الحرب تعيد «التماسك الوطني»: إيران لا ترفع يدها عن الزناد

الحرب تعيد «التماسك الوطني»: إيران لا ترفع يدها عن الزناد
الحرب عزّزت وحدة الداخل الإيراني وأعادت المعارضين إلى موقع الدفاع عن الوطن، فيما تُبقي طهران يدها على الزناد ترقّباً لأي خرق إسرائيلي لوقف النار.

طهران | تشهد الأجواء السياسية والإعلامية في إيران تصاعداً في وتيرة النقاشات حول أبعاد الحرب المتوقّفة لتوّها، وتداعياتها ونتائجها. ولعلّ ممّا يلفت الانتباه، في إطار تلك النقاشات الجارية، أن العدوان، وبخلاف مقاصِده، عزّز من التماسك الوطني، فضلاً عن كونه ساهم في انضمام العديد من معارضي الجمهورية الإسلامية، وحتى من سجناء الرأي، إلى صفوف معارضي العدوان الخارجي، والالتئام حول مسألة الذود عن الوطن. وفي الوقت ذاته، يسود الأوساط الإيرانية، تشاؤم إزاء مصير وقف إطلاق النار؛ إذ ثمّة اعتقاد بأن إسرائيل ستستغلّ أيّ فرصة لإشعال فتيل الأزمة من جديد، وبأن هذه الاستراحة ليست نهاية القصة.
وأوردت صحيفة «جوان»، القريبة من «الحرس الثوري»، في مقال بعنوان «ما هو منطق انتصارنا» لكاتبه عبد الله كنجي، ثمانية أسباب لإثبات انتصار إيران في هذه الحرب: «1- قاتلنا قوّتَين كبيرتين، ورددنا على كلتيهما؛ 2- لقد كانوا هم البادئين في الحرب وأول مَن طلب إنهاءها؛ 3- آخر رمية نفّذتها إيران، وشكّل آخر هجوم لنا أسوأ ضربة؛ 4- لقد بقيت الصناعة النووية وازدادت القدرة على تثبيتها غداة الحرب؛ 5- استخدمنا السلاح المحلّي الصنع، ولم نطلب المساعدة من أحد؛ 6- حوّلنا (دمّرنا) الأراضي المحتلّة إلى ما يُشبه غزة؛ 7- أعدنا المعارضة الهادفة إلى قلب نظام الحكم والمتماشية مع الصهاينة عشرات السنين إلى الوراء؛ 8- والأهم من ذلك، أن دماء شهدائنا، ساهمت في تخصيب حبّ الوطن بين الجيل Z».
وتطرّقت صحيفة «فرهيختكان» القريبة من التيار الأصولي المعتدل، من جهتها، في مقال تحليلي لمحرّرة الشؤون السياسية، كبرى أسوبار، إلى فشل المحاولات الإسرائيلية لإثارة الفوضى والاحتجاجات على النظام، تزامناً مع الهجوم الإسرائيلي، وقالت: «لقد حاول نتنياهو إرباك الأجواء الاجتماعية في إيران وجعْلها ثنائية القطب، وبالتالي نشر الفوضى في البلاد. وكرّر الأسطوانة المشروخة: امرأة، حياة، حرية، داعياً الشعب الإيراني إلى الاستفادة من الهجمات الإسرائيلية والنزول إلى الشوارع.
لقد نزل الشعب الإيراني طبعاً إلى الشوارع، لكن لمعاكسة الهدف الذي دعا إليه نتنياهو تماماً، وذلك من أجل استعراض الوحدة الوطنية للذود عن إيران ولتجديد العهد مع القائد. أَلَم يكن هذا كافياً لنتنياهو ليفهم الهزيمة؟ إنه يفهم بطبيعة الحال، لكنه يسعى في الأجواء الإعلامية إلى انتحال صفة البطل الفائز، من أجل تضليل الرأي العام وخداعه».
«حرب الإرادات» ليست هي التي تقرّر مصير الحرب، بل «حرب التكنولوجيا»
وكتبت صحيفة «إيران» الحكومية، بدورها، في مقال للقائد السابق للقوات البحرية في «الحرس الثوري»، حسين علائي، أن «إسرائيل التي كانت تنوي من خلال الحرب، قلب نظام الحكم السياسي في إيران وفرض سياساتها، لم تَنل غايتها فحسب، بل زادت من كراهية الإيرانيين لها. كما أن إيران لم تُقسّم، وبدلاً من ذلك، تعزّزت الوحدة الوطنية». وأضافت الصحيفة: «اليوم، وبعد الحرب، يُتوقّع من المسؤولين أن يبادروا إلى نبذ العوامل المقوّضة للتماسك وتعزيز المحاور الثقافية والدينية والوطنية المشتركة والحفاظ على الوحدة التي تحقَّقت. ومن الضروري إدخال تغييرات على القطاعَين الاقتصادي والاجتماعي لاستدامة هذا التماسك والانسجام».
وفي الإطار نفسه، عدّ الاقتصادي بويا جبل عاملي، في مقال في صحيفة «دنياي اقتصاد»، الانسجام الوطني الذي تبلور أثناء الحرب، «أفضل فرصة لتغيير الكثير من سياسات الدولة بما في ذلك الاهتمام بالتنمية السياسية والاقتصادية». وأضاف: «مع بقاء مروحة واسعة من النشطاء والفاعلين، حتى من خارج النظام، أوفياء لإيران، يبدو أن دور صنّاع القرار قد حان ليُظهروا أن إيران متعلّقة بجميع هؤلاء، وهذا التعلّق يعني أن يكون في مقدورهم العيش كما يريدون في هذه الأرض، وانتخاب مَن يريدون أن يمثّلهم وأن يكون لصوتهم أثر كما هم يريدون في صناعة القرارات وتقرير مصير البلاد».
واعتبر أنه «يتعيّن على أصحاب السلطة أن يُظهروا في أسرع ما يمكن أن هذا التغيير سيحصل، ولن يستمرّ الأمر كما كان سابقاً. إن الانسجام الوطني في فترة وقف إطلاق النار، هو القادر على منع تكرار الأحداث السابقة، والانسجام لن يدوم من دون اقتصاد فاعل ومزدهر ومن دون تجارة مع دول العالم ومن دون نيل موقع رصين في الأسواق الدولية.
وللوصول إلى هكذا موقع، يجب، في ظلّ تغيير النظرة، إيصال المفاوضات إلى النتيجة المنشودة، والإفادة من الأمثلة في العديد من الدول التي سلكت خلال العقود الأخيرة طريق التنمية، في سبيل ترسيخ استقلال البلاد في سياق التعاطي مع جميع دول العالم».
أما صحيفة «شرق» الإصلاحية، فشدّدت على أهمية سدّ الثغرات في مجال «حرب التكنولوجيا»، إذ إن «الحقيقة هي أنه في عالم الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء وتكنولوجيا الأقمار الاصطناعية والطائرات التي لا يرصدها الرادار، فإن حرب الإرادات ليست هي التي تقرّر مصير الحرب، بل إن حرب التكنولوجيا هي التي تحدّد المنتصر في الميدان.
الطريق الذي شرعته البلاد على مدار العقود الثلاثة الأخيرة لكي تستطيع في المجال العسكري أن تتنافس تكنولوجياً مع باقي القوى العالمية، جعلها في مصاف القوى العظمى في مجال الصواريخ؛ ومع ذلك، فإن العقوبات وعدم دخول التكنولوجيات الحديثة إلى البلاد، تركا أو سيتركان حتماً آثارهما السيئة على سرعة هذا التقدّم وجودته».
وفي السياق نفسه، قرأت صحيفة «اعتماد» وقف إطلاق النار الأخير، باعتباره «سلاماً على حدّ السكين»؛ ونقلت عن الدبلوماسي الإيراني العريق، كوروش أحمدي، إشارته إلى تاريخ إسرائيل في انتهاكات وقف إطلاق النار في غزة ولبنان: «السياسة العامة لنتنياهو لم تتغيّر. إنه لا يزال يسعى إلى إيجاد سبل تمكّنه من الانتهاك التدريجي لوقف إطلاق النار عن طريق خلق الذرائع والتحرّكات المحدودة.
وبالتالي، فإن وقف إطلاق النار الحالي، هو محاولة من ترامب لإدارة الأزمة قبل أن يكون سلاماً حقيقيّاً. ومن ناحية أخرى، لا تزال إسرائيل تسعى إلى الإمساك بالمبادرة من طريق التفسير التعسّفي لمفاد التوافق، والتحرّكات المحدودة واللجوء إلى ذرائع تتيح لها الإبقاء على طريق مواصلة النزاع مفتوحاً».