مقالات

تداعيات: صندوق الحاجّة رقيّة بيادسة

تداعيات: صندوق الحاجّة رقيّة بيادسة

سهيل كيوان

مبادرة الحاجة رقية صارت نموذجًا يحتذى في الكثير من القرى والمدن العربية. كذلك هنالك عائلات تجمع من أبناء العائلة مشاركات لدعم الطّلاب أو لدعم أفراد من العائلة احتاجوا إلى هذه المساعدة، هذا أيضا مبارك رغم حصره في أبناء العائلة فقط

منذ عقود ونحن نسمع بـ”صندوق الحاجة رقيّة بيادسة”، وقد يكون من الصناديق النادرة في وقتها، إذ تأسّس عام 1987 واستفاد منه آلاف طلاب العلم من سكان باقة الغربية. وقد تطور واتسع نطاق عمله إلى العمل التطوعي وأعمال خيرية أخرى مثل نشاطات محو الأميّة.

كانت الحاجة رقيّة قد أسّست هذا الصندوق بعد خروجها إلى التقاعد من مهنة التّدريس، ولكنها لم تخرج إلى التقاعد عن خدمة مجتمعها، ولأنّها تملك روح العطاء بادرت إلى إقامة الصندوق الذي ما زال مستمرا ويتسع في أعداد المستفيدين منه ومن أعداد المتبرعين له. وقد استفاد من هذه المنح آلاف الطلاب من أبناء باقة الغربية. طبعا يمول هذا الصندوق مئات وربما آلاف من أبناء باقة الغربية نفسها، ومن أولئك الذين أصبحوا خريجين وباتوا قادرين على العمل والربح والتبرع للصندوق، ولولا دعم الناس في باقة الغربية لما استمر الصندوق حتى يومنا، وهذا يعني أن الخير موجود في مجتمعنا ولكنه يحتاج إلى من يفعّله.

هنالك صناديق أخرى في قرى ومدن عربية.

هنالك صندوق الشهيد محمد صبحي مناع الذي تأسس في مجد الكروم بعد استشهاد محمد وبهاء مناع عام 2006، ويديره صبحي مناع والد الشهيد وهو يوزع مئات المنح سنويًّا.

هنالك صندوق على اسم المرحوم وسام خميس من دير حنا الذي توفي عام 1999 في حادث طرق في طريقه إلى الجامعة العبرية في القدس حيث كان يدرس. هذا الصندوق يقدّم المنح لمئات الطلاب سنويا من العرب واليهود.

صندوق المرحومة روضة بشارة عطا الله يوزّع المنح الدراسية سنويا بدعم جمعية الجليل – لندن لطلاب الشهادات العليا، وغير محصور في بلد واحد بل هو مشروع قُطري.

صندوق على اسم المرحوم الشيخ عبد الله نمر درويش في كفر قاسم، الذي تأسس منذ العام 2007 لتوزيع المنح على الطلاب الجامعيين.

وهناك صناديق وجهات أخرى تدعم الطلاب مقابل التطوّع مثل (بيرح)، وصناديق أخرى تابعة للمؤسسة بشكل أو بآخر مثل “مفعال هبايس” وغيرها.

لا شك أن المبادرات المحلية النابعة من قلب مجتمعنا هي أفضل تكريم للراحلين، وهي تحمل أبعادا أكثر من مجرّد دعم الطلاب. فهي تنمّي على العطاء والانتماء ومحبّة العلم والمعرفة واحترام طالبي العلم، والأهم هي قيمة التكافل الاجتماعي.

مبادرة الحاجة رقية صارت نموذجًا يحتذى في الكثير من القرى والمدن العربية. كذلك هنالك عائلات تجمع من أبناء العائلة مشاركات لدعم الطّلاب أو لدعم أفراد من العائلة احتاجوا إلى هذه المساعدة، هذا أيضا مبارك رغم حصره في أبناء العائلة فقط.

بلا شك أن لدى الجميع أو أكثرنا مصروفات ليست ضرورية، وفي أحيان كثيرة نقتني أكثر من حاجتنا. قد يبدو مبلغ ألف أو ألفي شيكل ضئيلا بالنسبة لمن يعمل وأموره متيسّرة، ولكنها مهمّة جدا لطالب العلم الذي لا يعمل ويعتمد كلّيا على ذويه في تمويل دراسته.

المنحة تمنح أملا وتدفع به إلى أن يشعر بمسؤولية تجاه أبناء مجتمعه، وبأنّه مرتبط بهذا المجتمع أيضًا بعد أن ينهي دراسته ويعمل في مجاله.

أهمية التبرع هي أن الطّرفين يستفيدان منه، المتلقّي وكذلك المتبرّع، فالتبرّع والعطاء يمنح صاحبه شعورًا بالمسؤولية تجاه مجتمعه، ويعزّز قيم الرّحمة والانتماء والتّكافل الاجتماعي بين الناس.

هنالك مِنحٌ مقرونة بالتطوّع في مجالات تدريس طلاب أو مساعدة مسنين، أو المساهمة في مشروع ما مثل محو الأميّة، أو تقديم خبرة في مجال ما لشريحة اجتماعية أو لطلاب، وقد يكون التبرّع حتّى بالدّم.

انتشار الصناديق، يؤكّد أنّ مجتمعنا في خير كثير، ويجب أن يزداد في كل بلدة، رغم ما يجري في مجتمعنا من مظاهر عنف.

السُّلطات وخصوصا الفاشية الحالية تركّز جهودها لتحويلنا إلى مجتمع فاشل، متصارع، يخاف من بعضه بعضًا، غير واثق بنفسِه، أناني عنيف لا يهتم كل واحد فيه إلا بمصلحته ونفسه. حتى أنها قمعت مبادرات حسنة مثل إخراج “لجان إفشاء السّلام” عن القانون، بحجّة ارتباطها بالحركة الإسلامية الشّمالية، تلك اللجان التي عملت على نشر وتعزيز قيمة التّسامح بين الناس وتمكّنت من عقد صلحات بين أطراف متناحرة، وحاولت نشر الطّمأنينة التي يعيث فيها الفاسدون خرابًا.

ما يدور من حولنا، وما يجري لإخواننا في قطاع غزّة وفي الضّفة الغربية، وما يجري داخل مجتمعنا من عنف وتضييق، يحثّنا جميعًا على الارتقاء إلى مستوى المسؤولية، وبث روح التكافل والعطاء والتسامح لما في خير الجميع، كتلك الأرواح التي رحلت وتركت وراءها بصمات عطرة من العطاء والإيثار.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب