تحقيقات وتقارير

لماذا يُسمح لإسرائيل بامتلاك الأسلحة النووية؟

لماذا يُسمح لإسرائيل بامتلاك الأسلحة النووية؟

بحسب تقديرات مركز مراقبة الأسلحة ومنع الانتشار، التي نشرت مؤخرًا في صحيفة نيويورك تايمز، فإن إسرائيل تمتلك «ما لا يقل عن 90 رأسًا نوويًا وكمية كافية من المواد الانشطارية لإنتاج مئات أخرى»…

ثمة سردية واحدة بين السياسيين الأميركيين، سردية مُتّسِقة تسمعها مرارًا وتكرارًا، ومفادها أنه لا ينبغي السّماح لإيران بتطوير سلاح نووي؛ إيران غير مستقرة وغير جديرة بالثقة؛ إيران دولة ثيوقراطية؛ إيران شريرة. يستخدم «البالغون»، الذين يفترض أنهم جادون، مثل السيناتور تيد كروز، عبارة «الأشرار» لوصف إيران، مثله مثل الأطفال في الثالثة من العمر الذين يلعبون بالدّمى. وبما أن الإيرانيين هم «الأشرار»، فمن المفترض أن يكون من المشروع مهاجمتهم وقتلهم من أجل منعهم من الحصول على تلك الأسلحة النووية المرعبة. ويفكر دونالد ترامب الآن في اتخاذ هذه الخطوة، حيث كتب بأحرف كبيرة أنّه «لا يمكن لإيران أن تمتلك سلاحًا نوويًا!»، وهدّد باغتيال المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي. وعلى إكس (تويتر سابقًا)، يُردّد جيه دي فانس كلام ترامب مُهدّدًا «بالتحرك لإنهاء التخصيب الإيراني». ولكن الأمر لا يقتصر على الجمهوريين فقط. فقد تلقّى ترامب وفانس تحريضًا من عدوهما المزعوم، زعيم الأقلية الديمقراطية تشاك شومر، الذي أدان مؤخرًا الرئيس الأميركي لمحاولته التفاوض النووي، ووصفه بأنه «جبان» وبأنّه «سيسمح لإيران بالإفلات من تبعات أفعالها». أمَّا جون فيترمان، العضو الأكثر عدوانية في الكتلة الديمقراطية، صرَّح للتو: «أتمنى حقًّا أن يقوم الرئيس أخيرًا بقصف الإيرانيين وتدميرهم». وقد كرر كلاهما شعار «لا يمكن لإيران أن تمتلك سلاحًا نوويًا» لتبرير قرع طبول الحرب.

ولكن سيف دموقليس معلق فوق هذا الوضع برمته، وهو السيف الذي لا يريد أحد الاعتراف به. إذا كانت إمكانية حصول إيران على سلاح نووي مخيفة إلى هذا الحد، فلماذا لا يبدو أي من قادتنا قلقًا بشأن إسرائيل التي تمتلك بالفعل ترسانة نووية سرية خاصة بها، وتتصرف على نحو عنيف بصورة متزايدة وغير مستقرة يومًا بعد يوم؟

وبحسب تقديرات مركز مراقبة الأسلحة ومنع الانتشار، التي نشرت مؤخرًا في صحيفة نيويورك تايمز، فإن إسرائيل تمتلك «ما لا يقل عن 90 رأسًا نوويًا وكمية كافية من المواد الانشطارية لإنتاج مئات أخرى». وقال الرئيس جيمي كارتر، الذي كان في وضع يسمح له بمعرفة العدد، في عام 2014 إنه يعتقد أن العدد أقرب إلى «300 أو أكثر، ولا أحد يعرف على وجه التحديد عددهم». في كلتا الحالتين، فإن هذا العدد من الأسلحة النووية يفوق ما تمتلكه دولة أخرى يقال لنا عادة إننا يجب أن نكون خائفين منها: كوريا الشمالية، التي يقدر المركز أنها تمتلك «ما بين 20 إلى 30 رأسًا حربيًا جاهزًا». يمكن إطلاق هذه الرؤوس الحربية الإسرائيلية بطرق مختلفة، بما في ذلك عن طريق الطائرات المقاتلة المصنوعة في الولايات المتحدة، والغواصات الألمانية الصنع من طراز «دولفين»، ومجموعة متنوعة من الصواريخ ــ بما في ذلك صاروخ جيريكو 3، وهو صاروخ باليستي عابر للقارات (ICBM) دخل الخدمة في عام 2011. في وصفه للاختبارات المبكرة لهذا الصاروخ، قال إسحاق بن إسرائيل، العالِم والجنرال المتقاعد في الجيش الإسرائيلي وعضو الكنيست وقتئذ، في عام 2008: «يمكن لأي شخص أن يقوم بالحسابات ويفهم… أننا نستطيع الوصول بهذا الصاروخ إلى كل نقطة في العالم». إذا لم يكن هذا تهديدًا خفيًا، فلا يمكن فهم أي أمر آخر على أنه تهديد.

وبطبيعة الحال، نحن لا نعرف على وجه التحديد عدد الرؤوس النووية التي تمتلكها إسرائيل، لأن القادة الإسرائيليين يرفضون الاعتراف علنًا بامتلاكهم لأي رؤوس نووية. ويظل البرنامج العسكري بأكمله في سرية تامةٍ تقريبًا، بموجب سياسة تسمى «الغموض الإستراتيجي»، مما يعني أن وجود القنابل لا يتم تأكيده أو نفيه. يعتقد المؤرخون أن إسرائيل حصلت على سلاح نووي لأول مرة عام 1967، بعد أن قامت سرًا بتنقية البلوتونيوم في منشأة ديمونا، وشنَّت حملة تضليل شاملة لإقناع المفتشين الأميركيين بأن الغرض من المفاعلات هناك مدني وليس عسكريًا (ومن المفارقات أن هذا هو بالضبط نوع التضليل الذي تتهم إسرائيل إيران بممارسته الآن). كما يُشتبه بشدة في أن إسرائيل أجرت اختبارًا لسلاح نووي قبالة سواحل جنوب أفريقيا عام 1979 بالشراكة مع حكومة الفصل العنصري حينئذ. يُطلق عليها اسم حادثة فيلا (Vela Incident)، نسبةً إلى القمر الصناعي التجسسي الذي رصد الوميض النووي. ولكن «الغموض الإستراتيجي» يعني أن هناك قدرًا ضئيلًا من الرقابة الدولية أو المساءلة فيما يتصل بأي من هذا، وأن الكثير منه يحدث في انتهاك للقانون الدولي. وعلى غرار كوريا الشمالية وعدد قليل من الدول الأخرى، لم توقّع إسرائيل على معاهدة حظر الانتشار النووي على الرغم من قرارات الأمم المتحدة التي تطالبها بالقيام بذلك. لقد وقّعت على معاهدة حظر التجارب النووية المحدودة لعام 1963، ولكن من المرجح أنها خرقتها بسبب الحادث الذي وقع في جنوب أفريقيا. والأمر الأكثر أهمية هو أن قادتها يرفضون السماح للمفتشين من الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالوصول إلى ديمونا، وبالتالي ليس لدينا وسيلة لمعرفة ما يجري هناك.

وبموجب القانون الأميركي، فإن البرنامج النووي الإسرائيلي المارق يعني أن الولايات المتحدة لا ينبغي لها أن تزودها بأي نوع من المساعدات العسكرية. والقانون المعنيّ هنا هو قانون المساعدة الأمنية الدولية ومراقبة تصدير الأسلحة لعام 1976، ولغته لا لبس فيها. ولكن منذ أكثر من خمسين عامًا، ظل زعماء الولايات المتحدة على استعداد لتجاهل قوانينهم وقبول هذه الحالة المضطربة. يُلخِّص تقرير صادر عن مكتب تقييم التكنولوجيا في الكونغرس الأميركي عام 1993، تحت عنوان انتشار أسلحة الدمار الشامل: تقييم المخاطر، الأساس المنطقي على نحوٍ جيد: «هل تكون الولايات المتحدة على استعداد للتضحية بعلاقاتها مع إسرائيل، وربما المخاطرة ببقاء إسرائيل، للضغط على إسرائيل للتخلي عن ترسانتها النووية التي تعتقد أنها ضرورية لأمنها؟».

بالنسبة للإدارات المتعاقبة، كان الجواب بالنفي. سيكون من الأسهل، وأقل إثارةً للمشاكل، ترك الأمر على حاله. ومن جانبهم، تعّهد زعماء إسرائيل، من إسحاق رابين إلى بنيامين نتنياهو، بأن إسرائيل لن «تكون أول من يُدخل الأسلحة النووية» إلى الشرق الأوسط. وحتى هذا يعدّ مثالًا آخر على «الغموض الإستراتيجي»، لأن مفردة «يُدخِل» يمكن أن تفهَم على أن إسرائيل لن تصنع الأسلحة التي تمتلكها بالفعل (كذبة)، أو أنها لن تستخدمها أو تعترف بها علنًا. ولكن الافتراض الأساسي لدى صُنّاع السياسات في الولايات المتحدة، والذي يشوبه كما يجب أن يقال: الخوف من الإسلام والعنصرية ضد العرب، كان أن الإسرائيليين يتحلّون بقدرٍ من المسؤولية لإدارة القنبلة، على نحو لا ينطبق على المصريين أو الأردنيين، أو أغلب الإيرانيين. المشكلة هي أنه عندما ننظر إلى أفعال إسرائيل وليس أقوالها، نجد سببًا قويًا للشك في هذا التقييم، وقد ساء الوضع على نحوٍ كبير في السنوات القليلة الماضية.

على سبيل المثال، أحد الأسباب الأكثر شيوعًا التي تساق لتبرير عدم قدرة إيران على «امتلاك سلاح نووي!» هو أن إيران، بعد حصولها على هذه الأسلحة، قد تتقاسمها مع الجماعات المسلحة المختلفة التي تتحالف معها في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، مثل حزب الله. هذا القلق ليس مبالغٍ فيه تمامًا، إذ يشكل الانتشار النووي تهديدًا حقيقيًا للغاية، ولا أحد يريد أن يقع اليورانيوم أو البلوتونيوم في أيدي الإرهابيين. ولكن إسرائيل مذنبة بالجريمة نفسها التي يتهم أنصارها إيران بها.

فكما كشف تحقيق أجرته صحيفة الغارديان في عام 2010، فإن المسؤولين الإسرائيليين لم يجروا تجربة نووية محتملة مع جنوب أفريقيا في عهد نظام الفصل العنصري في سبعينيات القرن العشرين فحسب، بل حاولوا بيع الأسلحة النووية إلى جنوب أفريقيا في ظل نظام الفصل العنصري. وكما كتب تا-نهيسي كوتس (Ta-Nehisi Coates) وآخرون، فإن النظامين كان لديهما قرابة طبيعية، لأن إسرائيل أيضًا دولة فصل عنصري؛ كان المسؤولون في جنوب أفريقيا في منشوراتهم الرسمية يكتبون أن كلا البلدين «يقع في عالم معادٍ تسكنه في الغالب شعوب مظلمة». وتحدّت إسرائيل على مدى سنوات الحظر الدولي على الأسلحة لتتاجر بالأسلحة التقليدية مع جنوب أفريقيا. وفي الوثائق التي كشفت عنها صحيفة الغارديان، تبين أن شمعون بيريز، وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك، ثم رئيسها في وقت لاحق، عرض بيع نموذج مبكر من صاروخ جيريكو إلى جنوب أفريقيا في عام 1975. وردًّا على ذلك، أكد الفريق آر. إف. أرمسترونغ (R.F. Armstrong) أنه لن يقبل إلا إذا كانت الصواريخ «مُسلّحة برؤوس نووية». ووافق بيريز على ذلك، حيث ورد أنه قال إن «الحمولة الصحيحة متاحة في ثلاثة أحجام»، لكن الصفقة انهارت بسبب التكلفة العالية. ولكن العلاقة لم تكن فاشلة تمامًا: فكما ذكرت صحيفة الغارديان، «قدّمت جنوب أفريقيا أيضًا قدرًا كبيرًا من اليورانيوم الأصفر الذي تحتاجه إسرائيل لتطوير أسلحتها». هل يبدو هذا مثل سلوك أمّة يمكن الوثوق بها في التصرف بمسؤولية باستخدام الأسلحة الأكثر فتكًا التي عرفتها البشرية على الإطلاق؟

إذا لم يكن الأمر كذلك، فلا تقلقوا، لأن الأمر لا يزداد إلا سوءًا. منذ هجمات السابع من أكتوبر/تشرين الأول والعقوبات الجماعية الوحشية التي فرضتها إسرائيل على قطاع غزّة، أصبح نتنياهو وحكومته الليكودية أكثر تقلبًا، ولا يمكن التنبؤ بتصرفاتهم، ويصيرون أكثر عدوانية مع كل شهر يمر. لا يوجد في الواقع مصطلح آخر لوصف ذلك: إنهم يعملون مثل دولة مارقة خطيرة. إن الهجوم على قطاع غزّة، والذي شمل جرائم حرب لا حصر لها، والذي اعترفت به الآن جماعات حقوق الإنسان الكبرى باعتباره إبادة جماعية، كافٍ في حد ذاته لإظهار أن إسرائيل لم تعد تهتم بحقوق الإنسان أو القانون الدولي، هذا إن كانت تهتم به على الإطلاق. والآن صدرت مذكرة اعتقال بحق نتنياهو نفسه من المحكمة الجنائية الدولية، ولكن بدلًا من إظهار أي ندم على قتلِ أكثر من 55,700 فلسطيني في سجله، فقد أعلن أن «لا أحد سيوقفنا، ولا حتّى لاهاي». وهذا هو نوع المقولات التي كان سلوبودان ميلوسيفيتش ليصرّح في ذروة الإبادة الجماعية في البوسنة، وهو بالحد الأدنى، أسوأ من أي شيء صرّح به آية الله على الإطلاق.

ولكن إلى جانب قطاع غزّة، استغل نتنياهو هذه اللحظة لمهاجمة جيرانه وتهديدهم أيضًا. كان هناك الهجوم الإرهابي بأجهزة النداء المتفجرة (بيجر) في لبنان وسوريا، وهو هجوم غير قانوني بموجب القانون الدولي، وخلّف أضرارًا جانبية مروعة، بما في ذلك مقتل طفلين على الأقل. (أصبح الهجوم منذ ذلك الحين مصدر إلهام للإرهاب المناهض للمسلمين عمومًا، بما في ذلك تهديد مجهول بالاغتيال طُلِب فيه من المرشح لمنصب عمدة مدينة نيويورك ظهران ممداني «التحقق من جهاز النداء الخاص به» هذا الأسبوع). كما قصفت إسرائيل القنصلية الإيرانية في دمشق في أبريل/نيسان 2024، وهو أيضًا غير قانوني بموجب القانون الدولي، وفقًا لخبراء الأمم المتحدة. كما وقع هجوم في ديسمبر/كانون الأول 2024 ضد سوريا، والذي لم يحظ بأي اهتمام يذكر في الصحافة الأميركية، لكنه شمل «480 ضربة في جميع أنحاء البلاد على مدى اليومين الماضيين، مما أدى إلى ضرب معظم مخزونات الأسلحة الإستراتيجية في سوريا» و«تدمير الأسطول السوري بين عشية وضحاها». وانتهزت إسرائيل أيضًا هذه الفرصة للاستيلاء على أراضٍ في جنوب سوريا، ووعدت باحتلالها «إلى أجل غير مسمى» مرة أخرى، هذا هو الأمر الذي ينظر إليه القانون الدولي نظرة قاتمة.

والأسوأ من ذلك كله هو أن القادة الإسرائيليين بدأوا في إطلاق تهديدات نووية مباشرة.

وكما يوثّق سيمور هيرش (Seymour Hersh) في كتابه خيار شمشون (The Samson Option: Israel’s Nuclear Arsenal and American Foreign Policy)، فإن السياسة النووية الإسرائيلية تتضمن ما يسمى «خيار شمشون»، المُسمَّى تيمنًا بالقصة التوراتية لشمشون، البطل الذي كان يتمتع بقوة لا تصدق والذي وقع في أسر الفلسطينيين، لكنه قام بمفرده بسحب أعمدة المبنى الذي كان مقيدًا به، مما أدى إلى مقتله ومقتل آسريه. يشير خيار شمشون في العالم الحديث إلى فكرة مفادها أنه إذا ما شعر القادة الإسرائيليون ذات يوم بوجود «تهديد وجودي وشيك»، فقد يضربون أسلحتهم النووية على نطاق واسع وبصورة عشوائية، ويشنون «ضربات نووية متعمدة وغير متناسبة ضد أهداف غير عسكرية، مثل المدن». وهذا شكلٌ أكثر تطرفًا من فكرة «الدمار المتبادل المؤكد» المرعبة بالفعل، والتي بموجبها يمتلك طرف واحد فقط الأسلحة النووية ولا يضمن سوى تدمير خصومه. توجد أسباب تاريخية وراء ذلك؛ فكما هو الحال في الكثير من الأمور في السياسة الإسرائيلية، فإن هذه العقيدة مستوحاة من عقلية «لن تتكرر الإبادة اليهودية أبدًا» التي تبناها الزعماء الإسرائيليون الأوائل والذين كانت المحرقة بالنسبة لهم مجرد ذكرى غير بعيدة. ولكن في عالم اليوم، فإن احتمال توجيه إسرائيل ضربات نووية هو التهديد الحقيقي للشرق الأوسط، وللعالم أجمع، وحتى لإسرائيل نفسها.

قال بنيامين نتنياهو في سبتمبر/أيلول 2023، واعدًا «ببذل كل ما في وسعي لمنع إيران من الحصول على أسلحة نووية»، وأنّ «إيران يجب أن تواجه قبل كل شيء تهديدًا نوويًا صادقًا». لقد تراجع عن تعليقه على الفور، لكن الضرر كان قد وقع بالفعل. لقد اعترف بما يعرفه كل من ينتبه لهذا الأمر بالفعل: وهو أن «التهديد النووي» الذي يدعي القادة الإسرائيليون أنهم يخشونه من إيران هو في الواقع التهديد الذي يوجّهونه إلى إيران بانتظام. وذهب أعضاء آخرون في حزبه الليكود إلى أبعد من ذلك. وبعد وقت قصير من هجمات السابع من أكتوبر/تشرين الأول، حثت عضو الكنيست عن حزب الليكود، رفيتال غوتليف، نتنياهو على استخدام سلاح نووي في قطاع غزّة، ونشرت على الإنترنت:

«اضربوهم بصواريخ جيريكو! صواريخ جيريكو! لتكون تنبيهًا إستراتيجيًا قبل أن نفكر في إدخال قواتنا. لنستخدم أسلحة نهاية العالم! هذا هو رأيي […] يجب على إسرائيل أن تستخدم كل ما في ترسانتها».

وسرعان ما أُتبِعَ منشورها السابق بمنشورٍ آخر:

«لن يستعيد هذا البلد كرامته وقوته وأمنه إلا بانفجارٍ يهزّ الشرق الأوسط! لقد حان الوقت للترحيب يوم القيامة».

يمكننا الآن أن نعتبر هذا مجرد هذيانات من شخص متطرف منفرد، خاصة في أعقاب حدث صادم حقًّا مثل السابع من أكتوبر/تشرين الأول. لكن ما تقوله غوتليف هنا يتوافق تمامًا مع المفهوم القديم لخيار شمشون. تشعر بتهديد وجودي —سواءً كان ذلك صحيحًا أم خاطئًا— فتُهاجم بكل ما أوتيت من قوة. وغوتليف ليست وحيدة. ففي مقابلة إذاعية أجريت في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، أيّد عميحاي إلياهو، عضو حزب القوة اليهودية (عوتسما يهوديت) اليميني المتطرف ووزير في حكومة نتنياهو، فكرة استخدام سلاح نووي في قطاع غزّة:

المُحاوِر: «نصيحتك هي أن نُلقي في صباح الغد قنابل بما يعادل القنبلة النووية على قطاع غزّة بأكمله، مما يؤدي إلى تدميره بالكامل والقضاء على كل من فيه».

إيلياهو: «هذا أحد الحلول».

وبعد فترة وجيزة، علّق نتنياهو مهام إلياهو الوزارية، لكنه لم يطرده أو يطلب منه الاستقالة. وفي عام 2024، عزز إلياهو تصريحاته قائلًا: «حتى في لاهاي يعرفون موقفي». ورغم ذلك، فهو لا يزال وزيرًا للتراث في إسرائيل، وما زال هو وغوتليف أعضاء في الكنيست يتمتعون بمكانة جيدة. وإذا أخذنا هذا في الاعتبار، فإنه يوضح أن فكرة استخدام السلاح النووي، بعيدًا عن كونها الملاذ الأخير الذي لا يمكن تصوره، أصبحت الآن جزءًا مقبولًا من الخطاب السياسي في إسرائيل، وخاصة عند اليمين.

وهناك أيضًا نتنياهو نفسه، المُتهم بالفساد والاستبداد على نحو متزايد حتى قبل الإبادة الجماعية في قطاع غزّة. قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول، كانت أكبر أولوياته السياسية فرض تغييرات هيكلية شاملة على الحكومة الإسرائيلية، والتي من شأنها أن تجرد السلطة القضائية من السلطة وتركزها في أيدي حزب الليكود الحاكم. حتى كُتّابٌ مثل آن أبلباوم (Anne Applebaum) من مجلة «ذا أتلانتيك»، وهي بالتأكيد ليست ناقدةً راديكاليةً لإسرائيل، وصفت أفعاله بأنها «هجومٌ على الديمقراطية» من شأنه أن يجعل «إسرائيل دولة غير ديمقراطية، أي أن تصبح استبدادًا بحكم الأمر الواقع». (بالنسبة للفلسطينيين في الأراضي المحتلة، هذا الاستبداد هو المُعاش وليس جديدًا عليهم). هناك أيضًا حقيقةٌ، تُروّج لها الصحافة الإسرائيلية على نطاق واسع، وتُتجاهل تمامًا تقريبًا في الولايات المتحدة، مفادها أن نتنياهو دعم حماس شخصيًا لسنوات، بهدف تقويض السلطة الفلسطينية، والحفاظ على انقسام الضفة الغربية وقطاع غزّة، ومنع قيام دولة فلسطينية موحدة. ومنذ عام 2019، يواجه اتهامات في ثلاث قضايا منفصلة تتعلق بالفساد. وكما يعترف توماس فريدمان من صحيفة نيويورك تايمز، وهو كاتب آخر مؤيد لإسرائيل بقوة، فإن العديد من قراراته مدفوعة بحسابات بسيطة: «يجب أن يبقى في السلطة حتى يبقى خارج السجن».

إن إحدى الطرق للبقاء في السلطة هي إطالة أمد القتل الجماعي للشعب الفلسطيني. وهناك طريقة أخرى تتمثل في شن هجمات على إيران، مما يؤدي إلى إطالة أمد حالة الأزمة التي تبدو بلا نهاية في إسرائيل. وإذا كان نتنياهو محظوظًا حقًّا، وإذا كان دونالد ترامب غبيًّا ومتهورًا بشكل خاص، فقد يتمكن من إغراء الولايات المتحدة لمهاجمة إيران نيابة عنه. من الخطأ عادة التركيز على نحوٍ كبير على نتنياهو كفرد، لأن عنف إسرائيل ضد الفلسطينيين وغيرهم يعود إلى ما قبل وجوده بوقت طويل، ولن يتم حله بمجرد إقالته من منصبه. ولكن عندما نتحدث عن الأسلحة النووية، فهو الرجل الذي يضع إصبعه على الزر الأحمر، وهذه ليست فكرة مشجعة. نحن نعلم بالفعل أنه سوف يرتكب جرائم حرب ويتفاخر بها؛ فإلى أي مدى سيكون مستعدًا للذهاب أبعد من ذلك؟

حتى قنبلة نووية واحدة، تسقط على مدينة في غزة أو اليمن أو إيران، ستكون لحظة مرعبة. ولن تكون هيروشيما شيئًا بالمقارنة، لأن الأسلحة النووية الحديثة قادرة على التسبب في أضرار أكبر بعدة مرات. وسوف يتحول مئات الآلاف من الناس على الفور إلى رماد، وسوف يُصاب كثيرون آخرون بالسرطان والتسمم الإشعاعي وغير ذلك من الحالات الصحية المنهكة في الأسابيع والأشهر التي تلت ذلك. وسيكون الهواء والماء سامين لسنوات. ولكن ما يسمى بالحرب النووية «الإقليمية» من شأنها أن تكون مدمرة لبقية العالم أيضًا، بما يتجاوز الشرق الأوسط. وكما حذّرت مجموعة الأطباء الدوليين لمنع الحرب النووية، الحائزة على جائزة نوبل، فإن «حربًا نووية تستخدم ما لا يقل عن 100 سلاح في أي مكان في العالم من شأنها أن تعطل المناخ العالمي والإنتاج الزراعي بشدة بحيث تصبح حياة أكثر من ملياري شخص معرضة للخطر بسبب المجاعة الجماعية»، وذلك أساسًا لأنها ستخلق سحبًا هائلة من الدخان والسخام، وتؤدي إلى انخفاض حاد في درجات الحرارة، وتقتل محاصيل الجميع. وبعبارة أخرى، فإن إسرائيل، أكثر من كوريا الشمالية، أو إيران، أو أي من البلدان «الشريرة» المعلنة رسميًا، تمتلك الآن القدرة على إغراق قطاعات كبيرة من سكان العالم في شتاء نووي. وفي أي من السيناريوهين، سواء بقنبلة واحدة أو عدة قنابل، لن تنجو إسرائيل من الضرر. وبسبب قربها من الانفجار النووي، فإن سكانها سوف يصابون بالسرطان والتسمم الإشعاعي والمحاصيل الميتة والجوع، تمامًا مثل سكان أي بلد تعيس تعرض للضربة النووية. في قصة شمشون يموت شمشون أيضًا.

لا بد من منع هذا السيناريو الكابوسي، وهذا يعني تغيير الرواية السياسية. عندما نفكر في التهديدات التي تواجه الأمن الجماعي للبشرية، فإن الأسلحة النووية تأتي على رأس القائمة، ولا ينافسها في ذلك سوى تغير المناخ والأمراض الوبائية. ولكن الأمر لا يقتصر فقط على الأسلحة النووية التي تمتلكها كوريا الشمالية أو باكستان أو روسيا أو حتى احتمال حصول إيران عليها ذات يوم، وهو ما يتعين علينا أن نأخذه في الاعتبار. إذ تشكل ترسانة إسرائيل تهديدًا أيضًا. وكما رأينا، فهو في الواقع أحد التهديدات الأكثر إثارة للقلق. ولكي يكون الشرق الأوسط والعالم أجمع آمنين حقًا، فلا بد من تقليص مخزون إسرائيل النووي ثم القضاء عليه في نهاية المطاف، تمامًا مثل كل المخزونات الأخرى.

ولحسن الحظ، هناك طرق للقيام بذلك. أكد المسؤولون الإيرانيون من جانبهم باستمرار أن ما يريدونه هو منطقة خالية من الأسلحة النووية تغطي منطقة الشرق الأوسط بأكملها. وبعبارة أخرى، في اللحظة التي تتخلى فيها إسرائيل عن أسلحتها النووية، فإن إيران سوف تتخلى أيضًا عن طموحاتها لامتلاك قنبلة نووية. لذا، فإن السبب الرئيس لوجود التهديد النووي الإيراني المزعوم، ونقاش السياسيين الأميركيين الآن حول قصف إيران من عدمه، هو أن التهديد النووي الإسرائيلي قائم بالفعل. إن إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية ليس مفهومًا نظريًا؛ فكل من أفريقيا وأميركا الجنوبية مشمولتان بالفعل بمناطق خالية من الأسلحة النووية، وهو أمر ناجح للغاية. (لا توجد أسلحة نووية في أفريقيا أو أميركا الجنوبية). بل إن القادة الإسرائيليين قد يستخدمون نزع السلاح النووي كورقة مساومة، فيقايضون تخفيض عدد معين من الرؤوس الحربية بتنازلات من إيران أو أيٍّ من خصومهم الإقليميين الآخرين.

وسوف يتطلب هذا تغيير السياسة الأميركية أولًا. على مدى عقود من الزمن، وفي ظل الإدارات الديمقراطية والجمهورية على حد سواء، دعمت الولايات المتحدة إسرائيل باستمرار بالمساعدات المالية والعسكرية في جميع صراعاتها، ولم تستخدم نفوذها الهائل إلا في بعض الأحيان لمنع القادة الإسرائيليين من القيام بشيء كارثي حقًّا. لقد كان هذا الوضع دائمًا غير قابل للاستمرار، ولكن في عصر الإبادة الجماعية في قطاع غزّة، أصبح هذا الوضع غير قابل للدفاع عنه. إذا كانت الولايات المتحدة تريد السلام حقًّا، فيتعين عليها أن تضع نفسها في موضع الوسيط الدبلوماسي المحايد، لا أن تكون حليفًا، ولا بالضرورة خصمًا، لإسرائيل أو إيران أو أي دولة أخرى في المنطقة. وحينها فقط يمكن التوصل إلى صفقات تعود بالنفع على الجميع وتؤدي إلى السلام والاستقرار الفعليين، وهو ما فشل تحالف إسرائيل في تحقيقه بشكل قاطع. مرة أخرى، هذا ليس نظريًا. فهذا هو بالضبط الموقف الذي اتخذته الصين، القوة العظمى الأكثر عقلانية في كثير من النواحي، في الشرق الأوسط. ونتيجة لذلك، تمكَّنت الصين من التوسط في اتفاق تطبيع تاريخي بين إيران والمملكة العربية السعودية في عام 2023. لا يوجد سبب يمنع الولايات المتحدة من فعل الشيء نفسه، سوى تأثير السياسيين قصيري النظر والمتعطشين للحرب مثل جيه دي فانس أو تشاك شومر.

ومن الغريب أن العناصر المتطرفة في الحزب الجمهوري هي التي يبدو أنها تدرك حقيقة الأمور على نحوٍ أفضل من العديد من نظرائهم الديمقراطيين. نشرت مديرة الاستخبارات الوطنية تولسي غابارد هذا الأسبوع مقطع فيديو على تويتر حيث انتقدت بشدة «النخبة السياسية ومحبي الحرب» الذين «يثيرون الخوف والتوترات بين القوى النووية بلا مبالاة»، وحذّرت من أن العالم «على وشك الفناء النووي». ويبدو أنها كانت تنتقد أطيافًا أخرى داخل إدارة ترامب بسبب حرصها على ضرب إيران، وربما حتى دونالد ترامب نفسه، ويقال إن ترامب أصبح «غاضبًا» و«أعرب عن عدم موافقته لها شخصيًا» بعد ذلك بوقت قصير. ولكن غابارد كانت على حق تمامًا. وهذا ينطبق أيضًا على النائب توماس ماسي من كنتاكي، وهو ليبرتاري بأفكار فظيعة حول أغلب الموضوعات في أغلب الأوقات، ولكن مواقفه في السياسة الخارجية جيدة على نحو غريب. قدّم ماسي مشروع قرار بشأن صلاحيات الحرب في محاولة لمنع الولايات المتحدة من مهاجمة إيران، والذي يحظى حاليًا بدعم 39 عضوًا من كلا الحزبين. ومن بين جميع الناس، اقترح النائب السابق المخزي مات غيتز نزع السلاح النووي الإسرائيلي، أو كما يلخصها المحلل المحافظ بيني جونسون «صفقة نزع سلاح مزدوجة، بوساطة ترامب، مختومة بجائزة نوبل للسلام». غيتز مثير للاشمئزاز في كثير من النواحي، وبالنسبة لأي شخص مطلع على سجل ترامب في قصف المدنيين في اليمن، فإن اقتراح منحه جائزة نوبل للسلام أمر غير مستساغ. ولكن مثل غابارد، فإن غيتز على حق بشأن هذه القضية. لو تمكن الرئيس الأميركي من التّوصل إلى صفقة قادرة حقًّا على تحقيق مثل هذا الشيء، لكان يستحق جائزة السلام أكثر من باراك أوباما أو هنري كيسنجر.

تحاول الولايات المتحدة في الوقت الراهن الدفاع عن معيار مزدوج، حيث تستطيع إسرائيل امتلاك كل الأسلحة النووية التي تريدها، وتتحدث بطريقة تهديدية عن استخدامها، ولكن لا يُسمح لأي دولة أخرى في الشرق الأوسط باتخاذ أي خطوات أولية حتى نحو الحصول على أي منها. نحن الآن على شفا حرب كارثية مع إيران، وكل ذلك بسبب محاولتنا فرض هذا المعيار المزدوج. هذا ليس وضعًا مستدامًا. هناك موقفان متماسكان فقط: إما أن إيران تتمتع بنفس الحق في امتلاك السلاح النووي مثل إسرائيل، وإما أنه لا ينبغي لأي من البلدين أن يمتلك سلاحًا نوويًا. ومن بين الخيارين، من الواضح أن الخيار الأخير هو الخيار الأكثر أمانًا للجميع. هناك عقبات عملية وسياسية أمام إخلاء الشرق الأوسط من الأسلحة النووية، وهي عقبات كبيرة. لكن عواقب عدم الوصول إلى الهدف قد تكون كارثية.

المقال مُترجم عن موقع (كورنت أفيرز)


إحالات:

(1) يرجع تعبير السيف المُعلَّق أو سيف دموقليس إلى قصة رمزية من الفلسفة الإغريقية القديمة، حيث روى شيشرون أن دموقليس، أحد حاشية الملك ديونيسيوس الثاني في سرقوسة، عبّر عن إعجابه بحياة الملك. فأراد ديونيسيوس أن يعلّمه معنى السلطة الحقيقية، فدعاه إلى الوليمة الملكية وجعل فوق رأسه سيفًا معلقًا بشعرة من ذيل حصان. يرمز هذا السيف إلى التهديد الدائم الذي يرافق أصحاب السلطة والمكانة، ويُستخدم التعبير مجازًا للدلالة على الخطر المحدق أو المسؤولية الثقيلة التي تُخيم على الإنسان رغم مظاهر النعمة أو السلطة (المُترجم).

(2) تنقية البلوتونيوم (Refining Plutonium): تشير هذه العبارة إلى العمليات الكيميائية والفيزيائية المستخدمة لعزل البلوتونيوم من الوقود النووي المستهلك أو من المواد الخام الناتجة عن المفاعلات النووية. يُستخرج البلوتونيوم-239 عادةً من قضبان اليورانيوم المستهلكة من خلال عملية تُعرف بـ «إعادة المعالجة»، وتُعد خطوة أساسية في إنتاج الأسلحة النووية، إذ إن البلوتونيوم النقي يُستخدم كمادة انشطارية. تُعتبر هذه العملية حساسة وخطرة من الناحية التقنية والسياسية، وتخضع لرقابة صارمة بموجب معاهدات الحد من انتشار الأسلحة النووية (المُترجم).

(3) سلوبودان ميلوشيفيتش (Slobodan Milošević): كان سياسيًا صربيًا ورئيسًا لصربيا (1989–1997) ثم يوغوسلافيا (1997–2000). لعب دورًا محوريًا في الحروب التي شهدها تفكك يوغوسلافيا في التسعينيات، لا سيما في البوسنة وكوسوفو، حيث اتُّهِم بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، منها التطهير العرقي. أُلقي القبض عليه وسُلِّم إلى المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغوسلافيا السابقة في لاهاي، حيث خضع لمحاكمة تاريخية لكنه توفي في زنزانته عام 2006 قبل صدور الحكم. يُعد رمزًا للسياسات القومية المتطرفة في البلقان ولإخفاقات المجتمع الدولي في منع الإبادة الجماعية (المُترجم).

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب