الديموقراطية الغربية عاريةً أمام غزة | واشنطن تزداد وقاحة: لا وجود لفلسطين

الديموقراطية الغربية عاريةً أمام غزة | واشنطن تزداد وقاحة: لا وجود لفلسطين
ترفض واشنطن الاعتراف بدولة فلسطينية وتمنح الاحتلال «حرية التصرف» في قطاع غزة، فيما تكشف الإبادة المستمرة عجز الديمقراطيات الغربية وتآكل مكانتها الأخلاقية.

بدا واضحاً، منذ مدّة طويلة، أنّ مفهوم إقامة دولة فلسطينية لم يعد موجوداً في عقلية صنّاع السياسة الأميركيين الحاليين، رغم الغضب الدولي المتزايد إزاء الإستراتيجية الإسرائيلية – الأميركية في قطاع غزة، والحديث المنتشر، بشكل متصاعد وأكثر علانية، في أوساط المراقبين والسياسيين الغربيّين عن معالم الإبادة الناتجة من تلك «الإستراتيجية».
ويأتي ذلك في الوقت الذي يجد فيه بعض هؤلاء صعوبة حتى في الاعتراف بوجود «إستراتيجية» إسرائيلية، لا سيّما وأنّ تل أبيب تبقى، حتى لحظة إعلان حكومة بنيامين نتنياهو نيّتها احتلال القطاع، بلا أي أهداف سياسية، إذا ما وضعنا جانباً الحملة العقابية بحق الفلسطينيّين، والتي تعدّ، طبقاً لخبراء، من بين أكثر العمليات فتكاً التي تشنّها القوى الغربية بحق المدنيّين في التاريخ.
وفي مقابلة مع شبكة «إي دبليو تي»، الخميس، اعتبر وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، أنّ الاعتراف بدولة فلسطينية هو «بالتأكيد بمثابة منح النصر لـ(حماس)»، واصفاً حتى تلك «الدولة التي يتحدّث عنها الناس» بـ«غير الحقيقية»، بالنظر إلى أنّه «لا يمكن أن يكون لديك دولة أو حتى منطقة تتمتّع بالحكم الذاتي إلا إذا تمكّنت من تحديد من سيديرها»، على حدّ زعمه. وردّاً على سؤال حول ما إذا كان يرى أنّ احتلال غزة هو «المسار الصحيح» في الوقت الراهن، كرّر وزير الخارجية الأميركي موقف واشنطن المتمثّل بمنح إسرائيل حرّية «تحديد ما يجب فعله في نهاية المطاف من أجل أمنها».
وفي إشارة إلى أنّ المجاعة المتزايدة في القطاع ليست عملياً من بين أولويّات الإدارة الأميركية الحالية، قال روبيو إنّه «يتوجّب علينا التعامل مع مسألة الرهائن في غزة و(حماس)، وليس فقط الجانب الإنساني»، متابعاً: «ما دامت (حماس) موجودة، وخاصة كمنظّمة مسلحة، فلن يكون هناك سلام في غزة أبداً، لأنّها لن تتغيّر فجأة وتنتقل إلى مجال عمل آخر. إنّ مجال عملهم، وسبب وجودهم، هو أنهم يريدون تدمير إسرائيل. إنهم يريدون طرد كل يهودي من الشرق الأوسط. هذا هو هدفهم. وما دامت مجموعة كهذه تمتلك الأسلحة والقدرة على القتال، فإنها ستبقى تشكل تهديداً للسلام».
وخصّص المسؤول الأميركي جزءاً من حديثه للهجوم، مرة جديدة، على حلفاء بلاده، لا سيّما في أوروبا، على خلفية الحراك العالمي الأخير للاعتراف بدولة فلسطينية، لافتاً إلى أنّ «حماس» تعتقد أنّها «تكسب حرب العلاقات العامّة العالمية، ولذا هي غير مستعدّة لتقديم أي تنازلات».
ومهاجماً فرنسا بشكل خاص، زعم روبيو أنّ «المحادثات مع (حماس) انهارت في اليوم الذي اتّخذ فيه إيمانويل ماكرون القرار الأحادي الجانب بالاعتراف بالدولة الفلسطينية»، مشيراً إلى أنه رغم ذلك، «يتقدّم أشخاص آخرون، وتقول دول أخرى، إنّه إذا لم يكن هناك وقف لإطلاق النار بحلول أيلول، فسوف نعترف بالدولة الفلسطينية. ولو كنت أنا (حماس)، لتوصّلت في الأساس إلى استنتاج مفاده أنه لا ينبغي لنا أن نتوصّل إلى وقف لإطلاق النار».
الإستراتيجية «العكسية»
وفي خضمّ الترقّب المتزايد للخطوات الإسرائيلية القادمة، يجادل البعض بأنّ نيّة إسرائيل توسيع عملياتها في غزة تأتي في ضوء «فشل عمليّتها العسكرية الأوّلية في تحقيق أهدافها الحربية»، رغم انتقاد العديد من المسؤولين الإسرائيليّين، من التوجّهات السياسية كافة، فكرة «احتلال» القطاع.
وطبقاً لتقرير أوردته صحيفة «وول ستريت جورنال»، فإنّ الكثير من المحلّلين الأمنيّين الإسرائيليّين أيضاً يرون أنه ليس من الواضح ما إذا كان الاحتلال سيؤدّي فعلياً إلى هزيمة «حماس» أو تشجيعها؛ إذ سيتمكّن مقاتلو الحركة الذين خاضوا الحرب بأكملها بملابس مدنية ومن داخل المناطق المأهولة بالسكان، من مواصلة تكتيكات حرب العصابات، فيما من الممكن أن يؤدّي الاحتلال إلى تحسين وضعهم، كونه يمنحهم إمكانية الوصول بشكل أفضل إلى القوات الإسرائيلية المتمركزة بشكل دائم داخل غزة لإدارة الحكومة العسكرية.
أصبحت عملية التجويع تشكّل «فشلاً إستراتيجياً» بالنسبة إلى إسرائيل
كذلك، يجادل منتقدو الخطّة، بأنّ احتلال القطاع قد يؤدّي إلى إبعاد إسرائيل عن أهدافها الحربية، عبر التسبّب بمقتل الأسرى المتبقّين، جنباً إلى جنب تعزيز موقف «حماس» في غزة وعلى الساحة العالمية.
وكانت دأبت العديد من وسائل الإعلام الغربية على الحديث، في الأيام الماضية، عن أنّ سياسة التجويع التي اعتمدتها إسرائيل بهدف إضعاف «حماس»، أصبحت تمثّل، في المقابل، «فشلاً إستراتيجياً» لتل أبيب، وعزّزت، بدلاً من ذلك، موقف الحركة ومنحتها «نفوذاً» في محادثات وقف إطلاق النار. كما أنّ الحملة الإسرائيلية على القطاع أضحت الحالة «الأكثر فتكاً» التي تستخدم فيها «الديموقراطية الغربية» معاقبة المدنيين كتكتيك للحرب، وفق ما يرد في تقرير نشرته مجلة «فورين أفيرز»، بعنوان «الدمار الذي لا مثيل له في غزة».
ويشير التقرير – في خلاصة متأخّرة – إلى أنّه نظراً إلى الإجراءات الإسرائيلية، بما في ذلك استهداف الأطفال بالقنص، والقصف المتواصل للبنية التحتية المدنية والمساكن، والحصار وتجويع السكان المدنيين، فضلاً عن مواقف العديد من المسؤولين الإسرائيليّين، أصبح من الواضح أنّ حرب إسرائيل ليست ضدّ «حماس» فحسب، بل تستهدف جميع سكان غزة.
وفيما لا تزال فكرة إمكانية القضاء على «حماس» بالوسائل العسكرية بمثابة فكرة «خيالية»، وفق ما ينقل التقرير عن تصريحات أدلى بها مدير «الشاباك» السابق يورام كوهين، هذا الأسبوع، فإنّه مع استمرار معاناة المدنيّين في غزة، أهدرت إسرائيل، في الوقت عينه، «المكانة الأخلاقية العالية، من دون أي هدف إستراتيجي جيّد في المقابل». ويتابع: «قبل غزة، كانت أسوأ حملة عقاب للمدنيّين شنّتها ديمقراطية غربية هي القصف والغزو البرّي لألمانيا في الحرب العالمية الثانية، واللّذان أسفرا عن مقتل ما يقرب من اثنين إلى أربعة بالمئة من السكان، في نسبة تتجاوز تلك التي تسبّبت بها الهجمات النووية الأميركية والغارات بالقنابل الحارقة على اليابان، والتي أسفرت عن مقتل حوالي واحد في المئة من السكان».
على أنّ معدّ التقرير – والذي أصدر عام 1996، كتاباً بعنوان «القصف من أجل الفوز»، يتضمّن دراسة لكل الحملات في القرن العشرين التي استُخدمت فيها القوة الجوية بهدف إلحاق الأذى بالمدنيّين، بما في ذلك الحرب الأهلية الإسبانية، وحرب فيتنام، وحرب الخليج عام 1991، – لا يرى أنّ الإبادة الإسرائيلية المرتكبة بحق المدنيّين ستؤتي ثمارها، مؤكّداً أنه «على مرّ التاريخ، عاقبت الدول السكان المدنيّين بقسوة لمحاولة إجبار المجتمعات المحلّية على الانقلاب ضد الحكومات والجماعات الإرهابية. ولكن حتى العقاب المكثّف للمدنيّين نادراً ما يحقّق هذه الأهداف. وبدلاً من ذلك، فإنه غالباً ما يؤدّي إلى ما سمّيته تأثير (بيرل هاربور)، وهو الدعم المتزايد في أوساط المدنيين الذين يتعرّضون إلى الهجوم، لحكومتهم أو للجماعة الإرهابية المحلّية»، على حدّ تعبيره.
وبالفعل، تشير استطلاعات الرأي، طبقاً للمصدر نفسه، إلى أنّ إسرائيل لم تنجح في قطع العلاقة بين سكان غزة و«حماس». لا بل على العكس، تزايد الدعم للحركة، أو كحدّ أدنى بقي كما هو، «ولا يزال استعداد الفلسطينيين لمهاجمة المدنيّين الإسرائيليّين مرتفعاً بالقدر الكافي لتلبية احتياجات (حماس) من التجنيد».
الاخبار اللبنانية