حمى هجرة الصغار في الجزائر… من استهدف أسطول الحرية لغزة في تونس؟ واهتمام بمرافقة كلب لسائحة في المغرب

حمى هجرة الصغار في الجزائر… من استهدف أسطول الحرية لغزة في تونس؟ واهتمام بمرافقة كلب لسائحة في المغرب
لا يبدو أن دروس مدربي “الطاقة” بترديد التعاويذ الطيبة في استقبال “أيلول” قد أتت أكلها، أو ربما أتته مضاعفة، فالمتابع للشأن العالمي سيقف مندهشا أمام “سقوط” وإعادة ترتيب البيت النيبالي برقمنة وتهليل يثيران الريبة وحسد البعض، تقلبات الأجواء تحت السماء وفي شوارع باريس، أخبار الموت الاستعراضي في أمريكا، وآخر قمم العرب فيما تواصل إسرائيل عدوانها.
حمى وهجرات
حمى تبدو الكلمة الوحيدة التي قد يستعيض بها المتابع للشأنين الجزائري والمغربي في علاقتهما. جدل مستمر ومزايدات بعضها عفوي وكثير منها مدفوع وممنهج، مادة للتنفيس أحيانا وللسخرية بين العقلاء من البلدين مرات. من بين الجدالات الكثيرة برز تريندان سيطرا على اهتمام رواد مواقع التواصل الاجتماعي في البلدين، يختصران، ويساويان بدقة هواجس فئات واسعة.
في الجزائر لا تزال قصة “المغامرين السبعة” تخيم على الأذهان. سرقة قارب نزهة والتوجه به نهارا نحو سواحل إيبيزا الإسبانية (التي لا تزال وجهة مميزة ومكلفة لهواة العطل الصاخبة) انطلاقا من سواحل العاصمة، من طرف مراهقين بعيد أيام على العودة إلى المدارس، بدت أقرب لمغامرات رسوم متحركة على طريقة الأنيمي، أو سلسلة بحلقات قليلة على نتفليكس، منها إلى قصة هجرة غير شرعية تقليدية.
صور البثوث المتتالية للصغار على مختلف المنصات الرقمية، خلال الرحلة وبعدها، خلفت حالة دهشة واسعة بين الجزائريين. بعضهم وجد في الفعل قبحا لا قبح بعده، تساءل آخرون عما يدفع أطفال بأسنان حليبية، وحالة عامة جيدة (هواتف غالية، ألبسة لا تعكس فقرا، ضف إلى ذلك تحملهم كلفة كراء القارب والمصاريف الرديفة على صغر سنهم) إلى الهرب من بلد لم يعرفوا منه غير المدرسة والصفوف. أشار آخرون إلى السطوة المتزايدة للمواد الرقمية التي تحوي خطابا على المقاس موجها لهذه الفئة بالذات، والتي لا تنتبه إليها العامة غالبا، تماما كتلك التي دفعت نظراء لهم لقيادة “حركة تمرد ضد ضخامة ساعات الدروس” منذ أشهر.
على النقيض من هذا التيار، برزت أصوات تشيد بما فعله الصبيان الرعن. البعض هنأ شجاعتهم، آخرون توقفوا عند ذكائهم، في حين وجد البعض في الأمر مجرد تضارب وجهات نظر تعكس اختلاف أجيال، وقطيعة مع تقاليد الهجرة السرية التقليدية، بل نقلت وسائل التواصل قصصا لعائلات تروي الهوس الذي أصاب أبناءها بالقصة ورغبتهم في محاكاة من تحولوا لأبطال.
غير بعيد، على مسافة كيلومترات كثيرة، لا حديث لسكان المملكة المغربية على المواقع الافتراضية غير قصة كلب “بلدي” هاجر بطريقة “شرعية”. بدأت القصة حين انتبهت إحدى السائحات التي تضاربت الأقوال حول أصلها (أمريكية مرة، بريطانية في رواية أخرى) لكلب يتبعها في تنقلاتها بالدراجة وأصدقائها. لم توقف الشمس المستعرة، ولا الأسفلت الحارق رغبة الكلب في اللحاق بالسيدة. لحظات وثقتها كاميرا جوال السائحة، وتشاركتها على مواقع التواصل الاجتماعي، بل وصلت حد اقتناء جوارب خاصة للكلب حتى تحميه من مشقة الطرقات الوعرة التي تسلكها.
تماما كقصة المغامرين السبعة الجزائريين، عرفت حكاية الكلب نهاية وردية بعد أن قررت السائحة تبني الحيوان الصغير، وعادت به إلى بلدها، حيث لا زالت تتشارك صوره. الحقيقة أن مغامرة الكلب ليست بالقصة هنا وإنما تفاعل المغاربة معها على مواقع التواصل الاجتماعي. “ماذا؟ كلب يسافر وأبناؤنا يخاطرون بحياتهم عبر البحر؟”، “الكلب سافر أوروبا وأنا لا زلت لم أحصل على فيزا”، “كلب يعرف مصلحته جيدا”، “يا لها من حياة ابنة كلب فعلا، الكلب وجد حلا ونحن لا زلنا هنا عالقين”، “حتى الكلب يود الفرار من هذا البلد”. هذا التفاعل تحول لمادة للتندر بين طائفة من المغاربة: “تحسدون حيوانا”؟
من يحرق من؟
بين “حمام الشط” وحتى “سيدي بوسعيد”، تسع وثلاثون كيلومترا، أربعون عاما، واسمان غزيا وسائط التواصل التونسية خلال الأيام الأخيرة. “حمام الشط” هو مسرح المجزرة التي ارتكبها الصهاينة على الأراضي التونسية سنة 1985، أما “سيدي بوسعيد”، أو “ميكونوس تونس” فهو اسم شاطئ جميل غير بعيد عن العاصمة، والذي تحول بدوره إلى مسرح عدوان مرتين، خلال الساعات الماضية، ضد القوارب التي تجمعت فيه لشد الركبان نحو غزة ومحاولة فك الحصار.
الاعتداءان تما بمسيرات، الخسائر وإن لم تكن كبيرة فقد كانت شديدة الوقع رمزيا. دناءة الجهات المنفذة لم تسعفها لتكشف عن هويتها، ولكن التوقيع بدا واضح المعالم. الحدث وإن أثار أكثر من جهة ودفع للتساؤل حول ما يصنع واقع القيم العالمية، التي عملت القوانين والمعاهدات الدولية على ترسيخها لعقود طويلة، فقد شغل التونسيين لأسباب أخرى. تضارب التعليقات الرسمية حول حقيقة الفعل خاصة الاعتداء الأول الذي بررته جهات مختصة “بحريق ناجم عن عقب سيجارة” ثم “لقاء بين ولاعة وسترة نجاة” أثار سخرية واسعة بين التونسيين، الذين هالتهم الاستباحة السافرة لمجالهم الإقليمي الجوي والمائي. “إنهم يسخرون منا، صحيح؟”، “ما قصة الحب المستعرة هاته التي تجعل سترة نجاة تشتعل على قارب متجه لغزة؟”، “هذه عادتهم، لم ولن يحدثوا الشعب بصراحة”، “لا يعرفون غير الكذب”.
“ألا نملك دفاعات؟”، “أين راداراتنا؟”، “أين هو الجيش؟”، تساءلت طائفة من التونسيين، في حين كان هم آخرين: “علينا دائما أن ندفع الثمن مكان الآخرين”، “لما تتحمل تونس وحدها وزر ما يحدث في غزة؟”. على مواقع التواصل الاجتماعي ربط البعض بين الحادثتين وما قيل إنه يحاك ضد البلد في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يدفع رجال سياسة بمشاريع “لإعادة تونس إلى طريق الديمقراطية”: “لقد بدأ العبث بتونس”، “يبدو أننا على مشارف فصل جديد من الربيع العربي”، “لن يهدأوا حتى تتحول تونس إلى ليبيا أو سوريا جديدة”. حالة الذهول الجماعي أمام الواقعتين فتحت الباب أمام أكثر نظريات المؤامرة شطحا: “ما مصدر الدرونات؟”.
السؤال وإن كان مشروعا وواجب الإجابة لملايين التونسيين قبل الغرباء، إلا أنه أثار سيلا من التبريرات التي راحت تشكك في هوية الجهة أو الجهات التي تقف خلف العدوان: “مسيرة بهذا الحجم لا يمكن أن تطير كل هذه المسافة حتى تونس، لا شك أن هناك أطرافا أخرى غير بعيدة”، ” الأرجح أن إرهابيين من الداخل من قام بالفعل”، “مجرمون مأجورون، وموالون للصهاينة تونسيون هم من يقفون خلف المسيرتين”. تبريرات تبدو غريبة، لكن تنتظر تحقيقا يميط اللبس عنها.
كاتبة من الجزائر