رغم التوثيق: محكمة إسرائيلية تُفرج عن مستوطن قتل مُعلّمًا فلسطينيا جنوب الخليل

رغم التوثيق: محكمة إسرائيلية تُفرج عن مستوطن قتل مُعلّمًا فلسطينيا جنوب الخليل
محكمة إسرائيلية تفرج عن المستوطن قاتل المعلّم عودة الهذالين رغم توثيق الجريمة بالفيديو وضلوعه بهجمات إرهابية سابقة ضد الفلسطينيين. قوات الاحتلال اقتحمت خيمة العزاء وأعلنت المنطقة “عسكرية مغلقة”، وسط استمرار أعمال التوسّع الاستيطاني في محيط القرية.
أفرجت محكمة الصلح في القدس، اليوم الثلاثاء، عن المستوطن يانون ليفي، المتهم بقتل الناشط والمعلّم الفلسطيني عودة الهذالين في قرية أم الخير في مسافر يطا، جنوبي الخليل، وقررت تحويله للحبس المنزلي، رغم توثيق جريمة القتل بمقاطع مصوّرة، ورغم إدراج ليفي سابقًا على قوائم العقوبات في الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا لضلوعه في إرهاب المستوطنين.
وكان الهذالين، البالغ من العمر 31 عامًا، قد استشهد الإثنين، برصاص المستوطن خلال محاولة سكان أم الخير التصدّي لجرافة دخلت أراضيهم الزراعية برفقة مستوطنين، ما أسفر عن إصابة مواطن فلسطيني آخر تم الاعتداء عليه بواسطة “شاكوش” الجرافة.

وأظهر تسجيل مصوّر نشرته منظمة “بتسيلم” الحقوقية الإسرائيلية، لحظة إطلاق ليفي النار من مسدسه باتجاه السكان، ما أدى إلى إصابة الهذالين في صدره واستشهاده لاحقًا متأثرا بإصابته الحرجة.
ورغم خطورة التهم، والتي شملت “القتل غير العمد” و”إطلاق النار بسلاح ناري”، لم تعترض الشرطة الإسرائيلية على قرار الإفراج عن المستوطن وتحويله للحبس المنزلي، كما سمحت للمستوطن بلقاء أفراد عائلته في ساحة المحكمة، في إجراء استثنائي.
وبررت القاضية حوي توكر القرار بأن “الاعتقال في هذه المرحلة يستند إلى الخطورة”، لكنها رأت أنه “من الممكن تقليص هذا الخطر عبر شروط مقيّدة”، وفق ما ورد في نص القرار. وادّعى ممثل الشرطة أمام المحكمة، أن ليفي ومستوطنا قاصرًا كانا في “حالة دفاع عن النفس”، وأنهما تعرضا للرشق بالحجارة من قبل فلسطينيين.
كما اتهمت الشرطة اثنين من المتضامنين الأجانب بـ”محاولة تعطيل التحقيق” عبر إزالة كاميرات كانت توثق الحادثة. وقد تقرر تحويل الناشطين الأجنبيين إلى إجراءات ترحيل، في حين اعتُقل أربعة فلسطينيين على خلفية الجريمة بزعم “الاعتداء ورشق الحجارة وإلحاق أضرار”، وسيُعرضون على محكمة عسكرية، الخميس المقبل.
وحضرت الجلسة عضو الكنيست ليمور سون هار ميليخ عن حزب “عوتسما يهوديت” اليميني المتطرف، بزعامة إيتمار بن غفير. وقالت: “جئت لدعم يانون ليفي، الذي يحرس أراضي وطننا من أجلنا جميعا”، على حد تعبيرها.
بالتوازي مع قرار الإفراج عن القاتل، اقتحمت قوات الاحتلال، مساء الثلاثاء، خيمة عزاء الشهيد عودة الهذالين في أم الخير، وأعلنت المنطقة “منطقة عسكرية مغلقة”، وقامت بطرد المشيّعين بالقوة.
وبحسب شهود عيان، اعتدى الجنود على الحضور واعتقلوا ناشطتين أجنبيتين كانتا تتضامنان مع العائلة، كما أُطلقت قنابل صوت وشُتم الحضور قبل أن يتم إبعادهم إلى مفترق طرق بعيد.
وكان الهذالين من أبرز الناشطين في مسافر يطا ضد التهجير القسري، ومعلّما للغة الإنجليزية، وأحد القائمين على المركز المجتمعي في القرية. وشارك في إنتاج الفيلم الوثائقي “لا أرض أخرى” الحائز على جائزة الأوسكار عام 2025، والذي وثّق معاناة الفلسطينيين في وجه التوسّع الاستيطاني بالمنطقة.
شهادات وتوثيقات من موقع الجريمة
بحسب شهادة طالب في كلية الطب تواجد في المكان، فقد أُصيب المواطن أحمد الهذالين بجروح في الرأس من الجرافة، وفقد وعيه لدقائق. وأثناء تقديم الإسعاف له، وقع إطلاق النار الذي أُصيب فيه عودة الهذالين.
وأوضح الطالب، في شهادة أوردتها صحيفة “هآرتس”، “حاولنا إنقاذه، لكن إصابته في الصدر كانت حرجة، وفقد نبضه لاحقًا رغم محاولات الإنعاش”. لاحقًا، وصلت الشرطة واعتقلت عددًا من سكان القرية بعد أن أشار إليهم المستوطن ليفي، بحسب إفادته. ويُعد ليفي أحد قادة المستوطنين في جنوب الخليل، وتربطه صلات مباشرة بأعمال التهجير في قرى فلسطينية منها تجمع خربة زنوتة.
وكان قد وُضع ليفي العام الماضي على قائمة العقوبات الأميركية والأوروبية والكندية إلى جانب مستوطنين آخرين، بسبب قيادته مجموعات تنفذ اعتداءات على الفلسطينيين، تحرق أراضيهم، وتُجبرهم على مغادرة منازلهم تحت التهديد. وبحسب وزارة الخارجية الأميركية حينها: “ليفـي يقود بانتظام جماعات مستوطنين تهاجم الفلسطينيين، وتخلق مناخًا من الخوف والترويع”.
أدانت منظمات حقوقية فلسطينية وإسرائيلية قرار الإفراج عن ليفي، واعتبرت منظمة “بتسيلم” أن ما جرى هو “دليل إضافي على منهجية الإفلات من العقاب التي ترعى عنف المستوطنين”. وقالت إن عودة الهذالين كان “صوتًا للنضال السلمي” ضد التهجير، وإن قتله الموثّق يجب أن يُقابل بمحاسبة صارمة، لا بإخلاء سبيل قاتله.
وأضافت المنظمة “منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، قُتل في الضفة الغربية 965 فلسطينيًا، بينهم 27 على يد مستوطنين أو جهات إسرائيلية مجهولة”. وفي النصف الأول من عام 2025 فقط، وثّقت هيئة مقاومة الجدار والاستيطان أكثر من ألفي اعتداء للمستوطنين، أودت بحياة سبعة فلسطينيين على الأقل.
في الوقت نفسه، استأنف مستوطنون، مساء الثلاثاء، أعمال الحفر الاستيطانية في محيط أم الخير تحت حماية جيش الاحتلال، في مؤشر واضح على استمرار مساعي ضم أراضٍ لصالح مستوطنة “كرميئيل” المجاورة. ويأتي ذلك في سياق التصعيد الممنهج ضد التجمعات البدوية في مسافر يطا، من هدم المنازل إلى تجريف الأراضي ومنع الوصول إلى المياه والمراعي، ضمن مسار تهجير قسري تقوده السلطات الإسرائيلية لتفريغ المنطقة من سكانها الفلسطينيين.
عرب 48