الصحافه

“الأرض تهتز تحت أقدام الشرع”.. هل بدأت إسرائيل تأخذ صفة “شريكة في إدارة الدولة”؟

“الأرض تهتز تحت أقدام الشرع”.. هل بدأت إسرائيل تأخذ صفة “شريكة في إدارة الدولة”؟

تسفي برئيل

في الوقت الذي تفحص فيه إسرائيل احتمالية التطبيع، أو على الأقل عقد اتفاق أمني، وربما تسوية مع النظام السوري، ها هي الأرض تشتعل حرفياً تحت أيدي الرئيس أحمد الشرع. ما زالت سوريا دولة غير مسيطر عليها، ولا تسيطر السلطة المركزية فيها إلا على 60 – 70 في المئة من أراضيها.

نسيت إسرائيل الآن قضية ذبح العلويين في اللاذقية في آذار، التي قتل فيها 1700 شخص تقريباً. والمواجهات العنيفة في نيسان بين أبناء الطائفة الدرزية وقوات النظام أو مع القوات المنبثقة عنه، توقفت تقريباً، وكذلك الهجوم على كنيسة مار الياس في حزيران الذي قتل فيه 25 شخصاً، لم يترك في إسرائيل أي انطباع كبير. وقع الأحد انفجار عنيف وخطير، قد يتطور إلى مواجهة جديدة بين الدروز والنظام، وأصبحت إسرائيل الآن متورطة فيها.

بدأت القضية عادية، تاجر خضراوات درزي شاب، فضل الله دوارة، سرقته عصابة بدوية أثناء سفره في شاحنة الخضراوات على الشارع الرئيسي بين السويداء ودمشق. أعمال السطو ليست نادرة في المحافظة الدرزية، وقد أصبحت منذ فترة جزءاً لا يتجزأ من “اقتصاد المنطقة”. في هذه المرة، تطورت عملية السطو إلى مواجهة واسعة فيها، ورداً على السطو، اختطف مسلحون دروز عدداً من لأبناء القبيلة البدوية التي تعيش في حي المكوس في مدينة السويداء، بعد أن اختطف البدو عدداً من أبناء الطائفة الدرزية. أطلق سراح المخطوفون، لكن تم استخدام نيران القذائف والحوامات والرشاشات في المواجهات التي تطورت، فقتل حوالي أربعين شخصاً، وأصيب مئة تقريبا. ثم ارتفع عدد القتلى إلى 90 شخصاً تقريباً، وما زالت المواجهات مستمرة.

أعلن النظام في سوريا سارع أمس بأنه “دخل إلى الحدث”، وأنه يتدخل لفرض النظام، وبدأ في تحريك قوات شرطة ودبابات نحو منطقة النزاع. هذه عملية مطلوب من كل دولة القيام بها لمنع استمرار المواجهات وانتشارها إلى مناطق أخرى. ولكن الأمور في السويداء الدرزية أكثر تعقيداً.

 أرض المليشيات

وقع بين النظام والقيادة الدرزية في محافظة السويداء، في أيار، اتفاق استهدف تهدئة الانتفاضة السابقة. حسب الاتفاق، على المليشيات الدرزية، وهناك عدد منها، تسليم سلاحها للجيش ثم اندماجها لاحقاً في الجيش السوري (كما تعهدت بذلك القوات الكردية الموجودة تحت مظلة “قوات سوريا الديمقراطية” التي تسيطر على شمال الدولة). حتى إن الاتفاق مع الدروز ينص على أن قوات الأمن السورية هي التي ستكون المسؤولة عن الحفاظ على الأمن على الشارع الرئيسي بين دمشق والسويداء، وهو الشارع نفسه الذي حدث فيه السطو على بائع الخضراوات وأثار المواجهة الحالية.

قوات الأمن السورية يمكنها -حسب الاتفاق- أن تتولى الأمن في كل المحافظة، وهنا واجهت معارضة عدد من المليشيات الدرزية التي يتوزع ولاؤها بين الزعماء الثلاثة الروحانيين للطائفة. أعلنت إحداها استعدادها للتعاون مع الجيش، وثمة مليشيا أخرى، موالية للزعيم الروحي حكمت الهجري، أوضحت بعدم تسليم سلاحها إلى أن يتشكل جيش سوري وطني، وأوضحت مليشيا ثالثة أنها لا تصدق نوايا النظام السوري بحماية أبناء الطائفة. وإذا كانت نية دمج المليشيا بالجيش فسيكون هذا شريطة بقاء القوات الدرزية كـ “وحدة منفصلة تدافع عن محافظتها”.

النتيجة، أن الجيش السوري وقوات النظام لم يتمكنوا حتى الآن من دخول المحافظة الدرزية. حسب الدروز، الجيش لم يحم الشارع الرئيسي بين دمشق والسويداء. المفارقة أن المليشيات وقيادة الدروز والحكومة يتفقون على أن الفشل يكمن في غياب الحكومة عن الساحة والشارع الرئيسي. تدعي الحكومة، بدرجة كبيرة من الأحقية، أن الفشل ينبع من معارضة الدروز لدخول قوات النظام. ويدعي الدروز أن الأمر يتعلق بـ “فشل متعمد”، يمس بأمنهم.

جذور هذا التطرف واضحة وهي تكرر نفسها، هذا ما جاء في البيان الذي نشرته مليشيا “رجال الكرامة”، وهي المليشيا الدرزية الأكبر التي يترأسها ليث بلعوص. “بدأت الهجمات في ظل غياب قوات الدولة المتعمد عن الشارع الحيوي بين دمشق والسويداء، وتستمر بهجمات متكررة ضد المواطنين على هذا المحور، هذه الهجمات تتجاهلها الحكومة خلال أشهر كثيرة”.

مثلما في المواجهات في نيسان، فقد خرجت الآن أيضاً الزعامة الدرزية بنداء للمجتمع الدولي من أجل التدخل لـ “حماية الأقلية الدرزية من الإبادة”. هذا النداء يهز نظام الشرع لأنه يظهره غير قادر على حماية حياة مواطنيه، ويمكن المليشيات والعصابات من التمادي والمس بالمدنيين، مرة ضد العلويين ومرة ضد الدروز. لم ينجح في منع المس بكنيسة مار الياس (المنسوب لداعش، وربما تم تنفيذه على يد مسلحين خائبي الأمل، انسحبوا من “هيئة تحرير الشام”، منظمة الشرع). هذا في الوقت الذي يزور فيه الشرع عواصم العالم، ويحاول إظهار السيطرة الكاملة ويؤكد أنه يمكنه حماية السكان، كي يستطيع تجنيد الاستثمارات الكبيرة التي تحتاجها سوريا لإعادة الإعمار.

المشكلة الصعبة لا تنتهي هنا، لأن إسرائيل حولت نفسها إلى عامل رئيسي في جنوب سوريا وفي هضبة الجولان السورية. لا لأنها سيطرت على مناطق كثيرة في عمق المنطقة وأقامت فيها قواعد عسكرية، بل كقيم على أمن الدروز. وهكذا، في الوقت الذي تستنجد فيه زعامة الدروز بالمجتمع الدولي، فإنها في سوريا تفسر كدعوة لإسرائيل للتدخل، وقد تدخلت حقاً.

أمس، عندما بدأ الجيش السوري بإرسال الدبابات إلى منطقة النزاع هاجمتها طائرات إسرائيلية وأوقفت تقدمها. تفسير إسرائيل الرسمي هو أن “الهجوم نفذ لعرقلة وصول الدبابات إلى المنطقة. فوجود هذا السلاح في جنوب سوريا قد يشكل تهديداً على إسرائيل. لن يسمح الجيش الإسرائيلي بوجود تهديد عسكري جنوبي سوريا، وهو سيعمل ضده”، حسب هذا التفسير، استهدفت هذه العملية منع خرق سوريا لـ “خط السيطرة” الإسرائيلي في سوريا، الذي تجري مفاوضات بين إسرائيل وسوريا حول ترسيمه.

لكن هذا التفسير غير مقنع تماماً للنظام السوري، الذي يعتبر هذه العملية مساً بسيادة سوريا وتدخل إسرائيل في شؤونها الداخلية. وفي الوقت الذي تسارع وسائل الإعلام في إسرائيل للحديث عن تفاهمات وتنسيق مع النظام السوري، وتقدم سوريا في مسار “التطبيع” مع إسرائيل، فإن تدخل الأخيرة العسكري يدل على عدم الاتفاق بشأن الترتيبات الأمنية حتى الآن. حسب التحليل السوري، تنوي إسرائيل استغلال المواجهات الداخلية في سوريا، لا سيما في المحافظة الدرزية، لترسيخ نفسها كـ “قوة شرطة”، يمكنها منع قوات النظام من ترسيخ سيطرتها في الدولة، وعملياً، فإن سيطرة إسرائيل الجغرافية في الأراضي السورية تحولها إلى شريكة في إدارة الدولة.

العلاقة التركية

هذا التطور الخطير يحدث في وقت تعمل فيه الولايات المتحدة بصورة محمومة لمساعدة نظام الشرع على تثبيت حكمه في الدولة كلها. صافح الرئيس ترامب الشرع أثناء زيارته للسعودية، ورفع العقوبات عن سوريا (هكذا هو فتح الباب على مصراعيه للتعاون الدولي مع النظام)، بعد ذلك بدأ توم باراك، السفير الأمريكي في تركيا والذي يشغل أيضاً منصب المبعوث الأمريكي الخاص في الشؤون السورية واللبنانية، بضغط شديد على الأكراد لتنفيذ الاتفاق الذي تم التوقيع عليه مع الشرع والانضمام للجيش الوطني.

حتى الآن، غير معروف كيف ستتصرف الولايات المتحدة في قضية الدروز، وتدخل إسرائيل والمناطق التي تسيطر عليها. من المهم الذكر بأن تركيا مشاركة أيضاً، فقد تحولت إلى سيدة الشرع بمباركة واشنطن والرياض. بين تركيا وإسرائيل آلية تنسيق تم التوصل إليها بوساطة أذربيجان، التي استضافت الشرع السبت – وهي الزيارة التي التقت على هامشها جهات سورية (من بينها وزير الخارجية أسعد الشيباني) مع ممثلين إسرائيليين. آلية التنسيق هذه استهدفت منع الأضرار “غير المتعمدة” بين الجيش الإسرائيلي والقوات التركية، لكن ليس تنسيق نشاطات الجيش الإسرائيلي في جنوب سوريا.

الموقف المبدئي لتركيا هو أن على إسرائيل الانسحاب من الأراضي السورية كلها والعودة إلى اتفاق فصل القوات من العام 1974. تعمل أنقرة على إقناع الإدارة الأمريكية بتبني هذا الموقف، وإقناع الشرع بأن يربط أي اتفاق مع إسرائيل بذلك.

هآرتس 15/7/2025

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب