عراق المنشية: قرية وذاكرة منسية

عراق المنشية: قرية وذاكرة منسية
كانت عراق المنشية من القرى التي شدّت قوس حضورها في الذاكرة الثورية لريف غزة. ففي الثورة الفلسطينية الكبرى (1936–1939)، تشكّل في القرية أحد أكبر الفصائل الثورية ضد الاستعمار البريطاني…
محيّرة عراق المنشية كانت في موقعها وموضعها، هذا ما كان يقوله أهلها، وحتى في تبعيتها الإدارية ما بين غزة والخليل، لأنّ القرية كانت تقع عند التقاء ثلاثة أقضية متباينة في جغرافيتها: ديار بئر السبع الصحراوية في الناحية الجنوبية، وغزة الساحلية في الجنوب – الغربي، ثم الخليل الجبلية في الناحية الشرقية منها. ومع ذلك، ظلّت العراق غزيّة الهوى والهوية، حيث معاملات أهلها المتعلقة بسجلات النفوس ودفاتر الطابو ألزمتهم السفر الدائم ذهابًا إلى غزة وإيابًا منها على مدار تاريخ القرية الحديث قبل نكبة عام 1948.
ونظرًا لموقعها الجغرافي، اعتُبرت عراق المنشية من القرى العِرقية أو “العِرقيات” بالتعبير العامي الفلسطيني في ساحل فلسطين الجنوبي. ومن هنا كان اسمها “عراق” الذي لازمها منذ نشأتها، نسبةً لموقعها عند العُرقان الصخرية التي كانت تفصل المناطق السهلية الساحلية عن الجبلية الداخلية. وقد انسحب هذا الوصف على عديد من القرى الفلسطينية التي اعتُبرت من العِرقيات في البلاد، لكونها كانت تقوم عند الحد الفاصل ما بين السهل والجبل، أو “عند أقدام الجبل” بتعبير أهالي تلك القرى، دون أن تحمل هذه الأخيرة مسمّى “عراق” بالضرورة.
في الموقع
إلى الشمال الشرقي من غزة المدينة، على بعد 32 كيلومترًا، كانت تقع عراق المنشية على الطريق الواصل ما بين قرية الفالوجة غربًا وبيت جبرين شرقًا، وكانت هذه الأخيرة تبعد مسافة 12 كيلومترًا عن عراق المنشية. كما كانت تحدّها من الشرق – الجنوبي أيضًا قرية قُبيبة بني عوّاد من قضاء الخليل، تفصلها هي وبيت جبرين عن عراق المنشية أراضي “البرجلية” التابعة لأهالي العراق، كما يتذكّر ويذكر الحاج محمود حمدان الطيطي في مقابلة معه عن قريته على موقع “فلسطين في الذاكرة”.
أما من الغرب، فكانت الفالوجة على مسافة تُقدّر بنحو كيلومترين، وإلى الغرب من الفالوجة كانت قرية عراق سويدان. بينما من الجنوب كانت تحيط بأراضي عراق المنشية مضارب عرب الوحيدات والجبارات ولعدوس والأمارة، على مسافة كيلومترٍ واحد، أي أنّ هذه العربان كان يُقيم بعضها على أراضي القرية، وهي من عربان بدو الصف الشمالي في ديار بئر السبع، بحسب ما يذكر الشيخ عثمان الطبّاع في كتابه “إتحاف الأعزّة في تاريخ غزة”.

بينما من شمالها، فقد أحاطتها كل من: قرية صميل إلى الشمال مباشرةً، وإلى الشمال من صُميل قرية بعلين، وقرية جِسير التي كانت تقع إلى الشمال الغربي من عراق المنشية على مسافة 3 كيلومترات.
وكذلك قرية حَتا في الغرب الشمالي، بينما قرية زيتا كانت في الشمال الشرقي منها. والأقرب من كل هذه القرى إلى عراق المنشية، كانت مستعمرة “جات” أو “جَت” الصهيونية، كيبوتس أُقيم في مطلع أربعينيات القرن الماضي على أراضي القرية من شمالها، على مسافة كيلومترٍ واحد منها، ما بينها وبين قرية جسير، وذلك بعد أن سرّب أحد أفندية مدينة غزة أراضٍ كان يملكها في عراق المنشية لليهود، بحسب ما يروي الحاج محمود حمدان الطيطي في مقابلته السالف ذكرها.
أطلق بعض سكان القرى العربية المجاورة على المستعمرة الصهيونية اسم “كوبانية عراق المنشية”، لأنها أُقيمت على أراضيها. بينما الصهاينة أطلقوا على مستعمرتهم اسم “جات” أو “جَت” نسبةً إلى مدينة جات، واحدة من المدن الفلسطينية الخمس القديمة في ساحل فلسطين الجنوبي، والتي ذكرتها الأسفار التوراتية، وهي: غزة، إسدود (أشدود)، عسقلان (أشقلون)، عقرون، وجات. بناها الفلسطينيون القدماء في حوالي 2500 ق.م. وبحسب ما يذكر المؤرخ الفلسطيني مصطفى مراد الدبّاغ في موسوعته بلادنا فلسطين، ظلّت “جات” أو “جَتّ” القديمة قائمة حتى بداية انتشار المسيحية في فلسطين، لكنها في حينه كانت قرية متواضعة وتحمل نفس اسمها “جت”، وفيها وُلدت أسطورة “جالوت” أو “جُليات” الفلسطيني الجبّار، غير أنها لم يكن لها وجود يُذكر مع الفتح العربي – الإسلامي للبلاد.
ويُعتقد، بحسب عارف العارف في كتابه في تاريخ غزة، بأنّ قرية عراق المنشية كانت تقوم على موقع “جات” أو “جت” القديمة. غير أنّ وليد الخالدي في كتابه كي لا ننسى يدحض فرضية أن تكون “جَت” القديمة المذكورة في التوراة قد قامت في موقع قرية عراق المنشية، لأنّ التنقيبات والحفريات الأثرية التي أُجريت في الموقع بين الأعوام 1956-1961 لم تعثر على أي أثر فلسطيني قديم فيه.
بدأت مستعمرة جات كيبوتسًا صغيرًا، ثم أصبحت جزءًا من مدينة “كريات جات” اليهودية – الصهيونية التي أُقيمت على أراضي وأنقاض قرية عراق المنشية في خمسينيات القرن الماضي. وفَضلاً عن مستعمرة جات، كان إلى الشرق منها نقطة استيطانية – صهيونية أخرى، أطلق عليها أهالي عراق المنشية، بحسب ما يذكر السيد أحمد الطيطي في مقابلة معه، اسم “خربة موسى”، هاجمها ثوّار عراق المنشية وحرقوها غير مرّة أيام الثورة الفلسطينية الكبرى (1936-1939).
التسمية وتحوّلاتها
لم تكن عراق باسمها المركب الذي صارت عليه في مطلع القرن التاسع عشر “عراق المنشية”، ولا كانت في نفس الموقع الذي هُجّرت وأهلها منه في النكبة عام 1948، إذ تبدّل موقع القرية، ومع تبدّل موقعها طرأ تغيير على اسمها كذلك. وعن حكاية تسميتها، وبحسب المصادر، يُذكر بأنّ سنجق غزة كان فيه مع بداية الحكم العثماني، وتحديدًا في مطلع القرن السادس عشر، ثلاث قرى تُسمى “عراق”: “عراق حالا”، وكانت تقع ضمن أراضي عراق المنشية، و”عراق هتيم” أو “حاتم” أيضًا في موقع القرية نفسها، وقرية ثالثة تُسمّى “عراق”، التي صارت لاحقًا قرية عراق سويدان الواقعة غربي قرية الفالوجة، بحسب ما يرجّحه المؤرخ الجغرافي الفلسطيني كمال عبد الفتاح في دراسة جغرافية – تاريخية له. بينما قريتا “عراق حالا” و”عراق هتيم” توحدتا معًا في القرن الثامن عشر في قرية واحدة أصبحت تُعرف بـ”عراق المنشية”، بحسب عبد الفتاح.
غير أنّ رواية شفوية أخرى، يجمع عليها معظم مُسني عراق المنشية، تقول: إنّ القرية كانت تُسمّى “عراق” أو “العراق” في موقعها الأصلي، على بُعد أقل من كيلومترين إلى الشرق من موقعها الحديث، حيث “العُرقان الصخرية” التي كانت تحوي كهوفًا كفرية (أثرية) قديمة أقامت فيها معظم العائلات المؤسسة للقرية. وهذا ما يؤكده مصطفى الدبّاغ في موسوعته بلادنا فلسطين عن القرية.
وبحسب ما يضيف الحاج صالح دخان، أحد مُسني القرية، في مقابلة معه على موقع “فلسطين في الذاكرة”، كانت “العراق” في حينه تُسمّى “عراق أبو سَل”، نسبةً للشيخ شحدة أو شحادة أبو سَل، الذي تخبرنا الذاكرة الشعبية في القرية عنه، بأنه كان صاحب دين وكرامات جعلت منه محل تقديرٍ وتبجيل عند سكان قريته، وذلك بعد حكاية مَلمتهم في إحدى سنوات المحل، حيث ألمّ بهم العطش، إلى أن قام الشيخ شحادة وجمع أهالي العراق عند إحدى الآبار الرومانية القديمة الجافة، وأخذ ينشل بـ”سَلٍّ” مصنوع من الفخار الماء من البئر، إلى أن روى ظمأ الأهالي العطشى كلهم. ومن يومها، صار الشيخ والبئر يُعرفان بلقب “أبو سَل”، وكذلك القرية في موقعها الأصلي القديم، وما تزال عائلة “أبو سَل” بفتح السين، تُعتبر واحدة من أكبر حمائل قرية عراق المنشية.
أمّا عن سبب تغيير موقع القرية ومعه اسمها، فمردّه أيضًا إلى شحّ المياه عند منطقة العرقان الصخرية، الأمر الذي دفع الأهالي إلى تركها والاتجاه غربًا، حيث أحد الآبار الرومانية – الكفرية العامرة بالمياه، والذي صار لاحقًا يُعرف بـ”بير البلد”. ومع انتقال الأهالي إلى الموقع الجديد، أطلقوا على قريتهم تسمية “عراق المنشية” نسبةً لنشأتها الجديدة، وذلك في أوائل القرن التاسع عشر. فيما الموقع القديم للقرية بعرقانه الصخرية تحوّل، بحسب ما تروي الذاكرة الشفوية لأهالي القرية، إلى محجرٍ لقطع حجارة البناء منه.
ومما يذكره الحاج محمود حمدان الطيطي في مقابلة معه على موقع “فلسطين في الذاكرة”، عن العرقان القديمة، والتي كان أهالي عراق المنشية يسمونها بعاميتهم المحلية “الطوّر” أو “طوار” جمع “طور”، وتعني الجبل الصخري، بأنها فيها كهوف كانت مأهولة في قديم الزمان، ومنقوش على جدار أحدها الصخري القول التالي: “ملأنا هذا الطور زبيبًا، فهل لكم أن تملؤوه تبنًا؟” في إشارة إلى جدّ ونشاط سكان كهوف العرقان القدماء، ورسالتهم للأجيال اللاحقة عليهم. وإذا ما صحّ النقش في قوله، فإنه يؤكد على إرث زراعة الكرمة والعنب في سواحل غزة وعسقلان، وقد أشار المؤرخ الغزي سليم مبيض في كتابه غزة وقطاعها… إلى قِدم وأصالة زراعة العنب وتخميره نبيذًا أو تجفيفه زبيبًا في سواحل غزة، وأساطير نواطير حراسة كرومه الكنعانية القديمة.
كما كثرت المواقع الأثرية والخِرَب في محيط عراق المنشية، مما دلّ على الإرث التاريخي لموقعها، وقد جاء على ذكرها الدبّاغ في موسوعته، ومنها: خِربة الفُرت من لفظ “فرتا” السرياني، كما يقول الدبّاغ، والذي يعني الخِصب والإثمار، وتقع إلى جنوب القرية على حدودها مع قضاء بئر السبع. وخربة الكلخة، وخربة الوحيدي، وهذه الأخيرة كانت تقع في شرقي القرية في أراضي البرجلية ما بين عراق المنشية وبيت جبرين، فكانت تُعرف أحيانًا بخربة البرجلية، حوت آبارًا وصهاريج وأكوامًا فخارية تعود لمراحل موغلة في القِدم. وكذلك خربة الجديدة في الجنوب الغربي من القرية، ويُقال إنّ بلدة “حداشاه” الكنعانية كانت تقوم في موقع هذه الخِربة، و”حداشاه” تعني “الجديدة”، وما زالت تحمل نفس المعنى في اللغة العبرية.
المنشية: ذاكرة منشولة
على طوبوغرافيا مبسوطة (منبسطة)، كانت تمتدّ عراق المنشية على أرضٍ سهلية مثل راحة الكف، بتعبير الحاج عيسى الطيطي في مقابلته، مُحاطة بزراديب الصبّار، باستثناء موقعٍ تلّي كان يرتفع فيها عن مستوى وجه البحر 125 مترًا. كان يُطلق عليه اسم “تل العريني”، نسبةً لمقام الشيخ أحمد العريني فيه، يُقال إنّ أصول الشيخ كانت جزائرية، بحسب ما يذكر المؤرخ الغزي إبراهيم سكيك في الجزء السادس من موسوعته غزة عبر التاريخ.

يتصل بذلك التل وادٍ أطلق عليه أهالي القرية اسم “واد التل”، والذي كان يأتي حاملًا في مجراه مياه جبال الخليل من الشمال الشرقي، لينحر أرض القرية بمحاذاة التل نحو الغرب. بينما الوادي الأكثر حضورًا في ذاكرة المنشاويين كان “واد الفول”، يقع غربي عراق المنشية، قادمًا من جنوبها، “كان وادي غوير…” يقول الحاج محمود حمدان الطيطي في إشارة إلى عمقه، لأنه أكثر عمقًا من وادي التل. فالأول كان يقطع الطريق على سكان القرية في شتاء كل عام، مما كان يحول دون تنقّلهم إلى القرى الواقعة غرب قريتهم مثل الفالوجة وعراق سويدان… “وادي الفول بجرّ عجول” ظلّ المثل المنشاوي المأثور يقول عنه.
أما “وادي البَرد”، فكان محسوبًا على الفالوجة أكثر مما كان يُحسب على عراق المنشية، لأنه يقع إلى الغرب من الأولى، فكان بعيدًا نسبيًا عن الثانية. هذا، وإضافة إلى وديان صغيرة، يُسميها أهالي القرية “شُعَب”، لأنها لم تكن تنزل لعمق واديَي الفول والتل.
لم يكن في عراق المنشية عيون ماء، أو ينابيع مكشوفة يفور ماؤها ليسقي أبناءها، وهذه ظاهرة طبيعية – إيكولوجية عرفتها معظم قرى قضاء غزة في السهل الساحلي. ومع ذلك، ظلّ مَروى أهالي العراق ومشربهم من ماء الآبار الارتوازية التي ورثوها ولم يحفروها. “كان عنّا 100 بير كلها رومية…” يقول الحاج أحمد الطيطي في مقابلته السابق ذكرها، وربما يُبالغ الحاج عيسى الطيطي إذ يقول بأنّ عدد آبار ماء عراق المنشية كان بعدد أيام السنة، 360 بئرًا.
غير أنّ القرية فعلاً، كان فيها عددٌ إذا كان يُحصى، فإنه لا يُعدّ، من الآبار الرومانية – الكفرية القديمة. وبحسب ما يروي الحاج محمود حمدان الطيطي في مقابلته، فقد اندلّ سكان القرية على مواقع الآبار بالتدريج، وفق مخيال شعبي يقول: “إنّ بعض شيوخ القرية من زهّادها المتصوفين، كانوا يرون مواقع الآبار في منامات ليلهم، فيدلّوا في صباح اليوم التالي الناس عليها”، مما يعكس ذلك المخيال، بمسوحه الغيبية، حقيقة سؤال الماء وملمّات شحّه أيام المحل في وجدان أهالي عراق المنشية.
ولكل من الآبار كان اسمها، مثل: بير أبو سل، وبير البدوي، وبير صافي، نسبةً للحاج عبد الله الصافي. وكانت هذه البئر يقصدها ويردها عربان وقطعان بدو الجبارات والوحيدات من الجنوب. بينما أكبر آبار القرية كانت “بئر البلد”، الواقعة في الحارة الغربية، والتي تحلّقت حولها بيوت كبرى عائلات القرية عند أول انتقالها إلى موقع القرية الجديد “المنشية”.
لم يُبلّل حلوق المنشاويين غير الماء المنشول، وذلك منذ أن كانت وسيلة نشل الماء بدائية، بمغاطيس الطين (سِلال طينية) هكذا سمّاها أهالي القرية “للنشل بالإيد”، وصولًا إلى قواديس الخشب التي كان يجرّها جملٌ معصوب العينين، بحسب ما يصف الحاج عيسى الطيطي، لتجرّ القواديس بدورها حبالها المشبوكة بدِلاء الماء من قاع البئر إلى بابها، ومن ثم إلى جوابي وأحواض إطفاء العطش. كما كانت في عراق المنشية بركتان: بركة في ناحية مقام الشيخ أبو سل، وأخرى في حارة الطيّطة الغربية حيث بيوت حمولة الطيطي، على ما ظلّ يتذكّر السيد عبد القادر الطيطي. وعادة ما استُخدم ماء البرك لسقي القطعان أو في أعمال البناء.
في المأوى والمثوى
كانت بيوت القرية تقوم على مساحة تساوي 160 دونمًا، حوالي 300 بيت، بحسب ما يذكر مصطفى الدبّاغ عن القرية، وكلها جدرانها مبنية من “طينة وحجر”، كما يقول الحاج عيسى، بينما أسطح البيوت ظلّت مسطّحة ومسقوفة بخشب الكلخ المصبوب مع الطين المدعوك بالتبن والقَصَل. وعراق المنشية التي وصل تعداد سكانها إلى ما يقارب نحو 2400 نفر قبيل النكبة، كانت تَقسِم في حاراتها على حمائلها الخمس الكبرى، فضلًا عن عائلات أخرى بقيت قليلة في عددها، كبيرٌ قدرها
والحمائل الخمس الكبرى التي اعتُبرت المؤسسة لعراق المنشية، هي: الطيطي، وبيوتها في الناحيتين الغربية والجنوبية من القرية. والجوابرة، نسبة للصحابي جابر بن عبد الله الخزرجي بحسب مصطفى الدبّاغ، وبيوتها كانت عامرة في الناحيتين الشمالية والشرقية. والطيطي والجوابرة كانتا الحمولتين الأكبر من بين الحمائل الخمس، حتى إن مخاتير القرية كانوا منهما.
بينما الحمائل الثلاث الأخرى: أبو سَل، بيوتها في وسط القرية، وحمولة أبو محيسن في الجنوب، والبدوي في الحارة الغربية. فيما عائلات مثل: أبو رية، وأبو وردة، والبلاصي، وحبّوش، وغيرها، كانت تتوزّع على كافة حارات القرية على اختلاف حمائلها الكبرى.
كان في عراق المنشية حتى نكبتها مختاران، من حمولتي الطيطي والجوابرة، هما: يونس دعيس الطيطي، بقي مختارًا حتى عام 1945، ومن بعده استلم خالد حمدان الطيطي، بينما مختار الجوابرة كان أحمد يوسف النمر.
في عراق المنشية جامعان للصلاة، قديم وحديث، وجرى بناء هذا الأخير متأخرًا في السنوات التي سبقت عام النكبة، وقد أشار لهما الدبّاغ في موسوعته. غير أن مُعمّري القرية لم يكونوا يعتبرون القديم جامعًا، إنما زاوية صوفية تتبع لعائلة أبو سَل، وذكرها الدبّاغ باسم “جامع أبو سَل”، واعتُبرت جامعًا لأن الصلاة كانت تُقام فيها تاريخيًا، وموقعها كان ما بين وسط البلد والحارة الشمالية، بالقرب من بيوت عائلة أبو سَل.
فيما الجامع الجديد، كان أكبر وأفخم، بناؤه من الحجر القطْع، وقد بناه كل من الشيخ خير الدين الشريف والشيخ حسني القواسمي، القادمين إلى القرية من مشايخ الطرق الصوفية في مدينة الخليل، بحسب ما يذكر المؤرخ إبراهيم سكيك في موسوعته. كما جُلبت حجارة بنائه من محاجر جبال الخليل، وموقعه كان في شمالي القرية.
كما في القرية زوايا للمتصوفة والدراويش، كانت أقدمها وأشهرها زاوية أبو سَل نفسها في وسط – شمال القرية، وزاوية أخرى أُقيمت في نفس جامع القرية الجديد، وشيخاها كانا الشريف والقواسمي المتصوفين. ومما ظلَّ يتذكّره الحاج عيسى الطيطي عن كل ما يتّصل بعالم حلقات الذكر من مدائح وتواشيح حلول شهر رمضان وتواحيش وداعه، كانت تنبعث من زاوية الجامع الجديد، ومنها كان يخرج حملة البيارق وضاربو العِدّة من مزاهر وأعلام في أيام الأعياد والمواسم الدينية.
بينما مقام أبو الدرداء، كان في غربي القرية عند مقبرة الحارة الغربية، ظلّ قبر مقامه مكشوفًا غير مُقبّب، لأن حكاية لدى أهالي قريته تقول “إن روح صاحب المقام كانت ترفض سقفه أو تقبيبه”. فيما مقام الشيخ العريني، كان في شمال – شرق عراق المنشية، على تلّها الذي ذُكر سابقًا، وبحسب ما يقول أبو خالد في تقرير مصوَّر من على أنقاض القرية ومرفوع على اليوتيوب بعنوان “عراق المنشية وتل العريني والأرض لنا”، بأن للمقام موسمًا كان يزوره فيه أهالي القرية وبعض من القرى المجاورة أربع مرّات في شهر نيسان من كل عام، وفي أيام الإثنين تحديدًا.
أما مقام الأربعين أو الرجال الأربعين، فموقعه كان في جنوبي القرية، وكان أول من ابتلعه إسمنت مستعمرة كريات جات الصهيونية بعد تهجير القرية.
زوايا ومقامات، كلها كانت تُضاء بالزيت، خصوصًا في ليالي المواسم والأعياد، وكذلك في الشدائد إذا ما ألمّت بالبلاد والعباد.
أما عن مقابر القرية، فكانت ثلاثًا في عراق المنشية، والمُلفت أن الجيل القديم من الأهالي كان يطلق على المقبرة تسمية “الصحرى”، كانت هذه التسمية للمدافن شائعة في قرى ريف غزّة، ونظن أنها تسمية مصرية في أصلها.
المقبرة الأقدم كانت في وسط عراق المنشية، وتُعرف بمقبرة أبو سَل، نسبةً للشيخ شحادة أبو سَل المدفون فيها. ومقبرة السدرة في الناحية الشرقية من القرية، سُمّيت كذلك نسبةً لشجرة سدر مشهورة فيها، وكان أهالي القرية يسمّونها شجرة “التمور”، بحسب ما يذكر الحاج محمود حمدان الطيطي، لأن ثمر الدوم الذي كانت تحمله بحلاوة تمر النخيل.
ومقبرة ثالثة، كانت تقع في الحارة الغربية، حيث مقام أبو الدرداء.
التعليم
أما عن التعليم في القرية، فكان حتى أواخر العشرينيات ومطلع ثلاثينيات القرن العشرين يتم بطريقته التقليدية المتعارف عليها في الكتاتيب – الكتّاب – وكان أهالي القرية يطلقون عليها، بحسب الحاج محمود حمدان الطيطي، تسمية “المكاتب”، والتي ارتبطت بالزوايا الصوفية التي كانت في عراق المنشية. حيث يتعلّم فيها الأولاد قراءة وتجويد القرآن الكريم واللغة العربية والحساب، وفق نظام “بيضة ورغيف”، المقابل الذي كان يتقاضاه شيوخ الكتّاب، ثم تطوّر أجرهم إلى الحبّ على البيدر، أي القمح في موسمه، ثم بالنقود.
كان في قرية عراق المنشية عدة شيوخ أو مشايخ أزهريين، تلقّوا تعليمهم في الأزهر الشريف بمصر، يذكر الحاج عبد القادر الطيطي منهم: الشيخ عبد العاطي البدوي، والشيخ عبد المجيد حبّوش، والشيخ شعبان صبح، وغيرهم.
أما عن مدرسة القرية على النظام التعليمي الحديث، فقد أُنشئت، بحسب ما يذكر إبراهيم سكيك في موسوعته، في سنة 1934 للبنين فقط، وكانت في البداية تُدرّس حتى الصف الرابع، ثم إلى الصف السابع قبيل النكبة، وقد بلغ عدد طلابها في حينه 201 طالبًا، موزعين على 6 صفوف، يُعلّمهم أربعة معلمين، تدفع القرية أجور ثلاثة منهم، بحسب سكيك.
كما التحق بمدرسة عراق المنشية بعض أولاد القرى المجاورة، خصوصًا من أبناء بدو عربان الوحيدات والجبارات. وكان من ينهي الصف الرابع من أولادها يلتحق بمدرسة الفالوجة أو المجدل لإكمال تعليمه فيهما. كما ظلت الفالوجة مقصدًا لأهالي قرية عراق المنشية في أمور كثيرة، من الطبابة في عيادة الفالوجة، وبيع وشراء المنتوجات المحلية في سوقها الأسبوعي.
الخبز
“الخبز كان عنّا أحسن من اللحم اليوم…” يقول الحاج عيسى الطيطي في مقابلته، مستحضرًا تاريخ قمح عراق المنشية المخبوز، والذي تعوّد المنشاويون فلحه في موارسهم السهلية، والخبز من طحين سادة، إلا من رَحم ربي، ممن أجبرهم شظف العيش على خلط طحين القمح بطحين الذرة.
كانت رائحة رظف (بقايا النار) طوابين عراق المنشية تشهد عليه، يقول الحاج محمود حمدان الطيطي. وأكثر من ذلك، كان القمح في عراق المنشية يُعتبر بمثابة عُملة نقدية، يقايض أهالي القرية به كل ما يحتاجونه من لوازم ومؤونة، ضمن ما كان يُسمى “الدفع حبًّا” من حبوب القمح، أو ما يُعرف بنظام “السداد على البيدر”.
كانت أراضي عراق المنشية تنداح من جهات القرية الأربع على مساحات تساوي 17900 دونم، بحسب كل من الدبّاغ وسكيك. غير أن بعض الروايات الشفوية تقول إن مساحة أراضي عراق المنشية في عام النكبة كانت تُقدّر بنحو 14000 دونم، وعلى ما يبدو هذا التقدير بعد تسريب جزءٍ من أراضي القرية لليهود الصهاينة الذين أقاموا عليها كيبوتس (مستعمرة) جات.
ولأنها أرض سهلية خصبة، كانت موارسها تُفلَح بكل أنواع الحبوب والقطّان، وبالأخص القمح والشعير والذرة البيضاء، فضلًا عن السمسم والعدس والحمص والكرسنة من القطان.
فكان الجَمل هو جمل المحامل فعلًا في عراق المنشية، فما من بيتٍ إلا واقتنى أهله جملاً، يُستخدم للفلاحة ونقل المحاصيل والماء، وبدرجةٍ أقل في الحراثة. وهذا عدا عن الأبقار والغنم، البياض منها والسمار، التي كانت تصبغ ببياضها وسمارها سهول عراق المنشية بعد حصادها.
قليلة كانت الكروم والبسالتين في عراق المنشية، باستثناء بعض بيارات الحمضيات التي داوم بعض أهالي القرية على إنشائها وزراعتها منذ مطلع ثلاثينيات القرن العشرين. ومع بدء الحرب العالمية الثانية (1939–1945) ورفع السلطات البريطانية الضرائب على كروم الشجر المثمر، خصوصًا البرتقال، آثر بعض مالكي البيارات في عراق المنشية قطع أشجارهم أو اقتلاعها من جذورها والتخلص منها إفلاتًا من الضرائب.
كما عرف المنشاويون زراعة شجر اللوز والعنب والتين والمشمش، فيما الزيتون ظلَّ جبلي الهوية، بالكادِ وُجد في أراضي القرية.
أما عن بيادر القرية، والتي يُطلق عليها الأهالي تسمية “جرون” (جمع “جرن”، وتعني البيدر)، فكانت مشتركة بين كل فلاحي القرية حتى عشرينيات القرن الماضي، ثم اختفت بعد أن تمدد معمار القرية عليها، ليصبح لكل بيتٍ أو عائلة بيدرها الخاص.
وفي القرية كان بابور وحيد لطحن القمح، تعود ملكيته لأحد أفراد عائلة أبو محيسن، أُقيم في السنوات الأخيرة التي سبقت عام النكبة. وكذلك فرن للخبز وحيد أقامه، بحسب ما يروي الحاج محمود حمدان الطيطي، عبد الكريم صغير، في ظل حرب النكبة عام 1948، في ظل وجود القوات السودانية التابعة للجيش المصري في قرية عراق المنشية ومحيطها.
لم يُذكر عن أهالي عراق المنشية أنهم احترفوا صناعة أو حِرفة يدوية من نوعٍ ما، غير ما أشار إليه كل من مصطفى الدبّاغ وإبراهيم سكيك في أعمالهما الموسوعية، في أن المنشاويين قد امتهن بعضهم حياكة البُسط الصوفية، والتي كانوا يرسلونها بعد حياكتها إلى الفالوجة من أجل صبغها بألوان مختلفة، في مصبغة أنشأها في البلدة أحد أبناء غزة من عائلة مشتهى.
كما اشتهر في عراق المنشية بعض الخيّاطين، منهم حسين أبو وردة، بحسب ما يتذكر الحاج عيسى الطيطي. فضلًا عن الحلاقين الذين كان يتقاضى بعضهم مقابل حلاقته صاعًا من القمح على البيدر، وكذلك لحّامين وأصحاب دكاكين للسمّانة – مواد تموينية – في كل حارات القرية.
ذاكرة ثورية
كانت عراق المنشية من القرى التي شدّت قوس حضورها في الذاكرة الثورية لريف غزة. ففي الثورة الفلسطينية الكبرى (1936–1939)، تشكّل في القرية أحد أكبر الفصائل الثورية ضد الاستعمار البريطاني، بقيادة كل من أحمد أبو رية وحسن أبو وردة، وذلك بالتنسيق مع قائدي منطقة الخليل: عيسى البطاط، ومن بعده عبد الحليم الجولاني، بحسب ما يذكر المؤرخ الفلسطيني مصطفى كبها في مقالة له عن القرية منشورة على موقع “فلسطين في الذاكرة”.
تدلّ مسألة ارتباط العمل الثوري في عراق المنشية مع منطقة الخليل على الذاكرة الجبلية للعمل الثوري أيام الثورة، إذ ظلّت معظم قرى ساحل غزة بعيدة عن العمل الثوري من داخلها، بسبب العامل الجغرافي الذي كان يحول دون العمل المسلّح في المناطق السهلية – الساحلية، مما كان يجبر أبناء بعض تلك القرى الثوار على الالتحاق بفصائل القرى المحسوبة على المناطق الجبلية مثل الخليل والرملة.
بينما عراق المنشية، بحكم قربها من الخليل والمناطق الجبلية، تمكّنت من تشكيل فصيل ثوري فيها، وقد اتّخذ ثوار القرية من كهوف العراق في موقع القرية القديم حِصنًا وملاذًا لهم، بحسب ما يروي الحاج أحمد الطيطي في مقابلته المشار إليها سابقًا، كما ذكر بدوره أسماء العشرات من أبناء مختلف عائلات القرية الذين التحقوا بفصيل قريتهم إبّان الثورة.
كانت أكثر المعارك التي خاضها فصيل عراق المنشية في الثورة، هي تلك التي اتّصلت بكوبانية “الجمّامة”، كيبوتس صهيوني كان يقع في جنوبي القرية في شمالي بئر السبع، بحسب ما ظلّ يتذكّر الحاج أحمد الطيطي. وكذلك الهجمات المسلّحة المتكررة على مستعمرة “جات” من شمالي القرية.
داهمت قوات السلطات البريطانية قرية عراق المنشية مرّات عدة بحثًا عن مطلوبين ومشتبهين من أبناء القرية، وفرضوا الطوق العسكري على القرية غير مرّة، ونكّلوا بأهلها واعتقلوا بعض أبنائها. وظلّت أيام تشييع كل من يوسف أبو دوش، وقبله عيد الغزيلات الذي أُعدم شنقًا على يد السلطات البريطانية، تسترخي في ذاكرة المنشاويين حتى آخر أيام معمّريهم.
في النكبة
“وكان معنا الشيخ خالد مختار في عراق المنشية، وقد استُشهد أبناؤه أمامي ولم يكن يلتفت لأحد أبنائه…” هذا مما جاء على لسان الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر في كتابه فلسطين من أقوال الرئيس جمال عبد الناصر عن ذاكرته يوم أن حارب ضابطًا في صفوف الجيش المصري الذي نازل قريتي الفالوجة وعراق المنشية في حرب النكبة عام 1948.
كان مختار القرية الذي ذكر عبد الناصر استشهاد أبنائه أمامه هو خالد حمدان الطيطي، والذي توثّقت بينه وبين عبد الناصر لاحقًا، بعد أن أصبح هذا الأخير رئيسًا، أواصر الصداقة والمودّة، بحسب ما يذكر إبراهيم سكيك في موسوعته.
كان موقع عراق المنشية على الطريق العام الذي يصل الخليل وبيت جبرين شرقًا بالفالوجة والمجدل غربًا أولًا، ثم إرث القرية الثوري في الثورة الكبرى (1936–1939)، كبير الأثر على انخراطها في أحداث النكبة عسكريًّا وسياسيًّا كذلك.
فقد قاتل أبناؤها على الطريق الذي كان يربط المستوطنات الصهيونية ببعضها ما بين شمال القرية وجنوبها، حيث التحقت إليهم قوات من “الجهاد المقدس” منهم جمال الصوراني وخليل عويضة، ومتطوعون من “الإخوان المسلمين” المصريين، وكذلك من أبناء القرى المجاورة مثل جماعة “أبي العزائم” وأتباعه المتصوفين، بحسب ما يروي سكيك.
وبعد 15 أيار/مايو 1948، دخل الجيش المصري عراق المنشية واستحكم في تل العريني فيها، بقيادة العقيد السيّد طه، الملقّب بـ”الضبع الأسود”. “عراق المنشية كانت تطعم كل الجيش المصري…” تقول الحاجة فاطمة محمد الطيطي في مقابلة معها مرفوعة على يوتيوب.
ومن حوادث عراق المنشية المفجعة بعد استحكام القوات المصرية فيها، يقول مصطفى الدبّاغ، كان استشهاد البطل أحمد عبد العزيز المصري في ليلة 22–23/8/1948، وهو في طريقه من بيت لحم إلى عبر طريق الفالوجة، قاصدًا الاجتماع مع القيادة المصرية التي كان مقرّها في المجدل، ولما وصل عبد العزيز بسيارته إلى موقع الجيش المصري في عراق المنشية، أطلق أحد الخفراء المصريين النار عليه بالخطأ بعد أن اشتبه به.
ظلّت عراق المنشية صامدة وأهلها فيها حتى مطلع عام 1949، وكذلك قرية الفالوجة، بعد أن جرى تهجير معظم قرى ريف غزة إلى هذه الأخيرة أو إلى الخليل، وحتى بعد خروج الجيش المصري منها، وقد شهدت القرية عدة معارك ومواجهات طوال صيف ذلك العام.
ورغم توقيع اتفاقية الهدنة في 24 شباط/فبراير 1949 بين مصر وإسرائيل، وكانت هذه الأخيرة قد أعلنت عن نفسها “دولة مستقلة”، إلا أنها خرقت شروط اتفاقية الهدنة مستخدمةً أسلوب الترهيب، ما دفع إلى تهجير أهالي قريتي عراق المنشية والفالوجة وطردهم بلا رجعة.
وقد اقترف الإسرائيليون، من أجل ترهيب أهالي القريتين على تركهما، أعمالًا وحشية وصلت إلى حد الاغتصاب، بحسب ما ذكرته الروايات الشفوية، أكّدت عليها لاحقًا وثائق إسرائيلية كُشف عنها في العقود الأخيرة، وقد ذكرها المؤرخ الإسرائيلي بني موريس في كتابه مولد مشكلة اللاجئين الفلسطينيين.
واتّهم موريس بدوره قائد القطاع الجنوبي في الجيش الصهيوني حديث التأسيس، يغآل ألون، بالوقوف خلف انتهاك الهدنة وترهيب أهالي عراق المنشية والفالوجة من أجل طردهم، بإيعاز من بن غوريون نفسه وبموافقته.
استولى كيبوتس “جات” في سنة 1949 على مزيد من أراضي عراق المنشية بعد تهجير أهلها منها، وبعد خمس سنوات، وتحديدًا في سنة 1954، أُنشئت على جزء كبير من أراضي عراق المنشية بلدة “كريات جات”، ثم أُقيمت على ما تبقّى من أراضي القرية مستوطنة “سدي موشيه” في عام 1956، وتحديدًا في الناحية الشرقية من عراق المنشية المهجّرة، ليغدو كل تراب القرية مُبتلعًا بإسمنت الاستيطان الصهيوني.