صحيفة عبرية: إسرائيل على “مفترق غزة”… الغرق في الوحل أم “النموذج اللبناني”؟

صحيفة عبرية: إسرائيل على “مفترق غزة”… الغرق في الوحل أم “النموذج اللبناني”؟
الفجوة العميقة في تحقيق هدفي الحرب تبدو واضحة بعد ثلاثة أشهر ونصف الشهر منذ استؤنف القتال في القطاع والهدفان هما إبادة قدرات حماس السلطوية والعسكرية، وتحرير كل المخطوفين. صحيح أن حماس تلقت ضربة قاسية (تصفية زعما)، والجيش يسيطر على معظم القطاع، لكن المنظمة لا تزال سائدة في الميدان – تنجح في خوض القتال والسيطرة في المجال العام (لا فوضى، ما يسود في الخطاب الإسرائيلي)، ثمة سلسلة قيادة وعملية اتخاذ قرارات؛ لا يوجد اضطراب جماهيري ولم ينمُ بديل محلي؛ والضغط المتزايد لم يلين المواقف في موضوع المخطوفين (تحرير عيدان ألكسندر كان بادرة طيبة تجاه ترامب)؛ والمشاريع التي يتم العمل عليها، وعلى رأسها آلية توزيع المساعدات وتسليح الميلشيات، تتراوح بين التعثر والفشل.
لقد أجرت إسرائيل التفافة كبيرة لتكتشف أنها تقف أمام مفترق T استراتيجي نفسه كما هو الحال قبل أكثر من سنة، يتضمن بديلين سيئين: من جهة احتلال القطاع كله، ومن الجهة الأخرى تسوية لإنهاء الحرب والانسحاب ولو ثمن أليم. يدور الحديث عن خيار بين نموذج الوحل اللبناني الذي كان حتى العام 2000، وبين النموذج الذي يطبق في لبنان منذ نهاية 2024، وفي إطاره تتواصل الأعمال الجارية ضد التهديدات، لكن دون ادعاء بإبادة حزب الله، أو احتلال أراض من لبنان، أو تغيير وعي الجمهور في الدولة.
تتطور في الوسط أخيلة تدعي الوصول إلى التفاؤل: إبداء ثقة في القدرة على هزيمة حماس في غضون أشهر معدودة (دون بيان تداعيات احتلال غزة كله، وفي ظل تغطية على حقيقة أن دوافع أيديولوجية لاحتلال غزة كلها تحت غطاء حجج استراتيجية)؛ وإقامة جيوب تسيطر عليها مراكز قوة مشكوك فيها كبديل لحماس (مغامرة تنطوي على تسليح ميليشيا أبو شباب في رفح ربما تعود سيفاً مرتداً يمس بإسرائيل)؛ وبالطبع الإيمان بتحقيق خطة ترامب لإفراغ القطاع من الفلسطينيين فيما لا توجد عملياً أي دولة في العالم توافق على الفكرة أو مستعدة للتعاون معها.
لقد عكست حملة “شعب كالأسد” تركيزاً صحيحاً على التهديد المحلي الرئيس الذي تقف إسرائيل أمامه. لقد ألحقت الخطوة التاريخية ضرراً جسيماً بالبرنامج النووي، لكنها تتبين كجولة أولى في معركة طويلة: ستتطلع إيران باحتمالية عالية لإعادة بناء المشروع النووي، وبالطبع منظومة الصواريخ الباليستية و”طوق النار” الإقليمي. يستوجب الأمر مواصلة التركيز على إيران، فيما أن حرباً طويلة في غزة ستصرف الانتباه والجهد، وتلحق ضرراً استراتيجياً: استنزاف الجمهور (بخاصة منظومة الاحتياط)، وخلافات داخلية، ونقد دولي حاد.
بات إنهاء الحرب في غزة حيوياً لاستنفاد نافذة الفرص الاستراتيجية التي فتحت في الشرق الأوسط مع نهاية المواجهة مع إيران، وفي مركزها إمكانية المضي بعلاقات مع دول عربية على رأسها السعودية، بل وربما مع سوريا ولبنان اللتين شهدتا تغييراً دراماتيكياً في أثناء الحرب. إن استمرار الحرب في غزة، فما بالك ضم مناطق واستئناف الاستيطان في المنطقة، سيحبط خطوات التطبيع التي تشكل هدفاً استراتيجياً لرؤية ترامب على الطريق لإعادة تصميم الشرق الأوسط. لذا، تنطوي أيضاً على احتمال توتر بين “القدس” وواشنطن.
تتخذ إسرائيل نهجاً مركباً في المواجهات ضد حزب الله وإيران، وتمتنع عن استخدام اصطلاح “مطلق”. الأهداف العليا هي القضاء على التهديد الاستراتيجي في لبنان (بخاصة ترسانة الصواريخ بعيدة المدى ومنظومة الأنفاق قرب الحدود)، إلى جانب تدمير برنامج إيران النووي ومس عميق لمنظومة صواريخها. في الساحتين، لا يدور الحديث عن إبادة العدو، وهو هدف كان سيسبب انحرافاً استراتيجياً سلبياً، مثلما لاح في الخطاب الذي بدأ ينشأ في إسرائيل حول تقويض الحكم في طهران، في أثناء حملة “شعب كالأسد”.
إن “النهج المركب” حيوي في القطاع أيضاً، والمطلوب خيال بعيد وتفاؤل زائد لتصديق نشوء واقع محسن بروح نصر مطلق، تبخر حماس وتغيير وعي الغزيين. ثمة مؤشرات إيجابية على تبني النهج المركب الواعي، برزت مؤخراً في تقارير تفيد بأنه ينظر في إنهاء الحرب باشتراط السيطرة على منطقة الفصل (حزام أمني على طول الحدود)، وترتيبات أمن في فيلادلفيا، والحفاظ على قدرة عمل في القطاع. كل هذه تعكس تراجعاً عن هدف احتلال غزة كلها، بل وعن تقويض حماس.
إذا كانت إسرائيل مقيدة بفريضة “محظور السماح للنازيين بالبقاء على الجدار”، فستجد نفسها تحت مليوني غزي في منطقة مصابة بالإرهاب وحرب العصابات مع خطر عزلة دولية وشرخ داخلي حاد – دون تحرير مخطوفين مع مصاعب في التركيز على إيران وتثبيت تعاون استراتيجي إقليمي. مثلما في لبنان، سيكون في غزة أيضاً اضطرار بعد الوصول إلى تسوية للعمل ضد التهديدات. وإن كانت حماس تواصل وجود مثل هذا السيناريو، لكنها ستكون ضعيفة من ناحية عسكرية، مقيدة سياسياً، وتحت ملاحقة وإحباطات دائمة من جانب إسرائيل. سيكون ممكناً في الخلفية بل وموصى به، فحص تغيير عميق للواقع في القطاع في مستقبل أبعد، خطوة تستوجب ثلاثة شروط أساسية غير موجودة الآن: خطة مفصلة وواعية، إجماع داخلي، وإسناد خارجي.
ميخائيل ميلشتاين
يديعوت أحرونوت 30/6/2025