دمشق تَعدّ الفلسطينيين أجانب: خطأ برمجي أم خطة ممنهجة؟

دمشق تَعدّ الفلسطينيين أجانب: خطأ برمجي أم خطة ممنهجة؟
اعتمدت السلطات السورية الجديدة صفة «فلسطيني مقيم» للفلسطينيين السوريين، في خطوة تثير الشكوك حول خطّة منهجية لفكّ ارتباطهم القانوني بسوريا.

في إجراء مفاجئ، ألغت السلطات السورية الجديدة صفة «سوري» بالنسبة إلى الفلسطينيين السوريين، وباتت تعتمد صفة «فلسطيني مقيم». كما تمّ اعتبار هؤلاء، في السجلّات الرسمية، أجانب، الأمر الذي يعني شطب أي ارتباط جغرافي لهم بسوريا، حيث ولدوا. ويفتح ذلك الباب أمام تساؤلات عديدة حول سبب هذا الإجراء، الذي يتزامن مع مساعي التطبيع القائمة بين الإدارة السورية وإسرائيل، بوساطة متعددة الأطراف، تلعب فيها الولايات المتحدة دوراً مركزياً.
وانكشفت هذه الخطوة، التي أماط اللثام عنها موقع «زمان الوصل» المحلي، واعتبرتها وسائل إعلام سورية «خطأ تقنياً»، خلال قيام الفلسطينيين باستصدار أوراق رسمية من إدارة السجلّ المدني (النفوس) التابعة لوزارة الداخلية، والتي ما زالت متوقّفة عن تسجيل أي وقائع ولادة أو زواج أو طلاق أو وفاة، منذ سقوط نظام بشار الأسد في كانون الأول من العام الماضي، في حين تقوم بإصدار بعض الوثائق فقط، ومنها البيان العائلي وبيان القيد الإفرادي.
وتضمّنت التعديلات الظاهرة في الوثائق الصادرة حديثاً، شطب مصطلح «فلسطيني سوري»، واعتماد مصطلح «فلسطيني مقيم»، وتدوين كلمة «أجنبي» بدل اسم المحافظة السورية التي ولد فيها الشخص المعني. ويعني ما تقدّم، فعلياً، صياغة تعريف قانوني جديد للفلسطينيين الموجودين في سوريا، والذين كانوا يتمتّعون بحقوق المواطنين السوريين في التوظيف والتعليم والطبابة وغيرها، من دون منحهم الجنسية السورية، بهدف الحفاظ على هويتهم الفلسطينية وضمان بقاء ملف العودة – الذي تسعى إسرائيل لإغلاقه – مفتوحاً.
وفي تعليقه على الجدل الذي أثاره انتشار صورة الوثيقة وما تخلّلها من تعديلات، نقل «تلفزيون سوريا»، المموّل من قطر والموالي للسلطات الجديدة، عن غياث دبور، وهو محامٍ وناشط حقوقي، أن ما حدث هو «مجرد خطأ فني وتقني»، ولا يحمل أي أبعاد سياسية أو اجتماعية، وذلك بعد تواصل مع المعنيين في الحكومة. وعزا هذا «الخطأ» إلى استمرار آلية العمل التي كانت سارية قبل سقوط النظام في محافظة إدلب، حيث كان يُسجّل الفلسطيني – السوري كـ«فلسطيني مقيم» والفلسطيني القادم إلى سوريا بعد عام 1948 كـ«غير مقيم».
الوضع القانوني الجديد، الذي لم تنفِه أو تؤكده السلطات، يعني فعلياً، في حال اعتماده، عدم منح الفلسطينيين الحقوق المماثلة لحقوق السوريين
بدورها، أعلنت «مجموعة العمل من أجل فلسطينيّي سوريا» أنها رصدت إدخال تعديلات أوسع على بيانات اللاجئين الفلسطينيين المسجّلة في السجلّات المدنية الرسمية، في إطار تطبيق تجريبي لبرنامج حكومي جديد يحمل اسم «أمانة سوريا الواحدة»، ويهدف إلى توحيد قواعد البيانات وربط سجلّات اللاجئين الفلسطينيين بالسجلّ المدني السوري العام. وبحسب مصادر حقوقية في «مجموعة العمل»، فإن البرنامج الجديد أدّى إلى تغييرات جوهرية في بعض السجلّات، من بينها حذف خانة «تاريخ اللجوء»، واستبدال خانة «الموطن الأصلي» في فلسطين بعبارة «فلسطيني مقيم»، مع تحديد المحافظة السورية كمكان إقامة دائم. كما تمّ تسجيل حالات صُنّف أصحابها على أنهم «أجانب»، وهو ما أثار مخاوف قانونية لدى منظّمات المجتمع المدني.
ونقلت المجموعة المُشار إليها عن مراقبين، أن إلغاء «تاريخ اللجوء» قد يترك آثاراً قانونية على أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، ولا سيما أن هذا التاريخ يرتبط بتطبيق المرسوم التشريعي الرقم 260 لعام 1956، الذي يكفل مجموعة من الحقوق للاجئين الفلسطينيين المقيمين في البلاد، مثل المعاملة القانونية المماثلة للمواطنين السوريين في عدد من المجالات، إذ كان اللاجئون الفلسطينيون في سوريا يسجّلون واقعاتهم المدنية سابقاً عبر «الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب»، ضمن سجلّات مستقلة عن السجلّ المدني السوري، قبل أن تقوم السلطات الجديدة ببدء تطبيق برنامجها الجديد، والذي يسعى لدمج هذه السجلّات في قاعدة بيانات واحدة، الأمر الذي يعني فعلياً إنهاء دور «الهيئة» المُشار إليها في هذا المجال، علماً أنها تأسّست عام 1949، لإدارة شؤون اللاجئين الفلسطينيين في سوريا.
على أن الوضع القانوني الجديد، الذي لم تنفِه أو تؤكّده السلطات بشكل مباشر، يعني فعلياً، في حال اعتماده، عدم منح الفلسطينيين الحقوق المماثلة لحقوق السوريين، وبالتالي، تعزيز الضغوط عليهم. ويتّسق ذلك مع توجّهات الإدارة الجديدة للتضييق على الفصائل الفلسطينية التي توقف نشاطها السياسي فعلياً في سوريا، واقتصر على جوانب إنسانية، تنفيذاً لشروط أميركية تتعلق بانفتاح واشنطن على هذه الإدارة ورفع العقوبات المفروضة على سوريا.
مع ذلك، وبينما يتوافق هذا الإجراء مع الشروط الأميركية، فهو يتعارض ربما مع التوجهات الإسرائيلية لإغلاق ملف العودة؛ إذ يعني استمرار اعتماد الجنسية الفلسطينية ضمان وجود أجيال فلسطينية ولدت خارج فلسطين تسعى للعودة إلى بلادها (تقدّر وكالة «أونروا» عدد الفلسطينيين في سوريا بنحو 586 ألف شخص). ويفتح ذلك الباب أمام احتمالات عديدة لطريقة معالجة السلطات الجديدة لهذا الملف، الذي دعا ناشطون إلى عقد مؤتمر عام تحضره شخصيات حكومية لمناقشته، وتوضيح أحوال الفلسطينيين – السوريين القانونية والإدارية والاجتماعية.