مقالات

قبل أن نبدأ النقاش حول إذا ما كنّا مع القائمة المشتركة أم ضدّها…

قبل أن نبدأ النقاش حول إذا ما كنّا مع القائمة المشتركة أم ضدّها…

عبد أبو شحادة

دعم القائمة المشتركة بكل مكوّناتها، وبناء تحالفات واسعة، ليس مجرد مناورة سياسية، بل هو واجب الساعة. على النخبة الفلسطينية أن تصغي لصوت الشارع وتفهم من أين يأتي هذا الطلب…

قبل أن نبدأ النقاش حول إذا كنا مع القائمة المشتركة أو ضدها، علينا أولًا أن نطرح سؤالًا أكثر جوهرية، وهو: في ظل المزاج العام الحالي في المجتمع والسياسة الإسرائيلية، هل ستكون هناك انتخابات مفتوحة في الكنيست للأحزاب العربية كما كان في السابق؟
الافتراض الذي يُطلب منا فيه أن نقرر إن كنا مع أو ضد المشتركة دون الاعتراف بالتغير البنيوي العميق الذي طرأ على السياسة الإسرائيلية بعد حرب الإبادة الجماعية في غزة، وسلسلة الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان وسورية وإيران واليمن دون وجود قوة حقيقية تردعها، فيه استهتار بالنقاش السياسي الإسرائيلي.

لذلك، أكثر من أي وقت مضى، على النخب السياسية الفلسطينية في الداخل أن تدرك أن التهديدات التي كان يُنظر إليها سابقًا ككلام فارغ من قبل السياسيين الإسرائيليين، أصبحت اليوم خططًا قابلة للتنفيذ: من سحب الجنسية، وتهجير جماعي لمجتمعات فلسطينية من أراضيها، إلى استغلال حالة الطوارئ لتنفيذ اعتقالات إدارية، بل وحتى الترحيل خارج الوطن. سيكون هناك دعم كافٍ من داخل المجتمع الإسرائيلي، والعالم الذي شاهد تجويع غزة دون أن يحرّك ساكنًا، على الأرجح لن يتحرك أيضًا إن أقدمت إسرائيل على إيذاء الفلسطينيين مواطنيها.

من هذا المنطلق يجب أن يُدار النقاش حول القائمة المشتركة. إن كان في الماضي الجدل يتمحور حول مشاريع سياسية وخلافات فكرية بين الأحزاب بشأن كيفية التأثير على السياسة الإسرائيلية، والتي شملت تخصيص الموارد والبرامج، فإن النقاش اليوم يجب أن يتم من منطلق يرى في الوحدة أداة لحماية المواطنين الفلسطينيين.

بل وأكثر من ذلك، في الأسبوع الماضي شهدنا لأول مرة مظاهرة شارك فيها عشرات الآلاف في سخنين، وآلاف آخرون شاركوا في عدد كبير من البلدات العربية. تلا ذلك مباشرة إعلان لجنة المتابعة العليا وباقي الأحزاب العربية عن إضراب لمدة ثلاثة أيام في مركز “رابطة” بيافا، والذي حظي بتغطية إعلامية عربية ودولية واسعة. هذه الأحداث منحت المجتمع العربي شعورًا بالدعم، وأكدت أن وجود عمل سياسي مشترك بين الأحزاب العربية سيؤدي إلى مشاركة جماهيرية أوسع بكثير مما لو عمل كل حزب بمفرده.

بالطبع، لا يمكن التقليل من شأن الخلافات السياسية بين الأحزاب، لا سيما التغير في نهج الحركة الإسلامية الجنوبية بقيادة منصور عباس، الذي اختار الانضمام إلى الحكومة. وهناك أيضًا من يجادل بأهمية التمثيل المتنوع داخل المجتمع العربي وتعدّد التيارات الفكرية.

لكن في المقابل، لا يجب تجاهل رغبة الجمهور بالوحدة، ولا أهمية فهم من أين تنبع هذه الرغبة. في السابق، نشأنا على فكرة الوحدة العربية كقيمة سامية، وهي شعور موجود في جميع الشعوب العربية ولسنا استثناءً. لكن هذه المرة، تأتي دعوة الوحدة من مكان مختلف، من غريزة أساسية للبقاء. فالفلسطينيون مواطنو إسرائيل الذين يجيدون العبرية، يدركون جيدًا المزاج العام والخطر الوجودي الذي يحيط بهم.

وليس من الضروري أن نكون خبراء في استطلاعات الرأي كي نفهم لماذا هم خائفون. خلال العامين الماضيين، تعرّض عشرات الآلاف للاعتداءات الجسدية واللفظية، وأُهين آخرون وتعرّضوا للذل، وتم هدم مئات البيوت في الشمال والجنوب، وفي الوقت ذاته، تقلّص الفضاء السياسي بشكل خطير.

والأسوأ من ذلك، أن هناك هجرة متزايدة بين الشباب والعائلات الشابة الذين بدأوا يبحثون عن مستقبل أفضل نتيجة فقدان الثقة في أي تغيير سياسي. وفي ظل عجز النخب السياسية والحزبية عن الاستماع إلى مشاعر الناس وتقديم بديل، واستمرار تجاهل التغيرات البنيوية والسياسية التي يشهدها الإقليم، لا يمكننا أن نلومهم.

وفي هذا السياق، في الحلقة الأخيرة من بودكاست الميدان، استضفت د. جمال زحالقة، الرئيس السابق لحزب التجمع، كونه من الذين دفعوا بفكرة القائمة المشتركة، وكان له دور محوري في تطوير الصيغة التي أوصلت إلى الاتفاق بين الأحزاب العربية عام 2015.

في الجزء الأخير من الحلقة، تحدثنا عن القائمة المشتركة، وأشار زحالقة أولًا إلى أن المشتركة تمثل مصلحة حزبية لجميع الأحزاب، ولكن الأهم من ذلك أنها تشكل عنوانًا للمجتمع الفلسطيني في الداخل، على المستويين المحلي والدولي، حيث امتلكت الشرعية للتحدث باسم المواطنين الفلسطينيين. بل وأكثر من ذلك، أشار إلى أن في ظل الخطر الذي يهددنا، فإن وجود قائمة مشتركة سيسهّل مطلب الحماية الدولية.

حين أقول ذلك، لا أقلّل من شأن الفروقات بين الأحزاب، وحتى إن وُجدت مبررات حقيقية واستطلاعات رأي تدعم مثلًا فكرة وجود قائمتين مبنيتين على اتفاقيات فائض أصوات وتفاهمات بين الأحزاب، فماذا تقول النخبة السياسية للجمهور؟ في واقع تقوم فيه إسرائيل بإبادة جماعية في غزة وتهجير في الضفة والعالم لا يمنعها، هل ما زالت الأحزاب العربية عاجزة عن التوحد؟ وهل الخلافات بينها ما زالت تمنعها حتى من رؤية مصالحها الذاتية من حيث توسيع التمثيل وتشكيل جبهة تحميها مما هو قادم؟

صحيح أن هناك من يراهن داخل بعض الأحزاب على أن نسبة التصويت سترتفع نتيجة الملاحقة السياسية، ولكن هذا لا يعني أن جميع الناس سيصوتون للأحزاب العربية. أحد أهم إنجازات القائمة المشتركة في السابق كان أنها أضعفت بشكل كبير أحزاب اليسار الصهيوني. والآن، بدأت أحزاب صهيونية، من اليمين واليسار، بتخصيص أماكن لممثلين عرب في قوائمها على أمل أن تستفيد هي الأخرى من ارتفاع نسبة التصويت في المجتمع العربي. لفهم ذلك يكفي النظر إلى الخطاب الذي يروّج له عضو الكنيست حمد عمار من حزب ليبرمان على شبكات التواصل، وهو الحزب ذاته الذي طرح في السابق فكرة “لا ولاء، لا مواطنة”، وها هو اليوم يخاطب الجمهور العربي.

إن دعم القائمة المشتركة بكل مكوّناتها، وبناء تحالفات واسعة، ليس مجرد مناورة سياسية، بل هو واجب الساعة. على النخبة الفلسطينية أن تصغي لصوت الشارع وتفهم من أين يأتي هذا الطلب، وفي المقابل، هناك مسؤولية على بقية الجمهور العربي أن يواصل الضغط والمطالبة بقائمة مشتركة من أجلنا جميعًا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب