مقالات

اسرائيل في غزة : الى أين ؟  بقلم الدكتور وليد عبد الحي

بقلم الدكتور وليد عبد الحي

اسرائيل في غزة : الى أين ؟
 بقلم الدكتور وليد عبد الحي
من الواضح أن الوصول الى نتائج للحرب الدائرة في غزة ، تدفع طرفي المواجهة(اسرائيل والمقاومة) لوضع تصورات لكيفية مواجهة المستقبل القادم على النحو الذي يستجيب لتطلعات كل منهما، ولا شك ان خيارات المقاومة محدودة ، ولكنها تحاول استغلال الثغرات في الاستراتيجية الاسرائيلية “لعلها” تحصل على بعض المكاسب من خلال هذه الثغرات، فما هي الاستراتيجية الاسرائيلية . نحاول عرض هذه الاستراتيجية ومعوقاتها على النحو التالي:
من الواضح ان العقل الاستراتيجي الاسرائيلي ،مستندا للخبرة الطويلة مع المقاومة الفلسطينية والأنظمة العربية وردود الفعل الدولية حدد اعمدة استراتيجيته على النحو التالي:
1- اجتثاث المقاومة المسلحة من غزة والعمل على تهجير قياداتها أو قتلهم ،والسيطرة على القطاع من خلال تقسيمه الى ثلاث اجزاء(شمال –وسط –جنوب) مع التحكم في نمطين من المعابر:
أ‌- معابر مع الجوار بخاصة المصري ،وضمان السيطرة الاسرائيلية على المعبر من الجانب الفلسطيني عبر وجود اسرائيلي في رفح (قد يكون الى حين من الزمن يطول او يقصر طبقا للتطورات).
ب‌- معابر بين الاجزاء الثلاثة للقطاع تسيطر عليها القوات الاسرائيلية.
2- المساعدة على الهجرة الطوعية ، والتواصل مع دول يمكن ان تقدم مساعدات للتعمير ولكن بهدف تعطيل وصول المساعدات من هذه الدول لجعل غواية الهجرة اكبر لأكبر عدد ممكن من الفلسطينيين .
3- ايجاد حكومة بديلة لحكومة المقاومة تساندها قوى عربية أو دولية (أو مشتركة في بعض التصورات)لضمان الامن الداخلي في غزة ،ثم مد ذلك للضفة الغربية.
4- توسيع دائرة الاستيطان في الضفة الغربية، والشروع في التضييق المالي على المجتمع وسلطة التنسيق الامني ومحاولة بناء ادارات محلية في “بانتوستانات” تفصل بينها تمددات المنطقة “ج”، وهو ما يعزز احتمالات الهجرة الطوعية .
5- العمل على ضمان ان تبقى اتفاقيات التطبيع مع الدول العربية(بما فيها اتفقات ابراهام) سارية المفعول، والضغط المباشر او غير المباشر على دول التطبيع لعدم تجاوز هذا الجانب،ويتم ذلك بالاستناد للقوى الدولية من ناحية، وقوى اقليمية من ناحية ثانية،ومن انظمة قادرة على تمويه تحركاتها عند قمع اي معارضة لوقف التطبيع من ناحية ثالثة.
6- السعي لوأد فكرة حل الدولتين بتغيير الواقع بشكل متسارع في الضفة الغربية، والعمل على تقليص انصار هذا الحل في الجمعية العامة، والعمل على منع نقل الموضوع الى مجلس الامن ومناقشته تحت البند السابع من الميثاق الدولي.
7- تغيير التوازن السكاني لصالح اليهود(15 مليون يعيشون الآن في فلسطين ،لكن مع فارق ب 300 الف لصالح الفلسطينيين) ،كما أن معدل الزيادة السكانية الفلسطينية متفوقة على عددها عند اليهود،مما يزيد الخلل مستقبلا، ولا يبدو ان خطط التهجير ستغير هذا الخلل بنسبة كبيرة الا في حالات التهجير القسري ،وهو الاقل احتمالا.
ولكن ما المعوقات التي تقف في وجه هذه الخطة:
1- رغم ضعف المقاومة بسبب الضغوط السكانية والحياتية وخسائر المدنيين الثقيلة والاستنزاف العسكري من الذخائر والتجهيزات العسكرية، فان المؤشرات –وحسب المراجع العبرية- تؤكد ان المقاومة ما تزال قادرة على أيقاع اذى كبير في الجيش الاسرائيلي إذا مضى في خطته، بل ان الاستخبارات الاسرائيلية تؤكد ان المقاومة تمكنت من تجنيد قوة بشرية اعادت حجمها – تقريبا-لما كان في بداية المعركة ولو بخبرات اقل وقيادات اقل حضورا لتصيدها كما جرى في المراحل السابقة.
2- تكشف استطلاعات الرأي العام الغزي في موضوع الهجرة (طوعية او قسرية) والتي اجرتها مؤسسات غربية من بينها “غالوب” الامريكية (استطلاع مارس 2025) على النتائج التالية:
أ‌- 39% يرفضون المغادرة تحت اي ظرف من الظروف
ب‌- 38% يوافق على المغادرة المؤقتة مع التأكيد على العودة بعد هدوء الوضع
ت‌- 14% مستعد للمغادرة النهائية وعدم العودة.
ث‌- 4% قالوا سابقى أنا ولكني سأسمح لعائلتي بالمغادرة الى حين استقرار الوضع لتعود بعد ذلك.
ج‌- 5% ليس لديه رأي.
ذلك يعني أن الغالبية الواضحة ليست مع الهجرة ،وان نسبة من حسم رأيه بالهجرة ما تزال متدنية بشكل واضح.
من جانب آخر فان موضوع التهجير يواجه صعوبات أخرى منها:
أ‌- تردد عدد كبير من الدول في قبول الفكرة وبخاصة دول غربية وازنة.
ب‌- تردد كبير في قبول استضافة المهاجرين سواء من دول الجوار العربي او اغلب الدول الاوروبية
ت‌- ان عددا من الدول التي جرى اقتراحها للتهجير لها هي دول فقيرة للغاية في بنياتها ولا تستطيع استقبال اعداد كبيرة من المهاجرين (الصومال او السودان او نيجيريا…الخ)
ث‌- ان الدول الغنية المقترحة (كندا او استراليا) ليست في وضع يسمح بالضغط عليها للقبول بالمهاجرين بخاصة لمئات الآلاف منهم.
ج‌- لا يوجد ضمانات واضحة وكافية من قبل قوى مؤثرة دوليا ان المساعدات ستستمر للمهاجرين بعد مغادرتهم ، ومعلوم ان الخبرة الفلسطينية مع المساعدات بعد اوسلو غير مبشرة على الاطلاق.
3- ان الخطة المصرية(والتي تبنتها الجامعة العربية) تم طرحها بعد ان قال مستشار الامن الامريكي مايكل والتز في فبراير الماضي ما نصه الحرفي : “على الاقليم ان يجد حلا لمشاكله” ، وتقوم الخطة المصرية على اساس توفير 53 مليار دولار- وتشكيل حكومة تكنوقراط مؤقتة ثم تتولى السلطة الفلسطينية الامر،لكن اسرائيل والولايات المتحدة لم تؤيدا الخطة المصرية من منطلق الرغبة الاسرائيلية في اقصاء سلطة التنسيق الامني وضمان البعد الامني لاي حكومة من خلال الوجود الاسرائيلي الامني المباشر في المناطق الفلسطينية .
مقابل ما سبق تم تطوير خطة اسرائيلية تتبنى انشاء قوة دولية غير تابعة للامم المتحدة،(مايو 2024) وتضم قوة امنية وادارية للحكم وادارة اعادة الاعمار على غرار تجربة ما جرى في كوسوفو والبوسنة ، لكن الولايات المتحدة ودول اوروبية واسيوية وعربية تبدو مترددة في هذا الاتجاه،بل هناك تردد واضح في الولايات المتحدة نظرا لفشل تجارب التدخل الواسع امريكيا في العراق وليبيا وافغانستان.
4- مخاطر على حياة الأسرى الاسرائيليين: كان عدد الاسرى في بداية المعركة 251، ساهم التفاوض في المراحل السابقة كلها في الافراج عن 183 اسيرا ، ولكن قُتل منهم خلال مواجهات مع الجيش الاسرائيلي او اثناء القتال لانقاذهم ما مجموعه 40 أسيرا ، بقيت جثث بعضهم مع المقاومة، وبقي طبقا للتقديرات 24 أسيرا حيا ، وتميل أغلب التقديرات العسكرية الاسرائيلية الى ان احتمالات تعرض الأسرى الاسرائيليين للموت في حالة استمرار القتال لانقاذهم وتدمير المقاومة تتراوح بين العالية والعالية جدا.، ولعل ذلك يفسر ميل المجتمع الاسرائيلي الى قبول صفقة لاطلاق سراح الاسرى الاسرائيليين مقابل وقف اطلاق النار بنسبة تتراوح بين 74-82% في عدد من استطلاعات الراي الاسرائيلي.( القناة 12-يوليو 2025).
5- تقدر القيادات ومراكز الابحاث الاسرائيلية ان السيطرة على غزة طبقا لتصورات خطة نيتنياهو تحتاج الى اربع فرق عسكرية وبتكاليف 7 مليار دولار، فاذا علمنا أن 50% فقط من الاحتياط الذين تم استدعاؤهم استجاب للدعوة، فان توفير العبء البشري قد يخلق توترا داخل المجتمع ومؤسسته العسكرية، ويقدر عاموس يادلين، اللواء الإسرائيلي المتقاعد والرئيس السابق لمديرية الاستخبارات العسكرية في جيش الدفاع الإسرائيلي: “ان النصر الكامل في غزة ليس هدفا واقعيا على الإطلاق، وهو ليس طريقا للنجاح الاستراتيجي ، فالعقيدة الأمنية الإسرائيلية تدعو إلى تحقيق انتصارات عسكرية سريعة يمكن تسخيرها لتحقيق إنجازات سياسية؛ أما الحرب في غزة فهي عكس ذلك تماما.”.
6- المشكلة البنيوية في إدارة المعركة الحالية،وهو ما يتضح في المؤشرات التالية:
أ‌- سياسات نيتنياهو تخلخل دور المؤسسة في صنع القرار واتخاذه لحساب دور الفرد(نيتنياهو)(قرارته بعزل المدعي العام او مدير الشين بيت او السيطرة على المؤسسة القضائية ..الخ مؤشر على ذلك )
ب‌- التردد بين اعداد متصاعدة من الاحتياط للالتحاق بالجيش(اشرنا له)
ت‌- الخلاف حول اعفاء من الخدمة بخاصة لفئة الحريديم.
ث‌- توتر العلاقة مع دول غربية بخاصة في اوروبا بسبب السياسات الاسرائيلية في غزة
ج‌- فقدان التوافق الواسع بين القيادات العسكرية فيما بينهم وبين القيادات السياسية فيما بينهم ايضا وبين العسكرين والسياسيين معا.
7- تراجع صورة اسرائيل لدى الرأي العام الدولي: تشير استطلاعات الراي العام الدولي الى تراجع التأييد بين الشباب الامريكي لاسرائيل خلال الازمة بارتفاع نسبة المعارضين 11% ليصل في مجموعه الى 53% (استطلاع بيو) مقارنة بعام 2022(قبل الطوفان)،وتصل النسبة بين الديمقراطيين في معارضة سياسات اسرائيل في غزة الى 69% مقابل 37% من الجمهوريين. وفي الشباب الجمهوري زاد التراجع في التأييد لاسرائيل 15% عن مرحلة ما قبل الطوفان.أما عالميا فقد دل استطلاع شمل 24 دولة من كل القارات على ان اربع دول فقط نالت السياسة الاسرائيلية فيها رضا الرأي العام في تلك الدول وهي الهند (من آسيا) بتاييد 71%، و الارجنتين من امريكا اللاتينية(54%) ودولتان من افريقيا هما نيجيريا وكينيا( 68 و 58% على التوالي).، بينما هناك 20 دولة كان معدل نسبة المعارضة للسياسات الاسرائيلية فيها جميعا حوالي 67% تقريبا وتضم دولا كبرى وازنة مثل (الولايات المتحدة،،كندا، هولندا ،اسبانيا، السويد،اليونان، ايطاليا ،المانيا،فرنسا ،بريطانيا ،بولندا وهنغاريا، واليابان واندونيسيا واستراليا وكوريا الجنوبية، وتركيا، وجنوب افريقيا،والمسكيك والبرازيل) اما في الدول العربية فالمعارضة الشعبية تزداد طبقا ايضا لاستطلاعات الرأي المختلفة.
ذلك يعني انه إذا كانت المقاومة في مازق لا لبس فيه( بسبب الحصار والمواقف العربية والخداع الامريكي والتردد الاوروبي والبراغماتية الصينية والروسية..الخ)، فان اسرائيل في وضع لم تعرفه من قبل، ولا يجوز استبعاد ان يترتب على ذلك مشكلات داخلية واقليمية ودولية بين اسرائيل والعالم، ولكن من يُحسن التقاط هذه الازمات ويستثمرها…؟ هذا يحتاج لجولة تفكير اخرى..فماذا لو عادت اسرائيل لطرح إعادة أجزاء من الضفة الغربية للاردن واعادة الحكم المصري لغزة؟ وارفاق ذلك بغوايات اقتصادية وسياسية؟
من الضروري أن لا ننسى نصيحة مولتكة بالعناية بالجهة الخامسة… ربما.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب