هجمات المستوطنين تهدد بتعطيش رام الله والبيرة.. والخليل تشهد احتجاجات واسعة على نقص المياه

هجمات المستوطنين تهدد بتعطيش رام الله والبيرة.. والخليل تشهد احتجاجات واسعة على نقص المياه
سعيد أبو معلا
رام الله- الخليل- تواصلت معاناة الفلسطينيين في الضفة الغربية مع تصاعد هجمات المستوطنين في رام الله والبيرة، وتقليص شركة «ميكوروت» الإسرائيلية الحصص المخصصة سنويًا لمدينة الخليل، ما ينذر بتعطيش مئات آلاف المواطنين مع اشتداد حرارة الصيف.
وأعلنت مصلحة مياه محافظة القدس، الإثنين، عن توقف الضخ بشكل كامل من آبار ومحطات المياه في منطقة عين سامية شرق كفر مالك، بفعل الاعتداءات المتصاعدة التي ينفذها المستوطنون ضد المنشآت والمرافق الحيوية هناك.
وأكدت المصلحة فقدان طواقمها السيطرة الفنية والإدارية على كامل المنظومة المائية في عين سامية، بسبب استهداف مباشر لشبكات الكهرباء، ومعدات الضخ، وأنظمة الاتصالات وكاميرات المراقبة، ما أدى إلى شلّ الضخ كليا نحو عشرات القرى والبلدات الفلسطينية شمال وشرق محافظة رام الله والبيرة.
وأشارت إلى أن المنطقة ما تزال تشهد انقطاعا في خدمات الإنترنت وخطوط الاتصالات، مما يصعّب من مهمة الوصول الفني أو إعادة تشغيل المحطات، ويحول دون توفير الحماية للطواقم الميدانية.
وحذرت المصلحة من أن استمرار الوضع سيؤدي إلى كارثة إنسانية تهدد أكثر من 70 ألف مواطن بحرمانهم من حقهم الأساسي في المياه.
وبحسب سلطة المياه، فإن اعتداءات المستوطنين على عين سامية تكررت منذ مطلع العام الحالي، وشملت كسر أحد الخطوط الرئيسة الخارجة من البئر رقم 6 في المحطة، وتدمير وسرقة إحدى البوابات الرئيسية، وتحطيم كاميرات المراقبة وقطع خطوط الاتصالات والإنترنت بالكامل.
تعتبر عين سامية مصدر المياه الرئيسي لـ19 تجمعا فلسطينيا شمال وشرق رام الله
وتبرز أهمية عين سامية باعتبارها مصدر المياه الرئيسي لـ19 تجمعا فلسطينيا شمال وشرق رام الله، من بينها: دير دبوان، الطيبة، رمون، دير جرير، المزرعة الشرقية، سلواد، عين يبرود، يبرود، كفر مالك، خربة أبو فلاح، المغير، ترمسعيا، سنجل، عبوين، جلجليا، عارورة وغيرها.
كما تغذي عين سامية أيضا 14 تجمعا آخر عبر محطة رام الله، أبرزها: دورا القرع، مخيم الجلزون، جفنا، عين سينيا، بيرزيت، جامعة بيرزيت، أبو قش، عطارة، دير السودان، عجول، جيبيا، برهام، كوبر، أبو شخيدم والمزرعة القبلية. ويصل إجمالي عدد المستفيدين من مياه آبار عين سامية بالكامل أو جزئيًا إلى نحو 110 آلاف مواطن.

مستوطنون يسبحون في نبع عين سامية، 15 يوليو 2025
وقال عادل ياسين، المتحدث باسم سلطة المياه ومسؤول التخطيط، إن توقف الضخ جاء بفعل هجمات المستوطنين «التي لا تمثلهم وحدهم بل تمثل الحكومة الإسرائيلية نفسها، كونها ممنهجة وتُنفذ بغطاء رسمي». وأكد أن تعليمات وزير الأمن الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير تعتبر المستوطنين «أفرادا محميين من المساءلة».
وأوضح ياسين في حديثه لـ«القدس العربي»: «هذه الهجمات ليست عشوائية، بل خطوات متتابعة هدفها السيطرة على المياه والجغرافيا والاستيلاء على الأرض وفرض التهجير». وسرد تسلسل الاعتداءات قائلا: «الهجمات استمرت ثلاثة أسابيع؛ بدأوا بمهاجمة الآبار ثم نفذوا هجمات متكررة وقطعوا الاتصالات، واليوم انتقلوا إلى الاعتداء المباشر على الآبار ما أوقف الضخ كليًا».
وحذر من أن استمرار توقف الآبار يعني انقطاعا دائما للمياه. وأكد أن سلطة المياه طالبت الجهات الرسمية والدولية بالتدخل العاجل، مشيرًا إلى أن منطقة رام الله والبيرة تعتمد على أكثر من مصدر، منها آبار عين سامية ومحطة بيتونيا، وأن تحويل المياه لسد العجز يتطلب ترتيبات فنية معقدة تمتد لأسابيع.
ولفت ياسين إلى أن إسرائيل، فور احتلالها للأراضي الفلسطينية عام 1967، أصدرت أربعة قرارات عسكرية كان الثاني منها يقضي بالاستيلاء على كل مصادر المياه وضمها لدولة الاحتلال.
وأضاف أن آبار عين سامية كانت المصدر الرئيسي لمياه الشرب لمحافظتي القدس ورام الله والبيرة، لكنها اليوم تغطي أقل من 20% من الاحتياجات، بسبب انخفاض منسوب المياه الجوفية بفعل الضخ الجائر من الآبار الإسرائيلية المجاورة.
ويُقدر عمر عين سامية بأكثر من سبعة آلاف عام، معاصرةً بذلك مدينة أريحا التاريخية، وتقع على السهول الشرقية لقرية كفر مالك شمال شرق رام الله. وتحتوي المنطقة على آثار من العصور البرونزية والكنعانية والرومانية والإسلامية، وتعد من أهم مصادر المياه الجوفية في شمال شرق رام الله. وتضم خمسة آبار عاملة بعمق يتراوح بين 100 و500 متر، بطاقة إنتاجية إجمالية تقارب 12 ألف متر مكعب يوميا، أي ما نسبته 17% من الكميات اليومية الموردة من مصلحة مياه محافظة القدس.
غضب شعبي في الخليل
في مدينة الخليل، تفاقمت أزمة المياه، حيث تظاهر مئات المواطنين أمام مبنى البلدية احتجاجا على انقطاع المياه عن أحيائهم ومنازلهم.
وأكدت سلطة المياه الفلسطينية أنها تبذل جهودًا متواصلة لمعالجة الأزمة الخانقة التي تواجه المحافظة، رغم التحديات المعقدة وفي مقدمتها سياسات الاحتلال الإسرائيلي وتحكمه بمصادر المياه وكميات التزود.
وأوضحت أن الأزمة تفاقمت مؤخرا مع تقليص شركة «ميكوروت» الإسرائيلية كميات المياه لصالح المستوطنات المحيطة ضمن سياسة ممنهجة تتكرر كل صيف، بذريعة ارتفاع نسب الفاقد، رغم الضغوط الفلسطينية المستمرة لإعادة الضخ إلى مستوياته الطبيعية.
وقال ياسين: «محافظة الخليل من أفقر المحافظات من حيث المصادر المحلية وأكبرها سكانا، وأقلها توفرا للمياه، ما يجعلها تعتمد أساسا على المصادر الإسرائيلية». واتهم «ميكوروت» بمواصلة سياسة التسويف أمام المطالبات الفلسطينية، في ظل تفاقم التعديات على خطوط المياه، مما زاد حدة الأزمة.
وبحسب بيان سلطة المياه، بلغ تقليص كميات المياه المزودة عبر خط دير شعار الرئيسي هذا الصيف 51%، إذ تراجعت الكمية إلى نحو 17 ألف متر مكعب يوميا بدلا من 35 ألفا. وارتفعت كمية الفاقد على هذا الخط بسبب التعديات والوصلات غير القانونية من 2,500 متر مكعب يوميا في آذار إلى أكثر من 11 ألف متر مكعب يوميا، ما أخلّ بنظام التوزيع وأضر بقدرة العديد من المناطق على التزود بالمياه بانتظام.
أما خط ترقوميا، فكان من أكثر الخطوط تضررا بالتعديات، وهو ما استخدمه الاحتلال ذريعة لتقليص التزود عليه إلى مستويات شبه معدومة، إذ لا تتجاوز الكمية المتوفرة حاليا 2,000–3,000 متر مكعب يوميا مقارنةً بـ20,000 متر مكعب سابقا، أي بنسبة تقليص تصل إلى 90%. وبلغت التعديات على الخط قبل التخفيض أكثر من 15,000 متر مكعب يوميا، أي ما يزيد عن 75% من إجمالي التزود الطبيعي. واستغل الاحتلال هذه الفوضى لإغلاق الوصلات الرسمية والإبقاء على تدفق المياه نحو المستوطنات والوصلات غير الشرعية، بينما تتحمل الحكومة الفلسطينية تكاليف هذه الكميات. ويُذكر أن الخط يتبع لشركة «ميكوروت» التي تتنصل من مسؤولية صيانته ومعالجة الفاقد.
وأكدت سلطة المياه أن تجاوز أزمة الخليل يتطلب تضافرا وطنيا شاملا لمواجهة سياسات الاحتلال وتحسين إدارة الخدمات ورفع وعي المواطنين بحماية حقهم في المياه، معتبرة أن هذه الأزمة ليست طارئة ولا عابرة، بل نتاج واقع سياسي معقد وخلل فني وإداري متراكم.
بدورها، أوضحت بلدية الخليل أن المدينة تعاني منذ أكثر من شهرين من تراجع حاد في كميات المياه، حيث انخفض المعدل اليومي إلى أقل من 8,000 متر مكعب، في حين أن الحاجة الفعلية تتجاوز 40,000 متر مكعب يوميا.
وفصّلت البلدية أبعاد الحل في ثلاثة محاور: أولها مطالبة الحكومة الفلسطينية وسلطة المياه بتحمل مسؤولية التزويد وفق عدد السكان واحتياجاتهم، وثانيها إعادة توزيع المياه بين مناطق الضفة لتحقيق قدر من العدالة، وثالثها مطالبة الحكومة بالاهتمام بالمشاريع التنموية التي تخص المحافظة.
وتعيد الأزمة الحالية إلى الواجهة ملف المياه كقضية وجودية للفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، بعدما حوله الاحتلال منذ عقود إلى أداة ضمن مشروعه الاستعماري للتهجير والسيطرة على الأرض.
«القدس العربي»: