إيران متمسّكة بوحدتها: قطار استخلاص العِبر ينطلق

إيران متمسّكة بوحدتها: قطار استخلاص العِبر ينطلق
عزّز العدوان الإسرائيلي على إيران التماسك الوطني فيها، وأطلق مسار مراجعة أمنية وعسكرية شاملة، وسط تحذيرات من محاولات غربية لإثارة الفوضى من الداخل.

مع مضيّ نحو أسبوع على إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، موافقة كيان الاحتلال على «وقف إطلاق النار» مع الجمهورية الإسلامية، بات الجانب المتّصل بالاستفادة من «دروس وعبر» العدوان الإسرائيلي الأخير، يحتلّ مرتبة متقدّمة على طاولة صنّاع القرار في إيران. لا بل يكاد يغدو نواة استراتيجية سياسية وعسكرية ستمضي إليها طهران مستقبلاً لمعالجة عدد من جوانب القصور، بخاصة الأمنية منها، والتي تكشّفت خلال ما بات يُعرف بـ»حرب الـ12 يوماً»، وحسْم خياراتها في التعامل مع وقف النار «الملتبس» في الفترة المقبلة، وذلك في موازاة الشعور الوطني العارم، والالتفاف الجماهيري غير المسبوق حول الحكومة، من المعارضين والموالين لها على السواء.
مشهد وطني جامع
الشعور الوطني العارم الذي لفّ الجمهورية الإسلامية بعد الهجوم الإسرائيلي، عكسه بيان حمل توقيع نحو 1300 نخبوي وعالم ومفكّر من أهل السُّنّة في إيران، أكدوا فيه دعم خيار المقاومة أمام الكيان الإسرائيلي، باعتباره «واجباً شرعيّاً على كل مسلم ومسلمة»، وكذلك المشاركة الحاشدة لمئات الآلاف من الإيرانيين في مراسم التشييع المتلاحقة على مدى الأيام الماضية لكبار القادة والعلماء من شهداء «الاقتدار الوطني»، ومنهم أكثر من مليون مشارك حضروا في اليوم الأول من تلك المراسم التي انطلقت في طهران السبت الماضي، ومن المُقرّر أن تتواصل اليوم أيضاً، حيث سيتمّ تشييع جثمانَي الشهيدين، اللواء غلام علي رضا، قائد «مقرّ خاتم الأنبياء» المركزي، ونجله.
وكمظهر من مظاهر الثناء على هذا التلاحم الرسمي والشعبي الرافض، اعتبر رئيس «رابطة الثقافة والعلاقات الإسلامية» في إيران، حجة الإسلام محمد مهدي إیماني بور، أن «مشاركة الشعب الإيراني في مراسم تشييع شهداء العدوان الصهيوني، تُعدّ تجسيداً للوحدة والتماسك داخل البلاد»، مضيفاً أن «الدماء الزكية لشهداء العدوان الصهيوني على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ستتحوّل بلا شكّ إلى شعلة متّقدة تنير طريق الانتصارات المستدامة لإيران القوية في وجه مؤامرات الأعداء».
ورأى وزير الخارجية، عباس عراقجي، بدوره، أن «الأمواج الهادرة» من المشيّعين، «تحمل دلالة واضحة، وهي أنّنا، وعلى النقيض من الكيان الصهيوني الضعيف والعاجز، لا نخفي خسائرنا». وعقّب بالقول: «نحن فخورون بشهدائنا. كونوا على ثقة، فمقابل كل ضابط أو عالم فقدناه، يصطف المئات ليحلّوا محلّه». وفي منشور باللغة الإنكليزية، على منصة «إكس»، تابع عراقجي أن «الشعب الإيراني العظيم، أظهر قوته وصموده للعالم مرّة أخرى»، مؤكّداً أنّ الإيرانيين سيقفون «حتى آخر قطرة دم» في وجه كل مَن يريد أن يقرّر مصيرهم.
وفي إطار تقديره لتعاطف الشعب مع القيادة والحكومة في وجه الحملات الغربية والإسرائيلية المعادية، شدّد الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، على أهمية «إشراك الشعب في صنع القرار» على مختلف الصعد، داعياً إلى تعزيز وحدة الخطاب في المنابر الرسمية والوطنية. وكشف بزشكيان، خلال اجتماع في وزارة الداخلية، أن «لدينا خطّة لتفعيل المدارس وتعليم أطفالنا مفهوماً دقيقاً لحب الوطن حفاظاً على وحدة البلاد»، معتبراً «أن الشعب يجب أن يطمئن اليوم إلى أن الحكومة ملاذه الآمن، وأنها عازمة على أن تكون في خدمته».
تفنيد أدوات «الدعاية الغربية»
على صعيد موازٍ، وفي إطار تفنيد الدعاية الغربية المعادية لبلاده، ثمّن النائب الأول لرئيس الجمهورية، محمد رضا عارف، مواقف وسائل الإعلام المحسوبة على التيارات المعارضة للحكومة، خلال «المعركة ضدّ العدو من أجل الهوية الإيرانية والفخر الوطني»، مشيداً بدور الشعب الإيراني الذي «لم يدّخر جهداً في الدفاع عن وطنه». وأشار عارف، إبّان مشاركته في اجتماع مع الرئيس التنفيذي لوكالة أنباء «إرنا» ومدرائها ومراسليها في مبنى الوكالة في طهران، إلى أن «الأعداء اعتقدوا بأنهم سيشهدون انهياراً اجتماعياً وسقوطاً للنظام الإيراني بعد العدوان، من دون أن يفهموا أن احتجاج الشعب، بشكل أو بآخر، على الأخطاء والنقائص والثغرات داخل أسرة الثورة لتصحيحها، لا يدلّ على المواجهة مع النظام»، معرباً عن اعتقاده بأن «وقف إطلاق النار مع الكيان الصهيوني لا يعني نهاية الحرب».
والرسالة نفسها، جاءت على لسان رئيس مجلس الشورى الإسلامي، محمد باقر قاليباف، حين وضع المواقف المزدوجة للرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بما فيها تلك التي تحاول الإيحاء بوجود خلافات أميركية – إسرائيلية، في خانة الخداع، منبّهاً إلى مساعي أعداء إيران لإثارة الخوف في صفوف مواطنيها، وإرباك الحسابات لدى مسؤوليها، بوصفها «إحدى الركائز الأساسية للعمليات النفسية للعدو».
كما حذّر قاليباف من أن تغريدات ترامب الأخيرة، والتي زعم فيها أنه كان بصدد رفع العقوبات عن إيران، قبل أن يتراجع عن موقفه لاحقاً تحت ذرائع مزعومة تتّصل بسلوكيات القيادة الإيرانية، إنّما تنطوي على مساعٍ أميركية لتحميل تلك القيادة مسؤولية بقاء العقوبات، بخاصة في أوساط الشباب، لافتاً إلى أن أعداء الجمهورية الإسلامية «ظنّوا أن بعض الأخطاء والعمليات النفسية على مدى السنوات، قد أثّرت سلباً على عقول وضمائر الإيرانيين، وخاصة شباب السبعينيات والثمانينيات»، مؤكداً أن هؤلاء الشباب أفشلوا المخطّطات الرامية إلى «كسر وحدة الصف الإيراني في مواجهة العدو»، و»استكمال مخطط إثارة الفوضى» داخل البلاد.
وعلى وقع تقارير إعلامية عن تشديد طهران إجراءاتها الأمنية بحق المهاجرين غير الشرعيين بعد العدوان الأخير، مع ثبوت تورّط عدد كبير من العناصر الأجانب، وخصوصاً الأفغان، في التعامل مع الأجهزة الاستخبارية في كيان الاحتلال، وفي موازاة أنباء عن اعتقال عميل لـ»الموساد» – في محطة مترو الإمام الخميني – كان يُصنّع طائرات مُسيّرة في غرب العاصمة طهران، ويعدّ تقارير عن الأداء الدفاعي للبلاد ويرسل مواقع دقيقة لمناطق حسّاسة لحساب جهات معادية، شدّد المدعي العام الإيراني، محمد موحدي آزاد، خلال مراسم إحياء ذكرى استشهاد آية الله بهشتي وشهداء القضاء، التي أقيمت في قاعة ابن سينا في مدينة همدان، على أنّه «يتعيّن على الأجانب، وخاصة إخواننا وأخواتنا الأفغان، الذين نستضيفهم منذ سنوات، مساعدة الأجانب غير الشرعيين على مغادرة إيران في أسرع وقت ممكن»، محذّراً من أن المخالفين سيعرّضون أنفسهم لإجراءات قانونية عقابية.
وتابع: «على الأجانب الشرعيين أيضاً التعاون في تحديد هوية المتعاونين مع الكيان الصهيوني، ومن يُعرّفون عن أنفسهم طواعيةً سيكونون مؤهلين للحصول على عون قضائي».
وأشاد المدّعي العام الإيراني بقدرة جميع الأجهزة الأمنية والعسكرية التي كانت في حالة تأهّب قصوى خلال الأشهر القليلة الماضية، على إحباط الكثير من خلايا العملاء، مؤكداً أن هذه الأجهزة لم تتفاجأ بأيّ شكل من الأشكال بمجريات العدوان الإسرائيلي الأخير، الذي كان يحضّر له منذ عام 2022، بحسب ما أفادت به وكالة «تسنيم» للأنباء.
أصوات «إصلاحية»
وفي خضمّ وضع ينذر بنيّة الغرب العمل على إسقاط النظام الإيراني من الداخل عبر «ثورات ملوّنة» تستحضر مخطّطات تقسيمية قديمة – جديدة، أقرب إلى نموذج «البلقنة»، خرجت بعض الصحف الإصلاحية بمواقف ناقدة لطريقة إدارة الصراع مع واشنطن وتل أبيب، ومنها صحيفة «اعتماد» التي قالت إن «الأزمة الأمنية في إيران تعود إلى تجاهل المتغيّرات العالمية الحديثة من قِبَل القائمين على الشأن الأمني والاستراتيجي في البلاد»، لافتة إلى أنّ «هذا التجاهل أدّى إلى ظهور مفاجآت تكتيكية من جانب إسرائيل والولايات المتحدة، حيث تمكّنت أجهزتهما الاستخبارية من بناء شبكات نفوذ داخل إيران».
أما صحيفة «شرق»، فقد ذهبت إلى حد القول إن «المجتمع الإيراني، وعلى رغم مروره بتجارب قاسية من احتجاجات واضطرابات متتالية منذ عام 2009، كان بحاجة إلى صدمة للخروج من حالته العاطفية المسدودة»، مضيفة أن تجربة الحرب مع إسرائيل «أيقظت فيه حسّ الانتماء الوطني من جديد». وخلصت الصحيفة الإصلاحية إلى أن تلك الحرب «سجّلت فصلاً جديداً في النضج السياسي للمجتمع الإيراني، حيث أظهر الناس وعياً بأن تقرير مصير الوطن من حقّهم، وبأنهم هم من يحدّدون مستقبله، لا الدعاية الخارجية ولا الأيديولوجيات».