مقالات

البرمجة الرقمية والذكاء الاصطناعي: قصة الطالب الذي تفوق على أستاذه د. رياض العيسمي

د. رياض العيسمي

البرمجة الرقمية والذكاء الاصطناعي: قصة الطالب الذي تفوق على أستاذه
د. رياض العيسمي
إن ما يميز الإنسان عن المخلوقات الحيوانية الأخرى ليس العقل، وإنما العقلانية، أو الذكاء. أي قدرة الإنسان على المحاكمة العقلانية للظواهر المختلفة الموجودة في محيطيه وتحويلها إلى حالات شخصية وسلوك إنساني. والفرق الأساسي المميز بين الانسان والحيوان هو قدرة الانسان على التفكير الواعي الذي ينمو ويتطور بتطور المعرفة والتجربة. ولقد كثر الحديث في هذه الايام عن الذكاء الاصطناعي وتأثيره على حياة ومستقبل البشر. ويكاد لا يخلو نقاش بين مجموعة أشخاص أو أي موقع للتواصل الاجتماعي من قضية البرمجة الرقمية والذكاء الاصطناعي ، فما هي القصة؟
وهنا سأحاول عرضها باختصار وشرح مبسط. وذلك بغرض الاستفادة ونشر المعرفة.
عندما اختراع الإنسان الكومبيوتر الشخصي
‏Personal Computer (PC)، كانت الفكرة الأساسية منه أن يحاكي عقل الانسان في طريقة خزن المعلومات واسترجاعها. أما توظيف المعلومات المسترجعة بقي متروكا للإنسان ليتحكم به ووفقا لحاجته ومقاصده. وبهذا كانت تكمن أهمية الكومبيوتر وفاعليته في قدرة ومعرفة الإنسان في طريقة خزن المعلومات في الذاكرة وبما يسهل عملية استرجاعها. وفي علوم الكومبيوتر والحاسوب تعرف هذه العملية بالبرمجة. وبشكل مبسط، البرمجة تقوم على استخدام مجموعة من الاشارات الإلكترونية و الخوارزميات التي تخبر العقل المحرك في الكومبيوتر ما الذي يتوجب عليه فعله، وكيف. وفي ذلك الوقت كانت البرمجة تعتمد على مبدأ، Analog, أي مجموعة من الخوارزميات البسيطة والاشارات العامة وغير المحدودة. ومن ثم تطورت وتحولت إلى برمجة رقمية Digital Programing . وأصبحت تعتمد على منظومة من الاشارات الدقيقة والمحددة. ويمكن مقارنة البرمجة الرقمية بالبرمجة العامة بالساعة الرقمية والساعة الحركية ذات العقارب، أو مؤشرات الدوران. ففي الوقت الذي تؤشر الساعة الحركية إلى التوقيت المحصور بشكل عام بالدقائق، تحدد الساعة الرقمية الوقت بشكل دقيق وبالثانية. وفي بعض الساعات المختبرية بأجزاء الثانية، ومع ظهور البرمجة الرقمية بدأ التفكيير بتطوير الذكاء الاصطناعي، Artificial Intelligence (AI). فاذا كان الكومبيوتر قد اخترع ليحاكي عقل الانسان، الذكاء الاصطناعي يستخدم البرمجة الرقمية ويحاكي الطريقة التي يفكر بها عقل الانسان. وكان ابسط تطبيق للذكاء الاصطناعي في حينها هو استخدام الفارة الاليكترونية Mouse، التي كان أول من قدمها ستيف جوبز مؤسس شركة آبل, Apple، لتشغيل نظام الويندوز Windows، الذي عرضته شركة بيل غيتس Microsoft في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي. حيث أن الجانب الأيسر لل فارة يتحكم بالتطبيقات الحركية التقليدية لنظام الويندوز. أما الجانب الأيمن منها يعتمد على مبدأ بسيط للذكاء الاصطناعي. وعلى سبيل المثال، عندما يختار مستخدم الكومبيوتر جملة مكتوبة ويضغط على الجزء الأيمن Right Clicking، تظهر له مجموعة من الخيارات التي يمكن أن يفكر بها الإنسان المستخدم. مثل نسخ ولصق، قص ولصق، تكبير الخط، تلوينه، ربطه برابط داخلي أو خارجي، الخ. وهذا ما يسهل عملية استخدام الكومبيوتر وتسريعها. وفي حالات متقدمة لاستخدامات الذكاء الاصطناعي يتضاعف عدد التطبيقات والسرعة في إنجازها إلى عشرات، مئات، آلاف، ملايين، بل بلايين المرات،. وفي تطبيقات أخرى تعرف ب النانو تكنولوجي Nanotechnology تصل الى أجزاء لا يمكن إدراكها بالعقل البشري ولا رؤيتها بالعين المجردة. وبفضل تقدم وتطور البرمجة الرقمية لقد قطع الذكاء الاصطناعي اليوم شوطا كبيرا، بل وخطيرا. و أصبح من الضرورة التوقف عنده. وذلك لأنه أصبح يدخل في كل الصناعات الصغيرة والكبيرة مثل صناعة الرقائق الحساسة التي تستخدم في الهواتف الذكية التي يحملها بلايين البشر، أكثر من ثلث سكان العالم يحملون هواتف ذكية بأنواعها،. ويدخل في صناعة كل أنواع السيارات بما فيها السيارات ذاتية القيادة. وكذلك الطائرات والغواصات. وغيرها. ويدخل أيضا في صناعة الروبوتات، والتي أصبح بامكانها القيام بكل الخدمات والوظائف التي يمكن أن يقوم بها الإنسان. وهذا ما يمكن الروبوت في المستقبل بالاستيلاء على معظم الوظائف التي يشغلها الانسان. والتي لن تقتصر على الخدمات، والمواصلات والاتصالات فقط، وانما بدأت تنسحب على مجالات التعليم والخدمات الإنسانية. إلا أن الخطورة في تطور الذكاء الاصطناعي تمكن فيما يعرف بالتعلم العميق، Deep Learning. والذي تتجاوز فيه قدرة الذكاء الاصطناعي قدرة الانسان الذي اخترعه على التفكير. فهذا النوع من الذكاء يجدد ويطور نفسه بنفسه وفقا لما يراه هو منطقيا حسب البرمجيات الرقمية المتراكبة. وأحد التطبيقات التي بانت تثير الجدل اليوم هو تطبيق ال Chat GpT التابع لشركة مايكروسوفت. والذي باستطاعته ان يجري البحوث والدراسات ويحضر الوظائف المدرسة نيابة عن الطلاب، وهو كل ما يحتاجه ملخص بما يطلبه الاستاذ. وأيضا بدأ يستخدم هذا التطبيق في كافة المجالات القانونية والاجتماعية والصحية، وغيرها. ومثله تطبيق Google Chat التخصص بالترجمة. وهذا ما دعا مؤخرا البروفيسور جيفري هانبنتون ، الذي يعتبر أحد أهم الآباء الروحيين للذكاء الاصطناعي ، ان يستقيل من منصبه كنائب لرئيس شركة Google. ويدق ناقوس الخطر ويحذر من مستقبل الذكاء الاصطناعي على حياة البشرية. وذلك لأن المنظومة البرمجية للذكاء الاصطناعي التي شارك هو في تأسيسها بدأت تتعارض مع المنظومة الأخلاقية للمجتمعات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب