ليبراسيون: زيلينسكي في واشنطن.. زيارة محفوفة بالصّعاب

ليبراسيون: زيلينسكي في واشنطن.. زيارة محفوفة بالصّعاب
باريس-
قالت صحيفة “ليبراسيون” إنّه بعد ستة أشهر من الإهانة التي تعرض لها الرئيس الأوكراني في بالبيت الأبيض، ها هو فولوديمير زيلينسكي يعود مجدداً إلى واشنطن. في ذلك الوقت، وصف دونالد ترامب تلك الجلسة المهينة بأنها “مشهد تلفزيوني رائع”. فماذا يخبئ هذه المرة مقدم البرامج والمنتج التلفزيوني الأمريكي السابق لرئيس أوكرانيا؟ تتساءل الصحيفة.
بين اللقاءين، توضّح “ليبراسيون”، تغيّرت المعطيات. ليس كثيراً على الصعيد العسكري، حيث ظلّ خط الجبهة في دونباس مستقراً نسبياً، رغم التقدّم البطيء للجيش الروسي على الأرض الأوكرانية. لكن ترامب فشل، وكما كان متوقعاً، في وقف الحرب “خلال أربع وعشرين ساعة” كما كان يتفاخر بذلك في حملته الانتخابية، وكرّر تصريحاته المؤيدة لموسكو، قبل أن يملّ من مراوغاتها ويُظهر استياءه من وحشية القصف على كييف، ثم يطلق إنذاراً أخيراً للكرملين مهدداً بفرض عقوبات اقتصادية جديدة. وهو إنذار تم رفضه، ثم التخلي عنه في النهاية.
الأهم أن الرئيس الأمريكي دعا فلاديمير بوتين إلى ألاسكا، يوم الجمعة الماضي. هذا اللقاء بين الزعيمين، الذي أعاد مشهدية أجواء الحرب الباردة، لم يُسفر عن شيء: لا وقف لإطلاق النار، ولا “صفقة”، ولا حتى قمة روسية- أوكرانية مستقبلية. وخرج ترامب بعد ثلاث ساعات من النقاش خالي الوفاض.
واعتبرت “ليبراسيون” أن زيارة زيلينسكي اليوم الاثنين من المفترض أن تشكل المرحلة الثانية من “وساطة” ترامب. وقد قرّر الحلفاء الأوروبيون لأوكرانيا في اللحظة الأخيرة التوجه إلى واشنطن لدعم نظيرهم الأوكراني.
ما هي ملامح موقف دونالد ترامب؟
هذا هو السؤال الكبير الذي يطرح مع اقتراب أي قمة يشارك فيها الرئيس الأمريكي المتقلب، تقول “ليبراسيون”، متساءلةً: كيف سيبدو ترامب، يوم الاثنين، عند استقباله زيلينسكي وحلفاءه الأوروبيين؟
فالسؤال تقول الصحيفة، يستحضر مباشرة ذكرى الإهانة التي تعرض لها الرئيس الأوكراني في المكتب البيضاوي في فبراير/ شباط الماضي. وقتها، اعتُبر زيلينسكي عدائياً أكثر من اللازم في نظر مضيفيه الأمريكيين، فصبّ ترامب عليه جام غضبه، فيما أبدى نائبه جي. دي فانس احتقاراً له، متهمَين إياه بعدم إدراك أنه “لا يملك الأوراق الرابحة” في مواجهة روسيا، وبأنه “جحود” تجاه الولايات المتحدة. بل ذهب ساكن البيت الأبيض إلى حد السخرية منه، قائلاً إنه يمكن له أن “يعود عندما يكون مستعداً لصنع السلام”.
كل ذلك على النقيض من سلوك ترامب بعد قمته مع بوتين يوم الجمعة في ألاسكا، حيث تبخّرت تهديداته السابقة بـ”عواقب وخيمة جداً” على روسيا إذا لم تتوقف عن ضرب أوكرانيا. فبدا ودوداً مع نظيره الروسي: “لطالما كانت لدي علاقة رائعة مع فلاديمير”. أما أمام الصحافة، فقد لزم ترامب الصمت على غير عادته، وكأنه أعاد إدخال الديكتاتور الروسي إلى دائرة الشرعية الدولية أكثر مما قرّب العالم من نهاية الحرب، وفق “ليبراسيون” دائمًا.
ومساء الأحد، عشية اللقاء مع زيلينسكي، كان لا بد من التوجّه إلى حسابات الرئيس الأمريكي على وسائل التواصل لمعرفة المزاج: “تقدّم كبير بشأن روسيا! استعدّوا!” كتب ترامب، مروّجاً لنفسه كعادته. وبعد ذلك، كتب أن زيلينكسي باستطاعته “إنهاء الحرب على الفور، أذا أراد ذلك”، واستبعد استعادة أوكرانيا لشبه جزيرة القرم، وانضمامها لحلف الناتو.
المعطيات الجديدة في المفاوضات؟
اعتبرت “ليبراسيون” أن المعطيات غير ثابتة ومتقلّبة، كما هو الحال غالباً مع إدارة ترامب. لكن هناك ما هو مؤكّد على الأقل: ما رفضه بوتين بشكل قاطع في ألاسكا، وهو وقف فوري لإطلاق النار. وقبيل القمة، كان ترامب قد صرّح أنه لن يكون “سعيداً” إن لم يحقق وقف القتال، لكنه فشل. وفي انعطافة كاملة، تراجع عن هذا المطلب.
وقال ترامب غداة اللقاء عن بوتين: “اتضح للجميع أن أفضل طريقة لإنهاء الحرب المروّعة بين روسيا وأوكرانيا هي الذهاب مباشرة إلى اتفاق سلام، ينهي الحرب نهائياً”، أي التفاوض للوصول إلى السلام دون وقف إطلاق النار، وهو تحديداً ما يريده بوتين.
كذلك، حين سُئل في الطائرة المتجهة إلى ألاسكا عن احتمال “تبادل أراضٍ”، أجاب ترامب أن القرار “يعود للأوكرانيين”. غير أن بوتين، بحسب التسريبات، عرض أن تتنازل أوكرانيا عن كامل إقليم دونباس (مقاطعتي لوغانسك ودونيتسك اللتين تحتل روسيا معظم أراضيهما) مقابل “تجميد” الجبهة في مناطق زابوريجيا وخيرسون جنوباً. ويميل ترامب إلى دعم ذلك، بحسب مصدر مطّلع. لكن العرض مرفوض تماماً لدى زيلينسكي، الذي كرر أن التخلي عن أي شبر من أرض أوكرانيا للغزاة أمر غير وارد.
علاوة على ذلك، تتابع “ليبراسيون”، فإن أي تسوية من دون وقف إطلاق نار مسبق، ستكون قائمة فقط على “حسن نية” الكرملين. وهذا مستحيل بالنظر إلى تاريخ بوتين. فأوكرانيا بحاجة إلى ضمانات أمنية دولية. لكن موسكو ترفض رفضاً قاطعاً أي تدخل من حلف الناتو في أوكرانيا، وهو كابوسها الأكبر.
وبدلاً من ذلك، يرغب ترامب في أن يقترح على زيلينسكي آلية حماية “مستوحاة من المادة الخامسة للناتو [مبدأ الدفاع الجماعي الذي يقضي بأن أي اعتداء على عضو يُعتبر اعتداءً على الجميع] لكن من دون عضوية رسمية في الحلف”، وفقاً لمصدر دبلوماسي. هذا الخيار لطالما دافعت عنه رئيسة الوزراء الإيطالية اليمينية المتطرفة، جورجيا ميلوني، التي أعادت السبت طرح فكرة بند أمني جماعي يمنح أوكرانيا دعم جميع شركائها، بمن فيهم الولايات المتحدة، الجاهزين للتحرك إذا تعرّضت لهجوم جديد.
هذا المسار سيناقش اليوم في واشنطن، لكن حظوظه ضئيلة: فآلية قوية على نمط الناتو سترفضها موسكو، بينما آلية ضعيفة ستجد كييف نفسها مضطرة لرفضها، وفق “ليبراسيون”.
ما دور الأوروبيين في واشنطن؟
ومضت “ليبراسيون” قائلةً إن الأوروبيين لم تتم دعوتهم إلى ألاسكا يوم الجمعة. لكن النتائج المخيّبة للقمة هناك دفعتهم إلى مضاعفة الجهود لضمان دور في الملف الأوكراني. حلفاء كييف يشعرون بقلق شديد من “احتمال فتح ترامب صندوق باندورا بخصوص التخلي عن دونباس كلياً لروسيا”، كما تشرح الخبيرة السياسية أوكسانا ميتروفانوفا. ولهذا سيحضر معظمهم إلى واشنطن اليوم الاثنين إلى جانب زيلينسكي. وبناءً على طلبه، سيشارك العديد من القادة في النقاشات، مثل رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والأمين العام الجديد للناتو مارك روته، ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر.
سيدعم الأوروبيون مطلب أوكرانيا بعقد قمة ثلاثية بين ترامب وبوتين وزيلينسكي، وهي الصيغة التي يتهرب منها الرئيس الروسي باستمرار. كما سيصرّون على النقاط الحساسة، بما فيها التخلي عن الأراضي، واستحالة الانضمام إلى الناتو، والتي يبدو أن ترامب على وشك تقديم تنازلات بشأنها لبوتين. وقد شدّدت أورسولا فون دير لاين، عشية توجّهها إلى واشنطن، على موقف الاتحاد الأوروبي الثابت: “لا يمكن تغيير الحدود بالقوة، ولا يمكن اتخاذ أي قرار إقليمي من دون موافقة الأوكرانيين”.
وجاء ذلك، خلال اجتماع افتراضي لأعضاء “تحالف المتطوعين/ الراغبين” لدعم أوكرانيا، استعداداً لتوحيد الموقف. وقد شدد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، قائلاً: “لن نذهب إلى واشنطن غداً لمجرد مرافقة زيلينسكي، بل للدفاع عن مصالحنا. روسيا قوة إمبريالية وتوسعية. إذا كنا ضعفاء اليوم، فنحن نمهّد لصراعات الغد”.
ولإقناع ترامب، سيُظهر أعضاء التحالف حجم مساهماتهم، ليؤكدوا لواشنطن أن الأوروبيين قاموا بواجبهم ولم يعودوا يعتمدون فقط على المظلّة الأمريكية لأمنهم. ومن بين الأوراق التي قد يطرحونها، فكرة “قوة طمأنة” تعمل على منع استئناف القتال بعد التوصل إلى وقف إطلاق النار، وتتكون -ولو جزئياً- من جنود أوروبيين.
“القدس العربي”: