عبث أميركي – إسرائيلي بالخريطة السورية: تقسيم عند الطلب

عبث أميركي – إسرائيلي بالخريطة السورية: تقسيم عند الطلب
تعمّق واشنطن وتل أبيب سياسات التفكيك في سوريا عبر تحالفات ظرفية وابتزاز طائفي يرسّخ واقعاً تقسيمياً قابلاً للتفجير عند الطلب.
على عكس التصريحات التي يطلقها المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، توماس برّاك، والتي يؤكد فيها تمسّك بلاده بوحدة الأراضي السورية، تتابع الولايات المتحدة وإسرائيل انتهاج السياسة التقسيمية نفسها، عبر توسيع نفوذهما التدريجي وربط الجماعات المتناحرة على الأرض بمصالح وجودية معهما، في ما يشبه عملية زرع ألغام يتم التحكّم بها عن بعد، وتفجيرها عند أي لحظة.
ويتزامن الانفتاح الأميركي غير المسبوق على الإدارة السورية الجديدة، برئاسة أحمد الشرع، والذي جاء مشروطاً بجملة من الشروط أبرزها تحييد سوريا عن دائرة الصراع الإقليمي، وحصرها في صراعات داخلية، وتقديم تنازلات لإسرائيل التي حصّنت احتلالها للجولان السوري وأخرجته من أي معادلة مستقبلية وقضمت مناطق واسعة من الجنوب السوري، مع استمرار الدعم الأميركي لـ«قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) بذريعة «محاربة الإرهاب»، ما يبقي على خطوط تواصل متينة مع كل من الشرع و«قسد».
بموازاة ذلك، تعمل إسرائيل، التي تجمّل احتلالها لأراض سوريّة وتسعى لقضم مزيد من الأراضي بذريعة حماية الدروز، على تمتين علاقتها بالإدارة الجديدة، مع الإبقاء على خطوط تواصل لها مع بعض الشخصيات الدرزية في السويداء، التي تشهد هجوماً غير مسبوق من قبل الفصائل التابعة للإدارة، بذريعة «فرض الأمن»، و«نزع سلاح فصائل غير نظامية». وجاء هذا الهجوم بعد عقد لقاءات مباشرة بين مسؤولين سوريين وآخرين إسرائيليين في العاصمة الآذربيجانية، باكو، ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن الشرع حضر أحدها، وهو ما نفته جريدة «الوطن» المقرّبة من الإدارة.
لكنّ الصحيفة نفسها أكّدت عقد لقاءات بهدف التوصّل إلى اتفاقات أمنية، الأمر الذي دفع البعض إلى تقدير وجود ضوء أخضر إسرائيلي حصلت عليه الفصائل لشن هجومها على السويداء. ويستدلّ هؤلاء أيضاً بالتصريحات التي أطلقها مسؤولون إسرائيليون أكّدوا أنهم يتابعون الأوضاع على الأرض، وأنهم لن يتدخلوا برياً، باستثناء بعض الهجمات الجوية التي طاولت بعض الدبابات التي قالت إسرائيل إنها تجاوزت «الخط الأحمر» الذي وضعته تل أبيب، بالإضافة إلى القصف الشكلي في محيط السويداء، في ما يمثّل إشارة من تل أبيب إلى أهالي المدينة بأنها «جاهزة لحمايتهم» بمجرد طلبهم ذلك.
تبقى «سوريا الموحّدة»، في ظل تجاهل بناء أساس حقيقي لها، مجرّد تصريحات سياسية وإعلامية
وهنا، تبرز سياسة الابتزاز الإسرائيلية لأهالي السويداء، والذين تعرّضوا في بعض المناطق لقتل متعمّد، فيما أظهرت تسجيلات مصوّرة قيام عناصر تابعين لفصائل وزارة الدفاع بعمليات تخريب وإحراق وسرقة لبعض الممتلكات الخاصة التابعة لهم، وكشفت عن حالة احتقان طائفية في صفوف الفصائل الهاجمة عليهم، والتي تعتبر أن الطريق إلى الجنة يمر عبر قتل الأقليات، بمن فيهم الدروز.
وبالتوازي، وصل ملف «قسد»، في الوقت الحالي، إلى «طريق مسدودة»، في ظل إصرار الأكراد على بعض الشروط المتعلّقة بضمان لا مركزية الحكم، وضمان بقاء قواتها كتلة واحدة. ويأتي هذا خوفاً من مصير مشابه لما تعرّض له العلويون الذين قاموا برمي السلاح فور سقوط نظام بشار الأسد، وتعرّضوا في ما بعد لمجازر وعمليات قتل وخطف طائفية، ما زالت مستمرة، وسط صمت رسمي مطبق، وتلكؤ لجنة التحقيق الحكومية في المجازر عن إصدار تقريرها، الذي كان من المُفترض أن يصدر في العاشر من الشهر الحالي.
ويشابه الموقف الأميركي الذي يغازل الإدارة السورية، ويحافظ في الوقت نفسه على علاقة متينة مع «قسد» التي تقدّم واشنطن نفسها حامية لهم، إلى حدٍّ كبير ما تسعى إليه إسرائيل، التي تقوم في الوقت الحالي بابتزاز الدروز، ودفعهم، أمام هول هجوم الفصائل، إلى تبرير بناء علاقات مع تل أبيب، عبر الجسر الذي يحاول الزعيم الروحي للطائفة الدرزية في الأراضي المحتلة، والمقرّب جداً من إسرائيل، موفق طريف، بناءه، الأمر الذي يعني فعلياً قضم إسرائيل مزيداً من الأراضي السورية.
بناءً على ما تقدّم، تبقى «سوريا الموحّدة»، في ظل تجاهل بناء أساس حقيقي لها، وانتهاج واشنطن وتل أبيب سياسات استعمارية تقليدية إزاءها، مجرد تصريحات سياسية وإعلامية، بعيدة عن الواقع. وتكفي نظرة واحدة على هذا الأمر كي تكشف عن ضياع تام للهوية الوطنية، ووجود بؤر جاهزة للإشعال، على وقع استمرار عنف السلطات الحالية ودوافع ذلك العنف الطائفية، والتي يعتقد أي مكوّن سوري أنها تبرّر له طلب حماية دولية يمكن تلبيتها عند الحاجة. والنتيجة هي: خطر تقسيم سوريا التي تبدو ظاهرياً شبه موحّدة، فيما تخفي بين سطورها حقيقة الشرخ الطائفي الذي رسم حدوداً قابلة للتقسيم عند الطلب.
الاخبار




