جدل واسع في الجزائر بعد حبس نقيب السكك الحديدية على خلفية دعوته للإضراب

جدل واسع في الجزائر بعد حبس نقيب السكك الحديدية على خلفية دعوته للإضراب
يثير حبس النقابي لونيس سعيدي، الأمين العام للفيدرالية الوطنية لعمال السكك الحديدية، موجة جدل واسعة في الأوساط السياسية والنقابية في الجزائر، بعد أن تقرر إيداعه الحبس الاحتياطي يوم 5 تموز/ يوليو الجاري، تزامنا مع عيد الاستقلال.
وجاء حبس النقابي على خلفية توقيعه إشعارا بالإضراب موجّهًا إلى وزارة النقل، أعلن فيه عن دخول الفيدرالية في إضراب مفتوح ابتداءً من 7 تموز/ يوليو، وذلك في سياق الدعوة لتطبيق سلسلة من المطالب المهنية والاجتماعية التي تنتظر منذ سنوات حسب الفيدرالية، من بينها عدم تطبيق الزيادات في الأجور المقررة منذ 2023، وتدهور ظروف العمل داخل المؤسسة، إلى جانب ما وصفته بـ”الخروقات القانونية المتكررة”، أبرزها التدخل في شؤون النقابة، وعرقلة انتخابات لجنة المشاركة، وغياب الشفافية في التوظيف والخدمات الاجتماعية.
في المقابل، ردت الإدارة العامة للمؤسسة الوطنية للنقل بالسكك الحديدية، يوم 26 حزيران/ يونيو، ببيان أكدت فيه عدم شرعية الإشعار بالإضراب، معتبرة أنه لم يسبقه محضر صلح أو إثبات لفشل الوساطة مع مفتشية العمل، كما هو منصوص عليه في التشريع الجزائري.
وذهبت الإدارة أبعد من ذلك، بالتشكيك في صفة الموقعين على الإشعار، مشيرة إلى أنه لا يعبّر عن قرار الأغلبية داخل المكتب الفدرالي للنقابة، بل عن “موقف انفرادي”، بحسب البيان، وهو ما يجعله باطلاً من الناحية التنظيمية والقانونية. كما شدّدت على أنها منفتحة على الحوار وتعمل على تسوية الملفات المطروحة، خاصة ما يتعلق بتجديد الاتفاقية الجماعية، داعية العمال إلى التحلي بروح المسؤولية، وأشادت بجهودهم في الحفاظ على سير المرفق العمومي.
لكن تطور الخلاف إلى حبس النقيب أثار ردود فعل كثيرة مستنكرة، خاصة في ظل الشكاوى المتكررة من التضييق على حقوق النقابيين في الأشهر الأخيرة.
وفي بيان له، ندّد حزب العمال باعتقال الأمين العام للفيدرالية، معتبرًا ذلك “انتهاكًا صارخًا لحق أساسي هو الحصانة النقابية”، التي تمنع أي شكل من العقوبات ضد النقابيين أثناء ممارستهم لمهامهم.
وأضاف الحزب الذي تقوده لويزة حنون، أن ما جرى يشكل سابقة خطيرة، خاصة بعد محاولة “شرعنة” الاعتقال من خلال تجريد سعيدي من منصبه كأمين عام للفيدرالية، ما يعكس بحسب البيان توجها واضحًا نحو التضييق على الممارسة النقابية وتجريم الحق في الإضراب.
وربط الحزب هذه التطورات بالقوانين النقابية الجديدة التي تم تبنيها سنة 2023، والتي قال إنها تُضيق على النشاط النقابي وتفتح الباب أمام ممارسات تعسفية ضد النقابيين. وطالب الحزب بالإفراج الفوري وغير المشروط عن سعيدي، داعيًا إلى احترام الحريات النقابية ووقف ما وصفه بـ”التجريم الممنهج للممارسة النقابية”.
كما عبّر حبيب براهمية، المكلف بالإعلام في حزب جيل جديد، عن رفضه لما اعتبره سياسة ممنهجة في سجن المخالفين، متسائلًا عن مصداقية خطاب الحوار السياسي والاجتماعي في ظل لجوء السلطة إلى أسلوب الردع. وربط براهمية في تدوينة له على فيسبوك، بين اعتقال سعيدي وبين التضييق الذي تعرض له النقابي المعروف مسعود بوديبة، في سياق اعتبره استمرارًا في ما وصفه بـ”الانهيار الجمهوري”.
في السياق ذاته، اعتبر المحلل السياسي نجيب بلحيمر، أن التعتيم الإعلامي المرافق لقضية اعتقال سعيدي يشكل دليلاً إضافيًا على غياب النقاش العمومي الحقيقي في البلاد، متسائلًا عن سبب تجاهل وسائل الإعلام لهذا الحدث رغم أهميته. وأشار إلى أن النقابة أصدرت بيانًا في اليوم الموالي للاعتقال تعلن فيه إلغاء الإشعار بالإضراب، وتنسب القرار إلى الأمين العام فقط، ما فُهم على أنه محاولة لنزع الشرعية عن الحركة الاحتجاجية، وإضفاء مشروعية على إزاحته من منصبه.
وفي الفترة الأخيرة، سجّلت عدة متابعات قضائية في حق نقابيين بارزين. فقد وُضع كل من مسعود بوديبة، المنسق الوطني لنقابة “كناباست”، وبوبكر هابط، الأمين الوطني للنقابة نفسها، تحت الرقابة القضائية منذ نحو ستة أشهر، إثر مشاركتهما في وقفة احتجاجية أمام مديرية التربية بولاية المسيلة، للمطالبة بمراجعة النظام التعويضي ورفع المنح والعلاوات، واحتساب الأثر الرجعي للزيادات منذ يناير 2024. ويتعين عليهما التوقيع مرتين أسبوعيًا لدى الأمن في بلدية حمام الضلعة، وهو إجراء اعتبره المتضامنون معهما تضييقًا على الحريات النقابية.
كما تم مؤخرا إحالة النقابية يمينة مغراوي، رئيسة الكنفدرالية العامة للنقابات المستقلة، إلى محكمة القطب السيبراني، بعد عام ونصف من التحقيق، بتهمة “نشر أخبار كاذبة من شأنها المساس بالأمن العمومي”، بموجب المادة 196 مكرر من قانون العقوبات، على خلفية منشورات وتصريحات تتعلق بأنشطة نقابية.
وتأتي كل هذه القضايا وسط جدل متزايد حول قانون الحق في الإضراب الجديد، الذي دخل حيز التنفيذ عام 2023، ويُعدّ من بين أكثر القوانين إثارة للجدل في الأوساط النقابية. إذ يفرض القانون مسارًا طويلًا ومعقدًا قبل اللجوء إلى الإضراب، يشمل إخطار مفتشية العمل، وتنظيم محاضر صلح، واستنفاد كل وسائل الوساطة، مع إلزامية التصويت الداخلي داخل النقابة على قرار الإضراب، بشروط مشددة تتعلق بنسبة المشاركة والموافقة. وتعتبر النقابات المستقلة أن هذه الشروط تمثل عمليًا عرقلة للحق في الإضراب، رغم أن الدستور الجزائري يضمن صراحة في مادته 69 حق الإضراب في إطار القانون.