العلاقات العامة والذكاء القادم

العلاقات العامة والذكاء القادم
الكاتب:
عبدالله عنايت
W7Worldwide للاستشارات الإستراتيجية والإعلامية
في المشهد السعودي المتسارع، تقف صناعة العلاقات العامة على أعتاب تحول تاريخي تقوده تقنيات
الذكاء الاصطناعي، في ظل رؤية السعودية 2030 التي جعلت من التقنية رافعة أساسية لمجتمع
أكثر تواصلاً وابتكارًا. لم يعد الذكاء الاصطناعي خيارًا، بل أصبح ضرورة إستراتيجية، لكن السؤال
الأهم: كيف نضمن ألّا تبتلع الأتمتة روح الإنسان في سرد الحكاية السعودية؟.
لقد شهدنا انتقالًا من الرصد اليدوي إلى التحليل اللحظي، حيث باتت أدوات الذكاء الاصطناعي قادرة
على معالجة ملايين المنشورات في ثوان معدودة، وتقديم خرائط دقيقة لانطباعات الجمهور. هذا
التطور أتاح لوكالات العلاقات العامة استهداف شرائح واسعة من الشباب ورواد الأعمال والمهتمين
بالشأن العام برسائل مصممة خصيصًا لهم، مع الحفاظ على دقة اللغة وتناسق النبرة مع السياق
المحلي والهوية الوطنية.
ومع ظهور جمهور سعودي جديد، خاصة من هم دون الثلاثين، ازداد التفاعل مع المحتوى الرقمي
والشخصيات الافتراضية المنتجة بالكامل عبر الذكاء الاصطناعي. وعلى الرغم من جاذبية هذه
الشخصيات، تصاعدت دعوات الجهات التنظيمية للشفافية، ما دفع العلامات التجارية إلى الإفصاح
صراحة عن استخدام الشخصيات الافتراضية، حفاظًا على مصداقية الرسائل وثقة الجمهور.
في قلب هذا التحول، تبرز الأخلاقيات كمعيار حاسم، إذ تشير تقارير متخصصة إلى أن مجالس
إدارة وكالات العلاقات العامة في المملكة العربية السعودية تضع ثلاث أولويات رئيسة: أولها
الإفصاح، أي ضرورة التمييز بين المحتوى البشري والمُنتج بالذكاء الاصطناعي، خاصة عند
استخدام شخصيات افتراضية. وثانيها مكافحة المعلومات المضللة، عبر اعتماد أدوات متقدمة لكشف
التزييف العميق كجزء أساسي من استراتيجيات إدارة الأزمات. أما ثالثها فهو الذكاء الثقافي، إذ
يُدرّب الذكاء الاصطناعي على فهم السياقات المحلية واللغوية والثقافية، بعيدًا عن النماذج العالمية
الجاهزة التي قد تنفّر الجمهور المحلي، حيث لا تتناغم مع متطلباته واحتياجاته.
ولم تقتصر التحولات على الجانب التقني فقط، بل امتدت لتشمل أيضًا نماذج العمل، حيث أصبحت
المهام التقليدية مؤتمتة، والتقارير اللحظية الذكية وفرت وقتًا لفرق العمل لإعادة توجيهه نحو
الابتكار، كما دخلت الجهات الحكومية على الخط، مستخدمة روبوتات الدردشة لتقديم خدمات فورية
للجمهور، وأدوات الذكاء الاصطناعي لتلخيص آلاف الملاحظات المجتمعية حول مشاريع القوانين
في دقائق، ما عزز كفاءة صنع القرار في البلاد، ودعم مشاريع المدن الذكية.
ومن التجارب الواقعية، نفذت W7Worldwide للاستشارات الإستراتيجية والإعلامية، تمرينًا
لمحاكاة أزمة لمصلحة علامة تجارية سعودية باستخدام الذكاء الاصطناعي، نتج عنه تحديد 12
سيناريو أزمة محتملة، من تأخيرات التوريد إلى ردود الفعل السلبية على وسائل التواصل
الاجتماعي. هذه المحاكاة قلصت وقت الاستجابة للأزمات إلى النصف، وأتاحت إعداد نقاط نقاش
استباقية، ما عزز ثقة العميل وأثبت أن الذكاء الاصطناعي لا يحل محل البصيرة البشرية، بل يدعمها
ويعززها.
هذا عن الواقع الراهن الذي نعيشه، أما المستقبل فهو يحمل في طياته المزيد من التحولات، فالبحث
الصوتي سيُعيد تشكيل استراتيجيات تحسين محركات البحث، وستسرّع أدوات الذكاء الاصطناعي
إنتاج الفيديوهات، كما ستدخل الاستدامة في صميم تقارير الأداء الإعلامي بقياس البصمة الكربونية
وأثر الحوكمة البيئية والاجتماعية.
في الختام، تظل الشفافية، والابتكار، والهوية المحلية، والبوصلة الأخلاقية، هي عناصر النجاح
الحقيقي في صناعة العلاقات العامة السعودية. الوكالات التي ستنجح في دمج التقنية مع الروح
الإنسانية ستقود المرحلة المقبلة في صناعة العلاقات العامة، في لحظة فارقة تتطلب من الجميع أن
يكونوا في طليعة المنافسة والتغيير، لا مجرد متابعين له ومتفرجين عليه.