مقالات

التغيير بين الحاجة القصوى، والتوظيف المغرض. “د. قحطان الخفاجي”

د. قحطان الخفاجي"

التغيير بين الحاجة القصوى، والتوظيف المغرض.
“د. قحطان الخفاجي”
====================
توطئة:
منذ الغزو ٢٠٠٣ ولحد الآن، والعراق في وضعٍ مأساوي للغاية، فلم تعد له سيادة ولا حرية قرار، ولا أمن ولا آمان. ولا عدالة ولا قانون، ولا علم ولا تنمية. وانعدمت فيه أبسط الخدمات ومتطلبات الحياة الكريمة، وذلك جراء العملية السياسية الطائفية الهجينة التي وضعها الحاكم المدني الأمريكي “بريمر”، ومن فرط فساد رموزها التابعين الاذلاء وجرائمهم.
وبعد صبرٍ عسيرٍ وطويل للشعب، ثار من أجل التغيير، بأسلوبٍ حضاري. فَجُوبهَ من المتسلطين واذنابهم والإمعات بعنفٍ أراق دماءً طاهرةً، وغُيبَ من الشباب الكثير، كإجراء ظن أصحابه كفيلاً بوأد إرادة الشعب. ولكن بقي التغيير مطلباً ضرورياً، رغم حقيقة أنه بات موضوعاً تتقاذفهُ المواقف المختلفة سواء الجادة منها، والمغرضة والمدلسة، بشكلٍ وآخر. وغدا المعنيون بين داعٍ للتغيير وثابت عليه، وبين متصدٍ له ومتخوف منه. فوجد الجميع أنفسهم أمام ضرورة التغيير.
وعجتْ وسائل التواصل الاجتماعي بموضوع التغيير أيضا، واجتهدتْ به تكهنات المحللين. وانتشرت مؤخراً بضع منشورات مجهولة المصدر منها منشور (موجود أدناه) ضم صور السيد ناجي صبري الحديثي، والسيد محمد يونس الأحمد، والسيدة رغد صدام حسين. وقد أستوقفني كثيراً وأثار استغرابي، وشعرتُ بوجود رسالة مبطنة غير التي يُظهرها المنشور. فوجدتُ نفسي مجبراً لأُطلع غيري عما رأيت وشعرتُ، عساهم ان يؤيدوا ما أرى أو يصححوا، خصوصاً وشعبنا بحاجةٍ لتوضيح الحقائق، فما عاد شعبنا يحتمل ولا الوطن.
والذي ينظر لهذا المنشور بتمعن يرى:
١ – أنه منشور مجهول المصدر، وهذأ امر مقصود حتماً لتفتح الباب مشرعةً أمام التكهنات والتوظيفات، وخصوصاً تلك التي لا تريد التغيير حقاً، وتريد وضع العراقيل أمام التغيير.
٢- صاحبُ المنشورِ دللَ على جهلهِ بالحقائق. وإذا كان هذا الجهل مقصوداً، وظن أنه سيزيد بها من جهالةِ أتباعه وقاصري النظر، ويمكن أن يضلل الناس البسطاء، فهذا هو الجهل بعينه. فكل متابع للأحداث وأن كان متواضع الإمكانات يعرف التالي:
أ – أن الدكتور ناجي صبري الحديثي، كان كفاءة تكنوقراط، وكادر مهني وفني مبدع، ويحمل إمكانيات متعددة جعلته موظفاً المعياً قادحاً حيث يكون في دوائر الدولة ولم يكن كادراً حزبياً. فأسماء عناصر البعث القيادية معلنة أمام الجميع آنذاك. بل ان الأخبار تذهب إلى أنه فصل من الحزب نهاية سبعينيات القرن الماضي. ولكن لنجاحات الدكتور الحديثي المستمرة وتميزه وإبداعه اختير لإدارة الدبلوماسية العراقية، وقد أجاد بما كلف إيما إجاده. وأكمل الخط البياني المتميز لزعماء الدبلوماسية العراقية أمثال سعدون حمادي وطارق عزيز، وقد أشاد العدو بمهنيتهم قبل الصديق.
وبعد الاحتلال عام ٣٠٠٣، لم نسمع بأن السيد الحديثي تسلم منصب قيادي بحزب البعث، لا من وسائل التواصل الاجتماعي، ولا من الاعلام الرسمي، ولا عبر الفضائيات التي تؤيد النظام الحالي، والتي تنقل أحياناً بعض الأخبار عن قيادات النظام السابق، وتترصد تحركاتهم، وتستضيف محللين لها ليتابعوا خط عمل الحزب عموماً وعمل البعض من قيادته وعناصره. فكيف يتصدر الدكتور الحديثي المنصب الأول للدولة في حالة حصول تغيير يجلب حزب البعث للسلطة مثلما يشير المنشور، بينما لا يشغل أي دوراً قيادياً فيه؟ ولماذا لا يتصدر المشهد المفترض عناصر حزب البعث العاملة الآن!
ب- السيد محمد يونس الأحمد، في أيام ما قبل الاحتلال كان ضابط في الجيش العراقي، وهو وكما تقول الاكيبيديا “هو سياسي وجنرال عراقي يتزعم أحد جناحي حزب البعث العراقي بعد انشقاقه عن القيادة القطرية التي يقودها عزة الدوري. كان الأحمد عضواً في القيادة القطرية لحزب البعث الحاكم في التسعينيات قبل أن يخسر عضويته ويصبح ضمن دائرة الاحتياط. تولى سابقا منصب محافظ الموصل ومنصب رئيس مؤسسة السكك الحديد العراقية ومدير دائرة التوجيه السياسي في الجيش العراقي وكان برتبة لواء ركن”. أي أن يونس الاحمد ترك حزب البعث جماعة العراق بعد الاحتلال، والتحق بجماعة الخط السوري. وحصل هذا الخط على دعم القيادة السورية الحليفة للنظام العراقي الحالي عام ٢٠٠٧. كما سمعنا ذلك عندما كنا في سوريا هاربين من جور الاقتتال الطائفي. فهل يا ترى ان صاحب المنشور وحد بين هاتين المجموعتين من حزب البعث، ثم خطط لفعلٍ كما ظهر لنا بمنشوره المفبرك؟!
ج – أما السيدة رغد، فالجميع يعرف أنها نجلة قائد حزب البعث حينها، ولكننا كعراقيبن – نسمع من هذه الجهة أو تلك – لم نعرف أنها قيادية بحزبِ البعث. ولم نرى لها عبر وسائل الإعلام قبل ٢٠٠٣ أي نشاط حزبي، ولم نقرأ، والإعلام كان ينقل نشاطات قادة حزب البعث آنذاك بنشرات الأخبار والجرائد. وما كنا نراه، هو مجرد سفرات عائلية للسيد رغد مع عائلتها. فكيف غابت عن صاحب المنشور هذه الحقائق. أم افتعل ياترى التغابي عمداً؟! وكيف جمع صاحب المنشور بين هذه الاضداد، ومتي توحدت جماعات البعث المتضاددة؟! وكيف توحدت ولم تعلم حكومة بغداد وحكومة إيران وأتباعهما بذلك وهم خصوم لهم؟! أم هو دليل قاطع على كونه فبركة فاشله لفرط سذاجتها
٣- قد يرى البعض انها ليست بساذجة، بل دراية وتدبير مقصود. وأنا اشاطرهم الرأي. فهو تسطيح مقصود من أجل سرعة الوصول. حيث:
أ – الذي يريد التغيير حقاً يعلق به الآمال، وبعد حين يتحول الأمل إلى خيبة أمل، إذ لا يتحقق شيئاً مما جاء بالمنشور.
ب – والذي لا يريد التغيير من التابعين المستفيدين، سترتفع درجة الرفض للتغيير عنده، لأن المنشور ربط التغيير بحزب البعث، كونه خطورة قصوى لهم. ومن قناعة التابعين تضمن الجهات المتنفذة التي تخشى التغيير حالة الرفض لأي تعيير بغض النظر عن جهته، فلها قاعدة ترفض التغيير.
ج – لا تقتصر حالة الطمأنينة على المتنفذين وأتباعهم، بالتصدي المسبق لأي تغيير محتمل، بل ستطمئن إيران أيضا، فهي الطرف الدولي الأكثر استفادة من حال تردي العراق الآن كدولة. فلا قرار عراقي مستقل اليوم ولا إرادة ولا فاعلية إقليمية حقيقية للعراق ولا دولية تذكر، بل الفعل المؤثر في العراق لإيران واتباعها.
عليه نرى:
١ – المنشور مفبرك، بحرفيةٍ القصد منه التخويف من أي تغيير حقيقي. وإذكاء الموقف المضاد لحزب البعث.
٢ – لا علاقة لحزب البعث بالمنشور، ولا علاقة للشخوص الواردة صورهم به. ولا علاقة لأي جهة تريد التغيير الحقيقي لأنها لا يمكن ان تخلط الأوراق على الناس وتشوه الأمر. ولصق هذه الصور والإشارة لحزب البعث هما الخلل الذي جعل المنشور مهلهلا بعيون الواعين من شعبنا، وهو القشة التي ضيعت على مفبرك المنشور غاياته.
٣ – من المؤكد ان المنشور يعود لمن لا يريد التغيير الحقيقي، وفي مقدمة هذه الجهات إيران واتباعها، والفاسدون من رموز العملية السياسية العوجاء الطائفية الفاشلة.
وهناك احتمال ضعيف أن تقف خلف المنشور بعض الجهات التي تدعي الوجود ولا وجود حقيقي لها.
وفي ضوء ما تقدم، نقول أن هذا المنشور جزء من التوظيف المغرض للتغيير. وهو لعبة مكشوفة مهلهلة من اصحابها، بقصد إثارة التوجس من أي تغيير لا يأتي من غيرها. وهي لا تريد التغيير حقاً، بل تريد ترقيعات لا تخدم الوطن، وسرعان ما تتنصل عنها كما حصل بإعادة العمل بقانون سانت ليغو المعدل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب