الإسرائيلي البشع منذ القِدم

الإسرائيلي البشع منذ القِدم
أشار “تسادك” إلى أنه حزين لأن “مجزرة صغيرة مثل صبرا وشاتيلا (كذا في الأصل، مع تساؤل: هل تُعدّ مقتل خمسمائة شخص مجزرة كبيرة؟) ارتكبها حزب الكتائب وكان يجب أن يرتكبها الصهاينة بأيديهم الناعمة، كي تكون إسرائيل مؤهلة لعضوية نادي المجرمين
عرف الأدب الإسرائيلي منذ 1948 حالات شهد فيها جدلا بشأن دور الكاتب والصحافي في الحروب وما تخلفه من تداعيات في الوعي والمشاعر، وبشأن مدى فاعلية ما ينتجه كلٌّ منهما في تجنيب الجمهور العريض مظاهر كارثية من خلال التنبيه إلى عوامل من شأنها التعجيل بتلك المظاهر وجعلها منتصبة على حوافر سوداء.
وقد انسحب هذا الأمر على ما تلا النكبة الفلسطينية، وإن على نطاق ضيّق للغاية، ولكنه صار إلى بعض المدّ عقب حرب حزيران (1967)، حيث طالعنا بعض التركيز على من يمكن اعتباره الإسرائيلي البشع. فمثلاً، انعكس الإسرائيلي البشع تأثراً بتلك الحرب العدوانية في مسرحية “الباب الدوّار” للكاتب يوسف موندي، التي كتبها في 1969.
تدور أحداث المسرحية في مستشفى للأمراض العقلية يلتقي فيه شخصان يعتقد أحدهما أنه الأديب فرانز كافكا فيما يعتقد الثاني أنه مؤسس الحركة الصهيونية، ثيودور هرتزل. ويجسّد الحوار الذي يدور بينهما المعركة على سمات شخصية اليهودي الجديد التي أفرزتها حرب 1967.
وبينما يرمز الكاتب من خلال شخصية كافكا إلى اليهودي الشتاتي الأوروبي المفكّر والحالم والإنساني الذي يسعى إلى أن يكون جزءاً من بيئته وعالمه، بالرغم من كل ما يعترض ذلك من عراقيل، يرمز عبر شخصية هرتزل إلى اليهودي الصهيوني العدواني الذي يعتقد عن قناعة بأنه على حق، وأن كل شيء يمكن إيجاد حلّ له بقوة الذراع. وفي النهاية، تعلن المسرحية انتصار شخصية هرتزل في مسعى بناء شخصية اليهودي الجديد البشع، وهو “البطل المولود من نتائج الانتصار في حرب 1967” والذي يصفه الكاتب بأنه يفتقر إلى العقل ولا يمتلك سوى قوة ذراعه.
وبحسب أحد الباحثين، تعزّزت منذ تلك الحرب نزعة الماتشيزمو (الفحولة) في المجتمع الإسرائيلي، والتي أخذت بالتصاعد. ومنذ ذلك الوقت تحديداً وصولا إلى الزمن الحالي، يرى كل مسؤول رفيع المستوى في المؤسّستين، العسكرية والأمنية، نفسه مرشّحا شرعيا لقيادة دولة الاحتلال، وكل حزب إسرائيلي يحصّن أمكنة متقدمة في لوائح مرشحيه للانتخابات العامة لأصحاب الماضي العسكري أو الأمني. ولا يقتصر الأمر على الرجال، بل يتعداهم إلى النساء اللاتي يزداد انخراط ذوات الماضي العسكري والأمني منهن في العمل السياسي أكثر فأكثر في الأعوام الأخيرة.
ومعروف أنه بعد حرب 1967 بعشرة أعوام جاء ما يُعرف في القاموس السياسي الإسرائيلي “انقلاب 1977″، والمقصود صعود حزب الليكود إلى سدّة الحكم، بعد أن تربع عليها حزب العمل 29 عاما متواصلة.
وبمرور خمسة أعوام شنّت إسرائيل حربا على لبنان والمقاومة الفلسطينية في 1982، دفعت الكاتب الإسرائيلي الأكثر شهرة عاموس عوز إلى القيام بما وصفها “رحلة تقصّ” نشر انطباعاته عنها تباعا، ثم صدرت مجتمعة في كتاب في خريف 1982 تحت عنوان “هنا وهناك في أرض إسرائيل” (المقصود أراضي 1948 و1967).
وتوزّعت رحلته على ثلاثة محاور، أبرزها الذي استغرق فيه في تحليل إجراءات اجتماعية وسياسية ومعتقدات عقلية استشرت منذ “انقلاب 77” ومن شأنها، وفقاً لاعتقاده، أن تهدّد بالخطر صلب المجتمع ونظام الحكم. وأشار من بينها على وجه الخصوص إلى ما يلي: تعاظم نفوذ القوى الدينية الغيبية؛ التقاطب الآخذ بالازدياد بين اليهود الغربيين (الأشكناز) واليهود الشرقيين (السفاراديم)؛ تفاقم مظاهر التطرّف اليميني.
كانت إحدى محطات رحلة عوز في مستوطنتي تكواع وعوفرا في الضفة الغربية، حيث صادف نماذج من الإسرائيلي البشع طراز 1982. ولعلّ أكثرها تغوّلاً نموذج “المستوطن تسادك”، الذي طلب عدم كشف هويته، وسمع منه كلاماً من هذا القبيل: “تستطيع أن تصف دولتنا بأنها نازية يهودية. لم لا؟ نازية يهودية أفضل من قديس ميت”.
وأشار “تسادك” إلى أنه حزين لأن “مجزرة صغيرة مثل صبرا وشاتيلا (كذا في الأصل، مع تساؤل: هل تُعدّ مقتل خمسمائة شخص مجزرة كبيرة؟) ارتكبها حزب الكتائب وكان يجب أن يرتكبها الصهاينة بأيديهم الناعمة، كي تكون إسرائيل مؤهلة لعضوية نادي المجرمين الدولي!”.