عن المؤكد في لقاء ترامب – نتنياهو: أميركا أكثر التصاقاً بإسرائيل

عن المؤكد في لقاء ترامب – نتنياهو: أميركا أكثر التصاقاً بإسرائيل
التحالف الأميركي مع إسرائيل يتجاوز الاستراتيجية إلى المصالح الشخصية والانتخابية، فيما يسعى لفرض الاستسلام على المقاومة، وهو طرح لاواقعي أكثر كلفة من المواجهة.

لقاء الأمس بين رئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو، والرئيس الأميركي، دونالد ترامب، كان الثالث بينهما منذ تسلّم الأخير الرئاسة، قبل أقلّ من نصف سنة، وهو ما يمثّل وتيرة عالية جدّاً من الزيارات بين أي دولتين. وإذا أضيفت إلى تلك، الزيارات المتبادلة لمسؤولي الجانبَين، يمكن الجزم أن أمن إسرائيل ومصلحتها يحتلّان حيّزاً في السياسة الأميركية بدءاً من الرئيس، ونزولاً إلى مختلف مستويات الإدارة، أكثر من أي قضية أخرى، بما في ذلك القضايا الداخلية الأميركية. كما إن أعضاء الكونغرس على المستوى الفردي، وأعضاء اللجان في مجلسَي الشيوخ والنواب، يهتمون بالقضايا التي تخص إسرائيل والشرق الأوسط أكثر مما يعتنون بالقضايا التي تتّصل بدوائرهم الانتخابية.
والمفارقة العجيبة، هنا، أن هذا كلّه يحصل بعد أقل من عقد على سياسة مختلفة كلياً كانت متبعة خلال فترتَي رئاسة باراك أوباما بين عامَي 2008 و2016، وكانت تقضي بانسحاب أميركي من الشرق الأوسط، للتفرغ لمواجهة الصين، كما قيل في حينه.
هل ثمّة حاجة إلى أكثر من ذلك للتثبّت من أن جانباً من السياسة الأميركية، مغايراً لما يسمّى «العين الساهرة» لدولة الأمن القومي على الأهداف البعيدة المدى، يسير على وقع المصالح الشخصية والاعتبارات الانتخابية للمسؤولين في الإدارة والكونغرس؟ يبدو أكيداً أن حكام أميركا، في كثير من الأحيان، يستخدمون سطوة بلادهم لاعتباراتهم الانتخابية والشخصية، وهذا لم يظهر فقط في عهد ترامب، وإنما كان حاضراً بقوة في عهد الرئيس السابق، جو بايدن، وخاصة في السنة الأخيرة منه، حين ترافقت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة ولبنان، مع حملة الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمحلية في أميركا، والتي فاز فيها الجمهوريون على أساس برنامج عمل أكثر انحيازاً إلى إسرائيل، رغم الانحياز الكبير المماثل الذي تميّز به عهد بايدن، والذي جلّاه بوضوح وصف الأخير نفسه بلا حرج بأنه صهيوني.
ثمة في كل الساحات مشروع أميركي بشعار وحيد، هو نزع سلاح أعداء إسرائيل
الواقع أنه باستثناء حرب أفغانستان الانتقامية لهجوم 11 أيلول، لم تخُض أميركا في العقود القليلة الماضية حروباً إلا من أجل إسرائيل. كما إن الدعم الأميركي لأوكرانيا، وهو مسألة تخصّ «الناتو»، لا يرقى بأي شكل من الأشكال إلى مستوى دعم إسرائيل. لا بل إن «الناتو» نفسه بكامل أعضائه، بمن فيهم تركيا، مجنّد للدفاع عن إسرائيل ومهاجمة أعدائها، أكثر مما هو لحماية دوله نفسها.
صحيح أن ترامب قد يكون من حيث التفكير أبعد الرؤساء الأميركيين عن إسرائيل، بالنظر إلى أن قاعدته الشعبية الصلبة هي من النوع الذي لا يطيق تقديم أيّ اعتبار آخر على مصلحة أميركا وتفوّقها كما يراهما مَن يُطلق عليهم اسم «المتعصّبين البيض»، لكن حتى هؤلاء يبدون ضعفاء أمام صهاينة أميركا الذين نجحوا أخيراً في أن يفرضوا على ترامب الانحياز إليهم عندما فشل في التوفيق بين الجانبين، فكان قراره ضرب المنشآت النووية الإيرانية، رغم المعارضة الواسعة له في أميركا.
من الطبيعي، والحال هذه، أن تواجه قوى المقاومة التي تقاتل إسرائيل، تحدّيات هائلة، لكن ذلك لا يعني أبداً أنها أمام استحالة الاستمرار في القتال، ولا سيما عندما لا يكون ثمة خيار آخر بيدها. حالياً، ثمة في كل الساحات التي تؤوي مقاومة ضدّ العدو، من إيران إلى العراق ولبنان واليمن وفلسطين وسوريا، مشروع أميركي بشعار وحيد، هو نزع سلاح أعداء إسرائيل، من دون مقابل، أي الاستسلام من دون شروط، وهو مشروع يحمل أسباب فشله في لا واقعيته، أكثر مما هو في تحدّي الآخرين له.
ورغم أن حروب العامين الأخيرين منذ 7 أكتوبر 2023، أظهرت التفاوت الكبير في القدرات العسكرية والإمكانات المادية لمصلحة العدو وداعميه، والذي تُرجم لاحقاً بإيصال من هم مستعدون للاستسلام إلى الحكم في عدد من تلك الدول، مقابل سلام وازدهار موعودَين لم يَثبت أن أميركا أوفت بمثلهما من قبل، فإن خيار عدم الاستسلام هو الأقلّ كلفة من بين الخيارات المتاحة، رغم كلفته العالية جداً، كونه الوحيد الذي يمكن أن يقنع أصحاب المشروع بانفصاله عن الواقع، ويغيّر قناعات المنادين بقبول الاستسلام. ولعلّ سعي ترامب إلى إنهاء حرب غزة، يجسّد مثالاً لكيف يمكن للمقاومةَ أن تواجه هذا المشروع.