تقييمات عسكرية أوروبية لحرب الـ12 يوماً: إيران بعيدة من الهزيمة

تقييمات عسكرية أوروبية لحرب الـ12 يوماً: إيران بعيدة من الهزيمة
تشير التقييمات العسكرية الأوروبية إلى أن إيران خرجت من حرب الـ12 يوماً دون هزيمة حاسمة، رغم التفوق الجوي الإسرائيلي والدعم الأميركي المحدود.

تتباين التحليلات العسكرية حيال الحرب التي استمرّت اثني عشر يومًا بين إسرائيل والولايات المتحدة من جهة، وإيران من جهة أخرى. الرواية التي تزعم النجاح التكتيكي الكامل القائم على التفوق الجوي الإسرائيلي والفاعلية الاستثنائية لأنظمة الصواريخ المضادة للطائرات، باتت محطّ نقاش وحتى تشكيك. في مقال مؤرخ بـ5 تموز/ يوليو الماضي، نشرت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، معلومات كانت قد أوردتها «التلغراف» البريطانية، تستند إلى بيانات الأقمار الصناعية التي حلّلها باحثون في جامعة أوريغون الأميركية.
كشفت هذه البيانات أن خمس قواعد عسكرية إسرائيلية في الوسط والشمال والجنوب، تعرّضت لضربات مباشرة بصواريخ إيرانية خلال الحرب. كما تمّ التطرق إلى هشاشة نظام الدفاع الجوي، من جانب مسؤول عسكري إسرائيلي أكد لوكالة «رويترز»، في 8 تموز/ يوليو، أن «الضربات الجوية الإيرانية أصابت مواقع عسكرية إسرائيلية عدة».
ورغم استحالة إصدار تقييم نهائي حالياً بسبب تشديد الرقابة العسكرية الإسرائيلية، ومنع إيران «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» (AIEA) من الوصول إلى منشآتها النووية، ثمة تفسيران متضادان لنتائج هذه الحرب: الأول يركّز على النجاح الكامل للعملية العسكرية في تحقيق هدفها الرئيسي المتمثل بإضعاف إيران عبر كشف نقاط ضعفها؛ وهو رأي يعتقد أصحابه أنه ليس أمام إيران سوى خيار التخلي عن طموحاتها في التخصيب النووي. أما الثاني، فيذهب إلى أن إسرائيل حققت نصراً تكتيكياً، من دون نتيجة إستراتيجية حاسمة، بسبب عجزها عن خوض صراع عسكري طويل الأمد غير مصحوب بمعركة على الأرض؛ ولذا، يعتقد أصحاب هذا الرأي أن الإمكانية قد تكون متاحة أمام إيران لكي تعزز قدراتها مستقبلًا.
غيوم أنسِل، الضابط السابق والخبير العسكري، مؤلف كتاب «دروس صغيرة عن الحرب: كيف ندافع عن السلام من دون الخوف من القتال» (أوتْرُومان، مارس 2025)، يشير إلى أن الهدف الرئيسي لإسرائيل والولايات المتحدة كان إضعاف إيران لتمهيد الطريق أمام تغيير النظام. لكن أنسل يؤكد أيضاً أن الإيرانيين يواجهون هشاشة غير مسبوقة، خاصة بسبب غياب رد فعل روسي مناصر لهم، قائلاً إن «روسيا لم تعُد تدعمهم باستخدام الفيتو. قبل وقت ليس ببعيد، لم يكن أحد يجرؤ على مهاجمة إيران مباشرةً، لأن ذلك كان سيؤدي إلى تدخل من موسكو. طهران هي حليفها الإقليمي الأول والمزود الرئيسي لها بالأسلحة في حربها ضد أوكرانيا.
لكن اللافت كان الغياب التام لأي رد فعل روسي ذي صدقية. هذه الحرب أصبحت ممكنة بسبب الضوء الأخضر من ترامب وغياب الضوء الأحمر من بوتين». ولربما يتطابق تقرير «أكسيوس» الأخير مع تلك الفرضية؛ إذ وفقاً لثلاثة مسؤولين أوروبيين ومصدر إسرائيلي رسمي، شجع الرئيس الروسي الإيرانيين على قبول مبدأ «التخصيب الصفري»، رغم أن موسكو كانت سابقًا الداعم الديبلوماسي الرئيسي لموسكو في الملف النووي، ولكن هذا الموقف تبدل في سياق حرب الـ12 يوماً. كذلك، يعدّ من بين أسباب هشاشة إيران الحالية، بحسب غيوم أنسِل، ما يسمّيه «ضعف شبكة الوكلاء»، والأضرار التي لحقت بالجهاز العسكري الحيوي، أي المتصل بقدرة إيران على إطلاق الصواريخ وصنع القنبلة الذرية.
الهدف الرئيسي لإسرائيل والولايات المتحدة كان إضعاف إيران لتمهيد الطريق أمام تغيير النظام
وإذ يجزم الخبير أن من «من الممكن لإيران الحفاظ على برنامج نووي سلمي»، فهو يعتقد أن «استئناف تخصيب اليورانيوم – الذي لا يُفيد إلا في صنع القنبلة النووية – سيعرضها حتماً لضربات جديدة. الأمريكيون أظهروا أنهم لن يترددوا في التدخل المباشر. لذا رغم إنكارهم، فإن الإيرانيين قد استسلموا بالفعل. وهذا ظاهر في عملية الانتقام المزعومة ضد الولايات المتحدة بعد قصف فوردو: حذّر الإيرانيون الأمريكيين من إطلاق 10 صواريخ (تم اعتراضها جميعاً)، ولم تحدث أي أضرار». ويختتم أنسِل بأن الحرب تؤكد الهيمنة الإقليمية الجديدة لواشنطن وتل أبيب.
أما أوليفييه دوجاردان (اختصاصي المستشعرات: الرادارات / الحرب الإلكترونية [GE, ELINT] / المراقبة الطيفية [TSCM] / البصريات الإلكترونية/ استخبارات الإشارات [SIGINT]/ أنظمة الأسلحة؛ باحث مشارك في مركز CF2R)، فيعترف بالنجاح التكتيكي للعمليات الإسرائيلية – الأميركية، ولكنه ينفي تأثيراتها الإستراتيجية الطويلة الأمد. ويقول: «من الناحية التكتيكية، كانت العملية معقدة ومنسقة ببراعة.
حققوا التفوق الجوي بسهولة، وتعطيل القوة الجوية والدفاعات الجوية الإيرانية بطرق مبتكرة. لكن الأضرار التي لحقت بالبرنامجين النووي والباليستي الإيرانيين ليست غير قابلة للعلاج، لأن إسرائيل افتقرت إلى إمكانية خوض حملة طويلة (نقص المعدات / الذخائر / قطع الطائرات)». ويصف دوجاردان الحرب بـ«المقامرة الاستنزافية القصيرة» من جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي لربط الولايات المتحدة بالصراع، مستدركاً بأن التدخل الأميركي كان رمزياً وعابراً وغير حاسم.
كما ينتقد الادعاءات عن تدمير البرنامج النووي، قائلاً إن «التقييمات الأميركية والإسرائيلية اعتمدت على تقديرات فقط بالنسبة إلى العمق الفعلي للمنشآت النووية ونوع الصخور لمعرفة مدى فاعلية القنابل المستخدمة. من دون صور ميدانية بعد القصف، لا يمكن الجزم. صور الأقمار الصناعية أظهرت إخلاء المواقع المستهدفة قبل الضربات.
الشكوك قوية حول وجود أضرار دائمة». وعليه، هو يؤكد أن إيران لم تُهزم، ما يفسر رفضها الانصياع للمطالب النووية الأميركية، مشيراً إلى أن «إيران كانت مستعدة لمثل هذه المواجهة، ومن هنا منشآتها المدفونة بعمق. هذه العملية ستدفعها إلى دفن منشآتها بشكل أعمق. حرب الـ12 يوماً كانت مجرد عرض سياسي ضخم لم يغير موازين القوى».
ويشارك تيبو فوييه (ضابط خريج الكلية العسكرية «سان سير»، باحث في مؤسسة البحوث الإستراتيجية)، بدوره، جزئياً، هذه الرؤية، قائلاً إن «الضربات أحدثت دماراً، ولكنها لا تضمن نتائج طويلة المدى. الأمر مرتبط بقدرة إيران المالية على إعادة البناء، وتطوير برنامجها الباليستي، وتبرير جهودها. الضربة العسكرية لبرنامج إيران قد تخلق ظروفاً تفاوضية مؤاتية (إحياء المحادثات المتوقفة منذ انسحاب أميركا من الاتفاق النووي لعام 2015)، ولكن الحل يجب أن يكون سياسياً.
قارنوا مع كوريا الشمالية: لماذا فشلت العقوبات في إنهاء برنامجها النووي؟ من دون حل سياسي، لا يبقى سوى الغزو البري أو قبول التخصيب. هذا أيضاً نقاش داخلي إيراني: أي ثمن مستعدون لدفعه مقابل الأسلحة النووية؟ كوريا الشمالية اختارت المضيّ في برامجها مهما كان الثمن. هل ستتبع إيران هذا النموذج؟ التفاوض فقط هو الحل».