منوعات

الضرب تحت الحزام… والشعب الأطرش في الزفة!

الضرب تحت الحزام… والشعب الأطرش في الزفة!

سليم عزوز

وكأني بالفنان عادل إمام في مسرحية «شاهد ماشفش حاجة»: ماذا أقول، وأي شيء يقال، بعد كل ما قيل، وذلك تعليقاً على حادث الطريق الدائري الإقليمي في مصر، والذي أودى بحياة ثماني عشرة فتاة، فحتى طلبي بضرورة الإعلان عن اسم الشركة المنفذة لإصلاح الطريق، وتقديمها لجهات التحقيق، اكتشفت أنه قيل، وأن من قاله هو عمرو أديب، وبشكل أذهل الناس، من شدة هجومه على وزير النقل، حتى اعتقدوا أن هذا لحسابات سعودية، الدولة التي يحمل عمرو جنسيتها، والتي يعمل في احدى مشروعاتها الإعلامية؛ «أم بي سي» مصر!
ولم يكن أديب وحده الذي تدخل في معالجة الحادث على خط المعارضة، فقنوات أخرى فعلت، ساعدها على ذلك الأداء الركيك لوزير النقل الفريق أول كامل الوزير، وبعض البرامج كانت ضده، وأخرى كانت معه، مثل المقابلة التي أجرها معه نشأت الديهي على قناة «تن»، فأضر الرجل بنفسه ضرراً فادحاً، فقد كان محكوما بأمرين؛ الأول إنه ليس متحدثاً جيداً، وهو لديه سيولة غير منضبطة في الكلام، ويكفي أن تضع أمامه المايك حتى يضر نفسه بنفسه. ووصل به الحال حتى القول إنه لن يستقيل وإنه باق لآخر يوم في حياته، فاستفز الرأي العام، وهذا هو المطلوب!
ومما قاله، وهو في حالة الاستنفار هذه، انظروا تكلفة الطرق في السعودية. فلماذا السعودية؟ وذلك لأن الطريق الإقليمي تكلف إصلاحه 20 مليار جنيه (حسب أحد النواب)، وقد تم افتتاحه عام 2018، وبعد سنوات قليلة تبدت عوراته للناظرين، وحدث به هبوط، هو المسؤول عن الحوادث عليه، ولم تكن هذه المرة الأولى.
وقال عمرو أديب لمن وصفه بـ «سيادة النائب»: إن الطريق مغلق منذ عامين للإصلاح، ورد عليه سيادة النائب: بل منذ عام واحد، والمستفاد من ذلك أن مشكلات الطريق ظهرت بعد ست سنوات، الأمر الذي يجعلنا أمام قضية فساد مكتملة الأركان، لا تحتاج أدلة لإثباتها وهو أمر يضرب المنظومة في مقتل، وقد حذرنا مبكراً من دخول الجيش على خط المقاولات، ومن احتكار الهيئة الهندسية للغنائم لتقوم بتوزيعها على شركات من الباطن، الأمر الذي يعظم من تكلفة الإنتاج، كما حظرنا من الصيغة المعتمدة، وهي «الأمر المباشر»، والحال كذلك فمن يجرؤ على رفض تسليم طريق غير مطابق للمواصفات، ومن يلزم هذه الجهات بالالتزام بشيء!

عندما علق تركي آل الشيخ

وقد جاء الوزير الآن ليقول إن الطريق بحاجة إلى 50 مليار جنيه لإصلاحه، ويحيلنا بدون مبرر موضوعي الى تكلفة اصلاح الطرق في السعودية. فنحن أمام حديث مدهش للغاية، فهذا مبلغ يكفي لإقامة دولة لها علم ونشيد، ويصبح معنى الكلام أن العشرين مليار الأولى ضاعت هباء منثورا!
واستفز هذا الوزير السعودي تركي آل الشيخ، فلم يفعل شيئاً سوى أنه كتب «السعودية «بجانب كلمة باللغة الإنكليزية بشكل خاطئ، ولأن من على رأسه بطحة يحسس عليها، والكلام لك يا جارة، وهي كلمة نطقها هكذا الوزير في محفل رئاسي، فقد كانت هبة قوية ضد السعوديين عزفت العزف النشاز نفسه عن أنها دولة حديثة، في مواجهة دولة عمرها سبعة آلاف سنة، إلى غير هذا من الأعمال الكاملة، التي تبدأ بالتذكير بالحضارة المصرية، ولا تنتهي بالتذكير بالتكية المصرية في المملكة!
وأزمة القوم في القاهرة، أن لديهم تصورا، ثبت بالتجربة أنه غير صحيح، وهو أن السعوديين سيعرضون عن الاشتباك، كما أعرض القطريون من قبل، أمام موجة من الانحطاط، كان السباب فيها بالأب والأم، على نحو كاشف أن هؤلاء لا ينتمون البتة إلى الحضارة المصرية القديمة، والتحضر يرقى بالأسلوب، ويهذب المشاعر!
وفي كل معركة من هذا النوع، يتبين أن السعوديين لديهم ذباب إلكتروني قادر على الافتراس، بجانب منشور يطلقه أحد الصحافيين السعوديين وينام، فيسهر الخلق جراه ويختصموا، وفي هذه المرة فإن صحافيا سعودياً قديما ضرب في موضع الألم، عندما وعد بأن عام 2026 سيأتي على مصر بدون السيسي، وكأن بيده سلطة تقرير المصير في الداخل المصري، فعندما تبدأ المكايدة لا تسأل عن الموضوعية.

السعودية.. لماذا السعودية؟
وأمريكا.. لماذا أمريكا؟

هل كان الفريق أول كامل الوزير واعياً لما يقول عندما ذكر اسم السعودية في سياق سلبي، ولاعتقاده أن الحملة عليه ما دامت من المجنس السعودي، وفي قناة سعودية، فإنها لحسابات سعودية خالصة؟!
قبل محاولة الإجابة على هذا السؤال أود التذكير أنني عثرت على جانب من حلقة قديمة لأحمد موسى على قناة «صدى البلد» منذ عام 2018، وكان في حالة نشوء وارتقاء لافتتاح الطريق الدائري الإقليمي، حيث كانت كل حواسه في حالة فخر وامتلاء وطني، فالطريق بعد الافتتاح صار من أفضل الطرق على مستوى العالم، إن لم يكن أفضلها، وإذا كان من الطبيعي استدعاء العالم عند المقارنة بالمنشآت المصرية الحديثة، فإن الجديد ذكره أن هذا الطريق أفضل من طرق أمريكا، فلماذا أمريكا؟!
ولم يكن هذا الطريق الأفضل من طرق أمريكا، سوى الطريق الذي شهد الحادث المروع وأودى بحياة ثماني عشرة فتاة، شهيدات لقمة العيش!
وعموماً، فلا أعتقد أن كامل الوزير يعد موضوعاً لدى السعوديين، ولكن تعرض عمرو أديب له هو لحسابات داخلية، لا يختلف مع من دافعوا عنه وسعوا لتعليق الاتهام في رقبة رئيس الحكومة، وإن تعرض رئيس الحكومة لوابل من الهجوم من قبل الإعلام المنحاز لكامل الوزير على خلفية قانون الإيجارات القديمة للمساكن، وبالضرب تحت الحزام، وهو أمر ذكرنا بالذي مضى، وإن كان جديداً على هذه المرحلة!
ففي عهد ما قبل الثورة، شاهدنا ما كان يقوم به البعض من هجوم على هذا الوزير أو ذاك، وبعض هؤلاء منحهم العامة – لذلك – لقب «المعارض»، مع أنه أداة في يد هذا الوزير أو ذاك، وأنه مجرد بيدق يعمل لصالح الغير، وعندما كان كمال الجنزوري رئيساً للحكومة في عهد مبارك، انزعج عندما كتبت مقالاً ضده، وكان في صراع مع مراكز القوى في عهد مبارك، وهو شخص مستبد بامتياز، وحدث أن استدعى أحد الزملاء لمكتبه، وأغلق الباب وكأنه يخطط لغزو الفضاء، ليسأله إن كان وراء هذا الهجوم كمال الشاذلي الرجل القوي في الحزب الوطني؟ وقد تنفس الصعداء عندما أخبره الزميل إنني دائم الهجوم على الشاذلي!
أرى أننا عود على بدء، وإن أخذ عمرو أديب على رئيس الوزراء أنه لم يقدم العزاء لأسر شهيدات لقمة العيش، فهو ذر للرماد في العيون. ومشكلة مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء أنه يريد أن يزيح كامل الوزير من طريقه، وهذه فرصة لن تتكرر، فالوزير مرشح قوي لخلافته، وذلك منذ عدة شهور، وما منع من ذلك إلا بطء الرئاسة في اتخاذ القرار، والتي ربما أجلت التعديل الوزاري إلى ما بعد انتخاب البرلمان في هذا الصيف!
ومن هنا فحديث كامل الوزير عبر قناة «تن» من أنه باق، ولن يغادر، وأنه مقاتل والمقاتل لن يترك ساحة القتال، ليس موجها للشعب المصري الذي استفزه ذلك، ولكنه موجه لمن يدفع لإقالته، ومن يريد استغلال حادث الطريق الإقليمي للإطاحة به، إنها معركة مصارين البطن، يبدو فيها الشعب كالأطرش في الزفة، حتى وهو يشاهد القنوات التلفزيونية في الداخل المصري فتبدو له «مكملين»!
وقد يسعدك أن يكون هذا نتاج مخطط لسحب البساط من تحت قنوات الخارج، لكن السعادة ستزول لأن معارك «مصارين البطن»، كشفت عن غياب المرجع الأعلى لإدارة منظومة الإعلام، لدرجة أن الإعلاميين تحولوا إلى «ذئاب منفردة»، ويمكن التأكد من الغياب بمتابعة أداء اللجان الإلكترونية، فتارة يهاجمون قطر، رغم المصالحة، وتارة يسخرون من إيران رغم التقارب الأخير مع السلطة المصرية.. فمن أنتم؟! عُلمنا منطق القوم.

أرض – جو:

رغم اغلاق «الحرة» إلا أن الموقع الإلكتروني لا يزال يعمل، وهو يعتمد على فيديوهات قصيرة لمذيعها السابق إبراهيم عيسى، يشاهدها فقط المئات، رغم الضجة المثارة حولها، هل تأكدت الإدارة الفاشلة للحرة أنها اشترت الترام؟!
عندما تستمع لمدير مكتب الجزيرة في طهران عبد القادر فايز، فأنت على موعد من وجبة دسمة مكتملة العناصر الغذائية، من صحافي متمكن من المشهد إيراني، تماماً مثل وجبة وليد العمري عن الحرب على غزة قبل اغلاق المكتب بقرار إسرائيلي، وهي الوجبة نفسها التي كان يقدمها مدير مكتب الجزيرة في غزة وائل الدحدوح.
عاد الدحدوح إلى الشاشة ومن الأستوديو في الدوحة فاكتملت الصورة، وقد تماثل للشفاء، فلا معنى للغياب.

صحافي من مصر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب