مناورات عراقية بوجه واشنطن: تأجيل مفتوح لقانون «الحشد»

مناورات عراقية بوجه واشنطن: تأجيل مفتوح لقانون «الحشد»
تتعثّر تعديلات قانون «الحشد الشعبي» بفعل ضغوط أميركية وانقسامات داخلية، وسط خشية الحكومة من تصعيد دبلوماسي، ما يدفع نحو تأجيل مفتوح يختبر توازنات بغداد الهشّة.

بغداد | تتصاعد حدّة الجدل السياسي في بغداد في شأن مصير التعديلات المقترحة على قانون «هيئة الحشد الشعبي»، وسط ضغوط أميركية مكثّفة لعدم إقرارها، وتحفّظات داخلية متزايدة عليها، ما يرجّح، بحسب مصادر نيابية، ترحيل المشروع إلى الدورة البرلمانية المقبلة، لتجنّب صدامٍ سياسي داخلي واحتكاك ديبلوماسي مع واشنطن.
ورغم إتمام البرلمان القراءتَين الأولى والثانية لمشروع القانون، فإن إدراجه على جدول أعمال الجلسات تعثّر مجدّداً، وهو ما دفع ببعض النواب إلى مطالبة القوى الداعمة لتشريعه بالتحاور مع تلك الرافضة له داخل مجلس النواب، في محاولة لتقريب وجهات النظر، وفق ما ذهب إليه النائب المستقل، حسين عرب، مشيرًا إلى أن «دولاً وسفارات إقليمية ودولية تمارس ضغوطاً علنية لمنع تمرير القانون».
وأوضحت مصادر سياسية مطّلعة، بدورها، في حديث إلى «الأخبار»، أن مشروع القانون، الذي يهدف إلى إعادة تنظيم هيكلية «الحشد» ودمجه ضمن منظومة الجيش الرسمي، «يواجه اعتراضاً من أطراف داخل المكوّن الشيعي نفسه، خصوصاً من بعض قادة الفصائل الذين يتحفّظون على إنشاء قيادة مركزية موحّدة للحشد ضمن هيكلية وزارة الدفاع».
وفي المقابل، جدّدت الولايات المتحدة، عبر سفارتها في بغداد، تحذيراتها من تمرير المشروع؛ وحذر القائم بالأعمال الأميركي في بغداد، ستيفن فاجن، أثناء لقائه النائب الأول لرئيس البرلمان، محسن المندلاوي، من أن القانون المطروح «سيعزّز النفوذ الإيراني، ويشرعن الجماعات المسلحة الخارجة عن سيطرة الدولة»، في حين أبلغت واشنطن، وفق مصادر ديبلوماسية، الحكومة العراقية نيّتها فرض عقوبات شديدة على أطراف سياسية ومسؤولين، في حال تمرير المقترح بصيغته الحالية.
واشنطن تهدّد بفرض عقوبات شديدة على مسؤولين عراقيين في حال تمرير القانون بصيغته الحالية
ورغم ذلك، يؤكّد عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية، مختار الموسوي، في حديث إلى «الأخبار»، أن البرلمان «ماضٍ في تشريع القانون، كونه يُنظّم وضع الحشد داخل المؤسسة العسكرية، ويحفظ حقوق المقاتلين»، مشدّداً على أن «العراق لا يمكن أن يظلّ رهينة للضغوط الأميركية أو مزاج السفارات».
وتأتي هذه الأزمة التشريعية بعد نحو تسع سنوات على إقرار البرلمان قانون «الحشد» للمرة الأولى عام 2016، حيث بقي فضفاضاً من دون تفصيلات إدارية وتنظيمية واضحة. ومع تصاعد النقاشات حول دور الفصائل في الأمن والسيادة، يسعى بعض الأطراف إلى «تقنين» وضع «هيئة الحشد الشعبي» ضمن إطار عسكري واضح، بينما تخشى أطراف أخرى من أن يتحوّل القانون إلى بوابة لتعزيز استقلالية هذه الفصائل.
وبين ضغوط الخارج وتشتّت الداخل، يبدو أن قانون «الحشد» سيبقى معلّقاً حتى إشعار آخر. وفيما يؤشّر غيابه عن جدول أعمال البرلمان إلى تأجيل غير معلن، يرى مراقبون أن العودة إلى طاولة التسويات السياسية قد تكون السبيل الوحيد لتفادي مواجهة جديدة قد تضع العراق أمام خيارات صعبة.
ويرى النائب عن «ائتلاف النصر»، سلام الزبيدي، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «مشروع قانون الحشد الشعبي، ورغم أهميته في تنظيم وضع الهيئة قانونياً ومهنياً، فإن تمريره في الظرف الحالي بات شبه مستحيل»، مرجّحاً «ترحيله إلى الدورة البرلمانية المقبلة، لتفادي مواجهة سياسية داخلية وضغوط دولية».
ويشير إلى أن «الولايات المتحدة أبلغت بغداد عبر قنوات ديبلوماسية أنها تضع فيتو واضحاً على تمرير القانون، وتعتبره تهديداً مباشراً لعلاقتها مع الحكومة العراقية، وقد يُعرّض بغداد لعقوبات سياسية واقتصادية»، مستدركاً بأن «المشكلة لا تتوقّف عند واشنطن، فهناك رفض داخلي واسع للقانون بصيغته الحالية من قبل قوى سنّية وكردية وحتى أطراف شيعية ضمن الإطار التنسيقي، تخشى من أن يتحول تمرير القانون إلى شرارة تصعيد إقليمي ومحلّي».
أمّا الباحث السياسي، إبراهيم السراج، فيلفت، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أن «الحكومة، وإن لم تُعلن موقفاً رسمياً، لكنها ترفض تمرير القانون، استجابةً لضغوط أميركية مباشرة»، مضيفاً أن «الكتلة البرلمانية الداعمة لرئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، والمتمثّلة بكتلة الإعمار والتنمية التي تضم نحو 50 نائباً، تتحفّظ على القانون بل ترفضه بشكل واضح».
ويشير إلى أن «السوداني يخشى من أن يُفهم تمرير القانون كموقف سياسي منحاز يعقّد علاقته بالتحالف الدولي، ويقوّض فرصه في الحفاظ على التوازن الهشّ داخلياً وخارجياً». وبالفعل، يجد رئيس الحكومة نفسه أمام معادلة معقّدة؛ إذ إن تمرير القانون قد يحرجه أمام واشنطن و«المجتمع الدولي»، في حين أن تأجيله قد يُفسَّر كتخلّ عن شركائه السياسيين في «الإطار التنسيقي»؛ وبين السيناريوَين، تبدو خيارات الحكومة محدودة ومرتبطة بتفاهمات اللحظة الأخيرة.