
قراءة ابتدائية لاتفاق ملغوم
بقلم الدكتور وليد عبد الحي
حاولت جهدي الحصول على مضمون الاتفاق بين اسرائيل والمقاومة في غزة ، وقارنت نصوصا متعددة لكي استقر على ما هو متفق عليه في النصوص المنشورة، وطبقا لما راجعته تبين لي ما يلي:
أولا: ليس هناك اي نص ” رسمي” في كل ما اطلعت عليه على الانسحاب من القطاع، وكل ما يجري الحديث عنه هو ” اعادة انتشار”(Redeployment )، فالانسحاب يعني الخروج التام من الحيز الجغرافي الذي يتم تحديده ، بينما اعادة الانتشار تعني اجرائيا تقليص عدد المواقع العسكرية التي تعمل في المكان مع بقاء السيطرة على نفس الحيز( اي بدلا ان يكون هناك خمسة مواقع للسيطرة على مساحة معينة او حي ، يتم تقليص المواقع الى 3 مع بقاء المساحة نفسها تحت سيطرة المواقع الثلاث المحددة،) ، ويكفي العودة الى ما جرى تطبيقه في الضفة الغربية في نص اتفاق اوسلو على “اعادة الانتشار فيها” لا على الانسحاب.
كذلك لا بد ان يشمل الانسحاب المياه الاقليمية لغزة، بخاصة ان نسبة الغزيين المعتمدين على الصيد البحري عالية جدا.،
ثانيا: تبدأ عملية اعادة الانتشار الاسرائيلي اولا في الجزء الشمالي وفي ممر نتساريم ، لكن خرائط اعادة الانتشار يجري الاتفاق عليها لاحقا، (وهنا لا توجد اشارة الى المناطق التي سيتم اعادة الانتشار لها بشكل واضح وبتحديد جغرافي دقيق،ولا يوجد اي جدول زمني يشير لمدى التزامن بين تسليم الرهائن وبين اعادة الانتشار )، ذلك يعني احتمال كبير للمماطلة الاسرائيلية بعد استلام الرهائن ، كما ان الاتفاق ينص على اعادة الانتشار في الجنوب في اليوم السابع من الاتفاق وفق “خرائط يتفق عليها” ، وهو ما يفتح الباب امام اسرائيل الى التلاعب، لذا لا يجوز تسليم اي رهينة الا بعد اكتمال التوافق تماما على النص وعلى التطبيق ، فلا يجوز التفاوض اثناء تنفيذ الاتفاق .
ثالثا: عدم النص في الاتفاق المنشور على التزامن في كل مقايضة، فمثلا لماذا يتم اطلاق الرهائن الاسرائيليين قبل اطلاق الرهائن الفلسطينيين، ولاحظنا في المرات السابقة المماطلة الاسرائيلية وتاخير اطلاق سراح الاسرى الفلسطينيين احيانا ليومين كما جرى في المرات السابقة، لذا لا بد من النص الواضح على:
أ- مساحات الانسحاب (او حتى اعادة الانتشار)
ب- مواعيد انجاز الانسحاب باليوم والساعة.
ت- التزامن الدقيق بين اطلاق الاسرى من الجانبين.
ث- ليس هناك اي اشارة الى معادلة التبادل للاسرى، فلا يوجد نص على عدد الاسرى الفلسطينيين الذين سيطلق سراحهم مقابل كل اسير اسرائيلي حي او جثة لاسير اسرائيلي.
ج- من الضروري ان يراعي الطرف الفلسطيني ان ثمن الاسرى الاسرائيليين يجب ان يتباين بين الجندي والضابط الصغير والضابط الكبير( وهذا وقع في الحرب العالمية الثانية بين المتحاربين وليس بدعة )
رابعا: عدد الرهائن الاسرائيليين (الاحياء والجثث )هو 58 ، سيتم اطلاق 10 احياء و 18 جثة خلال الشهرين المحددين لوقف اطلاق النار. وهناك ملاحظات تستحق التامل في هذا الجانب مثل:
أ- ان عدد الاسرى الاسرائيليين الذي سيفرج عليهم في اليوم الاول هو 8، وهو رقم كبير للغاية ، وان مجموع من سيتم اطلاقهم في الشهرين هو 10 احياء و18 جثة (اي 28، وهو ما يعادل 50% تقريبا من عدد الرهائن الاحياء والموتى)، وهذا فيه غُبن كبير ، ومن الضروري مراجعة معادلة التبادل ، وان يكون العدد اقل من ناحية وان يتم الاصرار مقابل الرقم الحالي على الانسحاب التدريجي بدلا من اعادة الانتشار لقبول هذا الرقم،. ومن الافضل ان يكون العدد الاقل ممن يطلق سراحه من اسراهم في بداية الاتفاق حتى مع الالتزام بالمراحل الخمسة المنصوص عليها في الاتفاق.
ب- جاء في النص ” التزام امريكي مصري قطري بمفاوضات جادة بهدف “انهاء الحرب”، وهذه عبارات غير ملزمة، ناهيك عن ان مصر وقطر لا يملكان اي قوة الزامية على اسرائيل، لذا يجب ان تطلب المقاومة من الجزائر عرض الاتفاق على مجلس الامن الدولي ويجري التصويت عليه لتضمنه القوى الكبرى دائمة العضوية
ت- لعل من اغرب االنصوص هو النص على أن المساعدات ” سيتم التوافق عليه خلال مدة الاتفاق ، وتكون كميات “كافية” دون تحديد ، ويتم التوزيع من خلال قنوات “يتفق عليها” منها الامم المتحدة والهلال الاحمر.وهذا النص يخلو من تحديد الكميات، وترك قنوات نقلها وايصالها للتفاوض ، وعليه يجب ان تصر المقاومة على تحديد الكميات اليومية ونوعية المساعدات الملحة اكثر من غيرها ، واقتصار آلية التوزيع والمراقبة على الامم المتحدة، وان تشمل قنوات عبورها كافة المعابر.
ث- هناك امور استراتيجية تركت بصياغات عامة للغاية، مثل ” مناقشة ترتيبات امنية طويلة الامد”، وهو ما يعني احتمال مطالبة اسرائيل نزع سلاح المقاومة اوالمطالبة بحقها في الرقابة على المعابر …الخ. كذلك ” يدعو الاتفاق الى التفاوض ” على الوقف الدائم لاطلاق النار ، وليس هناك اي افق زمني لانجاز ذلك.
ج- نص الاتفاق على “امتناع حماس عن تنظيم مراسم متلفزة لتسليم الاسرى ، ويجب ان يكون لهذا المطلب الاسرائيلي ثمن مثل تقليص ساعات النشاطات العسكرية وزيادة ساعات امتناع الطيران الاسرائيلي عن الاستطلاع الى 15 ساعة (بدلا من 10) في الايام العادية ، و20 ساعة في الايام التي يتم فيها تسليم بعض الرهائن بدلا من 12.او المطالبة مقابل ذلك بزيادة آليات الإسعاف والجرافات المسموح لها بدخول القطاع لرفع الانقاض
أخيرا:
على المقاومة ان تعمل خلال التفاوض على تحديد دقيق لمعنى “كل كلمة” ، وان يكون ذلك ملحقا للاتفاق وجزء لا يتجزأ منه ، فكلمة مساعدات لا بد من تحديدها وتحديد كمياتها اليومية وطرق ايصالها واولوياتها ومعايير تحديدها، وكذلك معنى اعادة الانتشار والانسحاب والاستطلاع وقواعد التبادل للاسرى .
على المفاوض الفلسطيني ان يستفيد من الخبرة التاريخية للتفاوض مع اسرائيل، وان يتنبه الى ان اسرائيل تعمل وفق القواعد التالية:
أ- تجزئة الموضوعات
ب- تجزئة الزمن
ت- تجزئة الاطراف
اما دالة التفاوض فهي ذات بعدين :الاول هو العمل على : وقف دائم لاطلاق النار ، انسحاب تام من غزة ، فتح المعابر تمهيدا لوضع خطة عاجلة لاعادة الاعمار ،أما البعد الثاني فهو أن الثقة فيما يقوله نيتنياهو او ترامب او الاطراف العربية يجب ان لا تتزحزح عن صفر%، ان موضوع الرهائن هو المرار الذي يغص حلق نيتنياهو، ويريد ان يحصل عليهم بالخديعة بعد فشله في تخليصهم ، وفي حالة تحقيقه ذلك ، سيصبح متحررا من هذا الموضوع ليبدا بالتفكير في مرحلة افراغ القطاع او على الاقل تقليص سكانه باكبر قدر ممكن، وسيماطل الى ابعد الحدود في تمرير مشروعات الاعمار ، وستسانده دول عربية مهما كان جرمه واضحا …..وبدون ربما.