سلاح المخيمات الفلسطينية في لبنان: صراع الأجنحة، المخاطر المتفاقمة، ومتطلبات الحكمة والتريث

سلاح المخيمات الفلسطينية في لبنان: صراع الأجنحة، المخاطر المتفاقمة، ومتطلبات الحكمة والتريث
إعداد: المحامي علي أبوهبله – محلل سياسي وقانوني
يشكّل ملف السلاح في المخيمات الفلسطينية بلبنان تحديًا أمنيًا وسياسيًا بالغ التعقيد، حيث تتشابك فيه العوامل الداخلية الفلسطينية مع اعتبارات لبنانية وإقليمية ودولية.
التطورات الأخيرة، بما في ذلك إقالة السفير الفلسطيني في لبنان أشرف دبور، وإحالة عدد من ضباط منظمة التحرير الفلسطينية للتقاعد القسري، ساهمت في توسيع الهوة داخل الساحة الفلسطينية في لبنان، وأثارت مخاوف من تصاعد صراع الأجنحة والفصائل، ما قد يؤدي إلى انفجار أمني واسع في واحدة من أكثر الساحات الفلسطينية حساسية.
في المقابل، هناك مؤشرات على مساعٍ إسرائيلية وأمريكية لاستغلال هذه الحالة لإضعاف منظمة التحرير الفلسطينية كمرجعية سياسية للاجئين، وتغذية الصراعات الداخلية وصولًا إلى “فلسطنة” الصراع في المخيمات، بما يخدم مشاريع تصفية قضية اللاجئين. من هنا، تبرز الحاجة إلى الحكمة والتريث في معالجة هذا الملف الخطير، مع مراعاة التوقيت والحساسية الميدانية.
أولًا: خلفية تاريخية للمشكلة
تأسس الوضع الخاص للمخيمات الفلسطينية في لبنان منذ اتفاق القاهرة (1969)، الذي أتاح للفصائل الفلسطينية إدارة المخيمات ذاتيًا وحمل السلاح داخلها، قبل أن يتم إلغاؤه عام 1987.
عقب الخروج الفلسطيني من بيروت في 1982، بقي السلاح داخل المخيمات موزعًا بين فصائل منظمة التحرير، وفصائل إسلامية كـ”حماس” و”الجهاد الإسلامي”، وجماعات متشددة استغلت ضعف الدولة اللبنانية للتمركز هناك.
تحوّل هذا السلاح لاحقًا إلى عامل توازن هش، لكنه أيضًا مثّل تهديدًا متكررًا للسلم الأهلي اللبناني وأداة لتصفية الحسابات الداخلية
ثانيًا: العوامل التي تزيد تعقيد الوضع
1. قرارات القيادة الفلسطينية الأخيرة
أحدثت التطورات الأخيرة في القيادة الفلسطينية حالة من القلق في الساحة اللبنانية، وخاصة:
إقالة السفير أشرف دبور، الذي لعب دورًا محوريًا في التوازن بين الفصائل الفلسطينية والدولة اللبنانية.
إحالة ضباط وقيادات ميدانية إلى التقاعد القسري، ما أثار ردود فعل غاضبة داخل قواعد الفصائل، وخلق فراغًا قياديًا ميدانيًا، انعكس مباشرة على الوضع الأمني الهش داخل المخيمات.
2. صراع الأجنحة داخل منظمة التحرير الفلسطينية
تصاعد التنافس الداخلي بين أجنحة حركة فتح، وتراجع دور منظمة التحرير كمرجعية موحدة للاجئين، انعكس سلبًا على قدرة اللجنة الأمنية المشتركة في ضبط الوضع الميداني. هذا الانقسام يزيد من هشاشة المشهد الأمني، ويفتح الباب أمام تدخلات خارجية.
3. التدخلات الإقليمية والدولية
بات واضحًا أن أطرافًا إقليمية ودولية تسعى لتوظيف المخيمات الفلسطينية في لبنان كأدوات صراع. وفي هذا السياق، تسعى إسرائيل ومعها الولايات المتحدة لاستغلال حالة الانقسام الفلسطيني من أجل:
إضعاف منظمة التحرير الفلسطينية كمرجعية سياسية للاجئين.
تغذية الصراع الداخلي للوصول إلى “فلسطنة” الأزمة، بحيث يبدو وكأنه خلاف داخلي فلسطيني وليس نتيجة تدخلات خارجية، وهو ما يخدم مشاريع تصفية قضية اللاجئين وفرض حلول التوطين أو التهجير.
ثالثًا: المخاطر المحتملة
على الساحة اللبنانية: تفجر الاشتباكات قد يهدد السلم الأهلي، ويوفر ذريعة لقوى لبنانية للمطالبة بإجراءات قاسية ضد اللاجئين الفلسطينيين.
على اللاجئين الفلسطينيين: استمرار سقوط الضحايا المدنيين، وتزايد الضغط الاجتماعي والاقتصادي على المخيمات، ما يهدد بتفريغها تدريجيًا.
على القضية الفلسطينية: أي انفجار أمني قد يُستغل لتبرير مشاريع التوطين أو التهجير، ويُضعف منظمة التحرير الفلسطينية كمرجعية سياسية.
استغلال إسرائيلي – أمريكي محتمل: هناك خطر واضح من محاولات لتغذية الصراع داخل المخيمات، بما يؤدي إلى “فلسطنة” الأزمة وتصويرها كصراع داخلي بحت، بينما تتخفى التدخلات الخارجية، بهدف دفع الأطراف الفلسطينية إلى مزيد من الانقسام وإخراج المخيمات من المعادلة السياسية لحق العودة.
رابعًا: التوصيات
على المستوى الفلسطيني
تجميد أي قرارات جديدة قد تزيد الانقسام لحين تحقيق توافق وطني.
إعادة بناء وحدة القيادة الفلسطينية في لبنان عبر حوار عاجل بين كافة الفصائل.
على المستوى اللبناني – الفلسطيني
تفعيل الحوار المشترك لوضع آلية لإدارة الأمن في المخيمات تراعي حقوق اللاجئين وتحفظ السلم الأهلي.
على المستوى العربي والدولي
تحرك عربي استباقي عبر الجامعة العربية لمنع التدخلات الخارجية، ودعم إنساني وتنموي للمخيمات لتقليل هشاشتها.
الحذر من الفخ الإسرائيلي – الأمريكي
ضرورة وعي الأطراف الفلسطينية واللبنانية لمحاولات استدراجهم إلى صراع داخلي يخدم أجندات خارجية، وتجنب أي خطوات قد تؤدي إلى انفجار الوضع.
وعليه ووفق كل ذلك إن جمع السلاح في المخيمات الفلسطينية بلبنان يبقى هدفًا مشروعًا لتعزيز الأمن وحماية اللاجئين، لكنه في الظروف الحالية المليئة بالتوترات الداخلية والإقليمية قد يتحول إلى قنبلة موقوتة إذا لم يُعالج بحكمة ورويّة. المطلوب هو مقاربة شاملة ومتدرجة تقوم على التوافق الوطني، وتجنب الانزلاق إلى سيناريوهات كارثية قد تخدم فقط مشاريع تصفية القضية الفلسطينية.
إعداد: المحامي علي أبوحبله
محلل سياسي وقانوني