلة “التحليلات السياسية” التي تُتابع تداعيات الحرب الإيرانية – الإسرائيلية، وانعكاساتها على الأمن الإقليمي والمشهد الاستراتيجي العالمي
Post Views: 3