مقالات

المشاركة الفلسطينية في قمة حركات التحرر – تثبيت للهوية النضالية وتجديد للخطاب التحرري

المشاركة الفلسطينية في قمة حركات التحرر – تثبيت للهوية النضالية وتجديد للخطاب التحرري
بقلم: المحامي علي أبو حبلة
شهدت مدينة جوهانسبرغ في جنوب أفريقيا حدثاً سياسياً لافتاً تمثّل في مشاركة وفد فلسطيني رسمي في قمة حركات التحرر العالمية، وذلك لأول مرة منذ انطلاق هذا الإطار الأممي. وقد ترأس الوفد الفلسطيني الفريق جبريل الرجوب، بصفته ممثلاً عن حركة “فتح” وأمين سر لجنتها المركزية، ناقلاً رسالة باسم الحركة والشعب الفلسطيني في وقت تواجه فيه القضية الفلسطينية تحديات وجودية متزايدة.
تأتي هذه المشاركة في سياق سعي فلسطيني لإعادة تقديم القضية الوطنية في أطرها الأصلية، بوصفها قضية تحرر وطني من استعمار استيطاني، لا مجرد نزاع سياسي بين طرفين. وهذه المقاربة تعيد تموضع الخطاب الفلسطيني ضمن حركات مقاومة الاستعمار والعنصرية على المستوى العالمي، لا سيما في سياق تزايد التضامن الشعبي مع الفلسطينيين في أعقاب العدوان المستمر على قطاع غزة.
القضية الفلسطينية ضمن إطار تحرري عالمي
ألقى الفريق الرجوب كلمة الوفد الفلسطيني خلال الجلسة الافتتاحية، إلى جانب وفود تمثل حركات تحرر من كوبا، روسيا، الجزائر، نيكاراغوا، الصين، والجمهورية الصحراوية. وفي كلمته، أكد على الروابط التاريخية التي تجمع بين الفلسطينيين وحركات التحرر، مذكّراً باللقاء الذي جرى عام 1965 بين القائد الفلسطيني خليل الوزير (أبو جهاد) والقيادي الجنوب أفريقي أوليفر تامبو.
الرسالة السياسية التي حملها الوفد الفلسطيني عبّرت بوضوح عن أن الشعب الفلسطيني لا يخوض معركة وجودية فقط ضد الاحتلال الإسرائيلي، بل هو جزء من معركة تحرر أوسع ضد أنظمة القمع والاستعمار والاستيطان. وقد وصف الرجوب ما يجري في غزة بأنه “نكبة ثانية” و”إبادة جماعية ممنهجة”، لكنه شدد على أن الحل لا يكون إلا بالسلام القائم على العدالة، وضمن إطار القانون الدولي الذي يضمن حق الشعوب في تقرير مصيرها ومقاومة الاحتلال.
دلالات سياسية للمشاركة الفلسطينية
تمثل هذه المشاركة تحوّلاً في توجه الخطاب السياسي الفلسطيني نحو استعادة التواصل مع القوى العالمية المناهضة للاستعمار، بعيداً عن الاقتصار على مخاطبة الأنظمة الرسمية. إذ أن الانخراط في أطر مثل قمة حركات التحرر، يعيد القضية الفلسطينية إلى بيئتها الطبيعية، التي ترى في النضال ضد الاحتلال جزءاً من حركة تاريخية أوسع مناهضة للهيمنة والسيطرة الأجنبية.
وتكمن أهمية هذه القمة في كونها منبراً يعيد الاعتبار للقضية الفلسطينية كقضية تحرر، لا مجرد صراع حدود أو تنازع على إدارة أراضٍ محتلة. كما أن الحضور الفلسطيني إلى جانب حركات وشعوب قاومت الاستعمار بنجاح، يوفّر بيئة سياسية وشعبية عالمية يمكن أن تُفعّل من جديد أدوات الدعم والتضامن الدولي، سواء من خلال الضغط السياسي، أو من خلال حملات المقاطعة، أو عبر دعم الملاحقات القانونية الدولية ضد جرائم الاحتلال.
فتح وخطابها السياسي في السياق العالمي
حرص الفريق الرجوب، في تمثيله لحركة “فتح”، على تأكيد التزام الحركة بمسار التحرر الوطني القائم على مقاومة الاحتلال، والدفاع عن الحقوق المشروعة للفلسطينيين. وقد حملت كلمته تأكيداً على أن فتح، بصفتها حركة تحرر وطني، ما زالت ترى في القانون الدولي ركيزة للنضال من أجل الحرية والكرامة، دون التخلي عن الحق المشروع في المقاومة.
هذا الخطاب يعكس محاولة فلسطينية لإعادة التوازن بين المسار الدبلوماسي من جهة، والشرعية النضالية التاريخية من جهة أخرى، خاصة في ظل العجز الدولي المتكرر عن وقف الجرائم الإسرائيلية، وغياب المحاسبة الفعلية على الانتهاكات المستمرة بحق المدنيين الفلسطينيين.
ويمكننا القول . حضور فلسطين الرسمي في قمة حركات التحرر 2025 هو رسالة سياسية متعددة الأبعاد: فهو أولاً إعادة تأكيد على طبيعة الصراع، وثانياً تذكير بالعلاقات التاريخية مع حركات تحرر عالمية، وثالثاً محاولة لتوسيع دائرة التضامن والدعم في مواجهة نظام احتلال يسعى لتصفية الحقوق الفلسطينية عبر الحرب والتجويع والتهميش السياسي.
تحتاج القضية الفلسطينية اليوم إلى إعادة صياغة خطابها السياسي على أسس نضالية وقانونية متينة، تتجاوز حدود التفاوض العقيم، وتخاطب الضمير العالمي بلغة التحرر وحقوق الإنسان. وفي هذا السياق، يمكن اعتبار المشاركة الفلسطينية في هذه القمة خطوة باتجاه استعادة الحضور الفلسطيني الفاعل في المحافل الأممية غير الرسمية، واستنهاض قوى الشعوب في مواجهة الظلم التاريخي الذي لا يزال يُمارس بحق الفلسطينيين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب