عربي دولي

دعم فلسطين يشعل شرارة التمرد… ولادة ثقافة مضادة جديدة في الغرب

دعم فلسطين يشعل شرارة التمرد… ولادة ثقافة مضادة جديدة في الغرب

رائد صالحة

واشنطن-  في لحظة فارقة أعادت إلى الأذهان مشاهد التمرد الثقافي في ستينيات القرن الماضي، قادت فرقة “بوب فايلان” آلاف الجماهير في مهرجان “غلاستونبري 2025” بهتاف جماعي: “الموت، الموت للجيش الإسرائيلي”. هذا الحدث، الذي شكّل صدمة سياسية وإعلامية في الغرب، لم يكن مجرد عرض موسيقي، بل تعبيرًا عن انبعاث ثقافة مضادة حقيقية وفاعلة، تُقلق مراكز السلطة السياسية والاقتصادية.

جونستون: “الأغنياء وأصحاب النفوذ لا يهتمون إذا صبغت شعرك، أو قلت ‘تحيا الفوضى”، ما يزعجهم فعلًا، هو أن تشكّك في شرعية الحرب، أو تفضح روايتهم عن ‘العدو’، أو تدعم من يواجه قنابلهم”

الكاتبة والمحللة السياسية الأسترالية كايتلين جونستون، تناولت هذا التحول الثقافي في مقال بعنوان “الإمبراطورية تسببت عن غير قصد في ولادة جديدة لثقافة مضادة حقيقية في الغرب”، وأوردت فيه تحليلًا لافتًا حول ما وصفته بأنه “أول تمرد حقيقي في الثقافة الغربية منذ حرب فيتنام”.

التمرد هذه المرة ليس شكليًا

تقول جونستون إن الفرق بين التمرد الحالي والموجات السابقة يكمن في عمق التحدي الموجّه للنظام. فخلال العقود الماضية، سيطرت ثقافة متمردة ظاهرًا، لكنها لا تمسّ جوهر السلطة. ففنانون كُثر رفعوا شعارات التمرد، لكنهم لم يتجاوزوا خطوطًا معينة، وبقوا ضمن هوامش لا تهدد المنظومة الإمبريالية.

وتضيف: “الأغنياء وأصحاب النفوذ لا يهتمون إذا صبغت شعرك، أو قلت ‘تحيا الفوضى’، أو قبلت شخصًا من نفس جنسك. ما يزعجهم فعلًا، هو أن تشكّك في شرعية الحرب، أو تفضح روايتهم عن ‘العدو’، أو تدعم من يواجه قنابلهم”.

وفي هذا السياق، تشير الكاتبة إلى أن فنانين مثل ليدي غاغا أو مارلين مانسون لم يواجهوا مضايقات رسمية رغم جرأتهم الظاهرية، لأنهم لم يقتربوا من الخطوط الحمراء. بينما تُلاحق اليوم فرق مثل “بوب فايلان” و”نيك كاب” بتحقيقات ومنع من السفر، فقط لأنهم قالوا: “فلسطين على حق”.

لماذا تتحول فلسطين إلى عنوان للثقافة المضادة؟

ترى جونستون أن دعم فلسطين، في ظل ما يشهده العالم من مجازر موثقة يوميًا عبر شاشات الهواتف، أصبح شكلًا من أشكال التمرد الأخلاقي والسياسي. فهو موقف يتقاطع مع الرفض الأوسع للمنظومة الحاكمة في الغرب، التي حرمت هذا الجيل من الأمل الاقتصادي، وأسهمت في تدمير البيئة، وتغاضت عن الجرائم حين يكون مرتكبوها من “الحلفاء”.

“ما الذي يمكن أن يكون أكثر جاذبية لشباب غاضب من موقف يرفض الخضوع لنظام يخبرهم: لا تجرؤ على الاعتراض، حتى لو كان ما تراه إبادة جماعية؟”، تتساءل الكاتبة بسخرية، مؤكدة أن محاولة إسكات هؤلاء الشباب لا تؤدي إلا إلى زيادة تمسكهم بمواقفهم، واتساع رقعة التأييد الشعبي حولهم.

عودة التمرّد الحقيقي

المشهد الذي رسمته الكاتبة ليس مجرد موجة فنية، بل ولادة تيار ثقافي يتحدى السلطة. تقول جونستون: “التمرد الذي تشهده المهرجانات الفنية في الغرب اليوم لا يشبه ما اعتدناه في العقود الأخيرة، لأنه يوجّه ضرباته حيث تؤلم فعلًا: نحو تطبيع الحروب، وتبرير الاحتلال، وخنق الحقيقة”.

وتختم جونستون تحليلها بالتأكيد على أن هذه الثقافة المضادة الجديدة قد لا تُرضي السلطات، لكنها تعيد إحياء مفهوم قديم وضروري: أن يكون الفن صوتًا للضمير، لا أداة تسلية فارغة.

“القدس العربي”:

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب