قصة قصيرة : وتفرقت بهم السبل …

قصة قصيرة : وتفرقت بهم السبل …
بقلم : رحال امانوز .
كان منهمكا في عمله بمكتبه الفخم . يعطي التعليمات ويستقبل المكالمات . لايكف عن الحركة على كرسيه الدوار . فهو مدير احدى أكبر الصحف بالبلد . لقد تمكن من تحقيق طموحه . وتمكن ان يجد له مكانا تحت الشمس . واصبح اشهر من نار على علم . ومن أبرز المؤثرين الإعلاميين بالوطن … بدا يبحث في درج مكتبه عن بعض الوثائق . وبالصدفة وقعت عيناه على صورة قديمة . ذكرته بالماضي البعيد . تجمعه مع رفقاء الدراسة . دقق فيها جيدا . كانت بالأبيض والاسود . يعلوها اصفرار يدل على قدمها . الصورة تؤرخ لحقبة السبعينات . أيام الدراسة بالمرحلة الابتدائية . وبالضبط السنة الخامسة والتي . كانت تعرف قديما بقسم الشهادة الابتداءية . قربها من عينيه وبدأ يتمعن فيها جيدا . وهو يحاول استرجاع اسماء أصحابها . على اليمين وقف معلم اللغة العربية . بقامته القصيرة مرتديا جلبابا اسود وطربوشا وطنيا . بينما وقف على الجانب الأيسر معلم اللغة الفرنسية . بقامته المديدة مرتديا بذلة أنيقة سوداء . مع قميص اسود تزينه اربة سوداء . تأمل وسط الصورة . حيث تعرف على نفسه . كان في الصف الرابع الاخير . مع طوال القامة بحكم طوله الفارع . إلى جانبه كان طفل صغير يقف مبتسما . هو الآن أحد اعضاء الحكومة البارزين . بفضل طموحه وانتهازيته واقتناصه للفرص . حقق مبتغاه رغم محدودية ثقافته . لقد عرف من أين تؤكل الكتف … دقق النظر جيدا في وجه طفل اسمر اللون . على وجهه ترتسم ضحكته التي تلازمه إلى حدود الساعة . هو الآن من أكبر فناني الكوميديا بالبلاد . كان أفقر تلميذ بالفصل الدراسي . بالرغم أن كل تلاميذ المدرسة . ينتمون لحي شعبي . الا ان منهم من كانوا يقطنون الحي الصفيحي المجاور . وهو كان من بينهم … إلى جانبه كان يقف طفل جاد الملامح . هو الآن أحد كبار رتباء الأمن بالبلد . يشتهر بصرامته وتفانيه في العمل . ومساهمته الفعالة في القضاء على الجريمة … في الصف الثاني طفل ضعيف البنية . عرف بنظرته الجسورة القوية . يظهر ان مقلتيه تريدان اختراق عدسة التصوير . كان قصير القامة واسمر اللون . وكان مشاغبا وكثير الحركة . كان شديد الذكاء ومجدا في دراسته . يحب الجدال والنقاش والحوار . ما يفتا يناقش قضايا أكبر من سنه . لا يتوقف عن النقد والتذمر . والاستياء من الوضع الراهن . وافته المنية مؤخرا . وذلك بعد خروجه من المعتقل . الذي قضى فيه عقدين من الزمن . انتمى في فترة دراسته الجامعية لليسار المتطرف . امن بالعنف الثوري المسلح لتغيير الوضع . وتحقيق حلمه الماركسي اللينيني . بل أشيع عنه الإلحاد والزندقة … غير بعيد عنه كان يقف طفل اخر . بقامته القصيرة . ولونه الابيص الفاتح ونظرته الغامضة . تشبع بالفكر السلفي الجهادي في شبابه . وتزعم حركة متطرفة مسلحة . ظل مطاردا من قوى الأمن. ليفر بعدها خارج البلاد . ويحاول زعزعة استقرار الوطن . مدعوما من جهات معادية لبلده . وبعد فترة اعتقال طويلة . تراجع عن أفكاره ومشروعه الدموي . وأصبح ممن يدعون للتسامح الديني … استقرت نظراته فقط على من شغلوا الناس . ولعبوا دورا ما في حياتهم . اما الآخرون او العاديون . فقد اختاروا ان يعيشوا حياتهم في صمت . بعيدا عن الأضواء . او تحقيق هدف ما في حياتهم …
الدارالبيضاء / المغرب / 2025