مقالات

نتنياهو وأحلامه التوسعية  بقلم الدكتور  يوسف مكي

بقلم الدكتور  يوسف مكي

نتنياهو وأحلامه التوسعية
 بقلم الدكتور  يوسف مكي
في سنوات الصبا، كنا نقرأ عن برتوكولات حكماء صهيون، وأشهرها “دولتكم يا بني صهيون من الفرات إلى النيل. ونتصور ليس من باب حسن الظن بالمشروع الإسرائيلي، ولكن نظرا لافتقاره للواقعية، أن هذا الكلام مختلق، وأنه لا يوجد ما يؤكد صحة تلك البرتوكولات. وحتى حين حدث عدوان الخامس من حزيران/ يونيو عام 1967، لم يرد في الخاطر أن نتائج تلك الحرب، مرتبطة بالمشروع الأصل، الذي أشرنا له.
والآن لدينا تصريح رسمي، لبنيامين نتنياهو، رئيس الحكومة الإسرائيلية، الذي يترأس فعليا أعلى منصب في كيان الاحتلال، يعبر فيه صراحة عن أطماعه التوسعية، يقول فيه بالحرف الواحد: “أشعر أنني في مهمة تاريخية وروحانية، فانا مرتبط برؤية “إسرائيل الكبرى” التي تشمل فلسطين والأردن وسوريا ولبنان والأردن وبلدان أخرى.
الخريطة التي صاحبت تلك التصريحات، ضمت فلسطين وسوريا، والعراق، بكامل أجزائها، والجزء الشرقي من مصر، حيث يتواصل الشريط، من البحر الأبيض المتوسط، ليضم شبه جزيرة سيناء بأكملها، ومدينة بورسعيد، وأجزاء أخرى تقع في الساحل الشمالي المصري، ويتجه الشريط إلى الجنوب، ليشمل جميع المناطق المشاطئة للبحر الأحمر,
والأكثر صلافة، أن أحلامه الخرافية، بل أطماعه، تصل إلى قلب الجزيرة العربية، وتحديدا إلى المملكة العربية السعودية، بلاد الحرمين الشريفين، ومهوى أفئدة المسلمين بالعالم أجمع، لتشمل يثرب، مدينة الرسول، وكأنه يطمح في إعادة كتابة هذا التاريخ، منتقما يهود بني القينقاع.
يوكد نتنياهو مجددا، أن كيانه كان ولا يزال مشروع حرب، يستهدف الأمة العربية بأسرها. وأن هذا المشروع، لم يكن يوما مرتبطا به شخصيا، بل هو جزء أصيل في المشروع الصهيوني، منذ وعد بلفور عام 1917، حيث إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، ليس سوى الخطوة الأولى على طريق تطبيق وهم البرتوكولات الصهيونية. فهذا الكيان، ضرب من قبل، مصر وسوريا والأردن، واعتدة على العراق وتونس، ومارس الاغتيالات بحق الفلسطينيين المناهضين لسياساته، حتى خارج الأرض العربية.
اهتم الكيان الإسرائيلي، أيضا باغتيال العلماء والباحثين، الذين يمكن أن يسهموا في تحقيق التقدم والنهضة، في الأقطار العربية. وقام باغتيالهم، حتى وهم خارج حدود الوطن العربي.
لا يكفي أن يحتج القادة العرب، ويستنكروا بأشد العبارات، تصريحات رئيس الحكومة الإسرائيلية، بل إن عليهم الضغط عالميا، وعبر مجلس الأمن الدولي، والجمعية العامة للأمم المتحدة، لتجريد إسرائيل، من صفتها القانونية، وفرض المقاطعة عليها دوليا.
لقد حارب العالم من قبل، نظام الفصل العنصري، في جنوب أفريقيا، وإذا ما قارنا جرائم ذلك النظام، بالجرائم التي ارتكبها الكيان الإسرائيلي، من اغتصاب للأرض وتشريد للشعب الفلسطيني من دياره. ووضعنا ما جرى بالسنتين الأخيرتين، من حرب إبادة على قطاع غزة، وتصويت الكنيست الإسرائيلي، على ضم كافة مناطق الضفة الغربية، والقدس الشرقية، إلى إسرائيل، وما صاحب ذلك من بناء عشرات المستوطنات على أرضها، جاز لنا القول، دون تردد، بأننا أمام نظام مارق يفتقر إلى مقومات الدولة المتحضرة. إن إسرائيل، تمارس التوحش والقتل والتجويع غير المسبوق في التاريخ الإنساني، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
لقد طبق العالم، الفصل السابع، من قرارات الأمم المتحدة، عدة مرات، بحق حكومات عدة، إذا ما قورنت ممارساتها وأخطائها، فإن أي مقارنة، سترجح جرائم إسرائيل، وتمنحها أفضلية، في منصوص تطبيق الفصل بحقها.
لم تعد القضية التي تواجه العرب الأن، هي الانتصار لحق الشعب الفلسطيني المظلوم، وهو حق الشقيق على شقيقه، بل تخطت ذلك بكثير، بعد التصريحات الأخيرة، لرئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، التي عبر فيها عن أوهامه وأحلامه الخطيرة، التي باتت تشكل تهديدا حقيقيا للأمن القومي العربي بأسره، وأمسى العرب حكاما وشعوبا، أمام تهديد يستهدف وجودهم ومستقبلهم.
والواقع، أن الأمر يمس بشكل مباشر، البلدان التي أشارت لها تصريحات وخريطة، نتنياهو، ونعني بها تحديدا سوريا ولبنان والعراق والأردن، بما يفرض وضع كل القدرات العسكرية العربية، على أهبة الاستعداد، لمواجهة أي اعتداءات محتملة.
نحن أمام زعامة إسرائيلية، يحكمها جنون العظمة، تدعمها تاريخيا، وللأسف حكومات الولايات المتحدة الأمريكية المتعاقبة. إن تصريحات نتنياهو، تجعل إعادة النظر في مطالبة أمريكا لبعض الأقطار العربية، التجرد من سلاحها، خدمة صريحة للطموحات الخبيثة لنتنياهو، وهو ما لا يمكن أن يقبل به العرب، أمام التوحش وجنون العظمة، والقتل الممنهج التي تمارسه إسرائيل الآن، بحق أشقائنا في فلسطين وسوريا ولبنان، والقائمة لن تنتهي عند هذا الحد.
لنا نحن العرب، أيضا رؤيتنا وأحلامنا، وهي على النقيض تماما من الرؤية والأحلام التي تحدث عنها نتنياهو، وقد كانت موضوع مناقشتنا في هذا الحديث. أحلامنا هي في وطن حر، ودولة مستقلة وحق تقرير مصير لأشقائنا الفلسطينيين. نطمح في سلام عادل يسود وطننا العربي بأسره، بعيدا عن جبروت وغطرسة القوة. والدرس الذي تعلمناه، من تصريحات رئيس الحكومة الإسرائيلية، نتنياهو، أن العهود والمواثيق، تصبح حبرا على ورق وغير جدوى، إن لم تحصن وتعزز بمستلزمات الدفاع عنها، من بناء قوة وقدرة على مواجهة الدسائس والمؤامرات. وتعلمنا أيضا من دروس العدوان الإسرائيلي، على الأقطار العربية، صدق المقولة العربية الشهيرة: أكلت يوم أكل الثور الأبيض.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب