مقالات

أي “حلّ دولتين” كان مقبولًا على “عملية أوسلو”؟

أي “حلّ دولتين” كان مقبولًا على “عملية أوسلو”؟

أنطوان شلحت

لا ينفي اليمين الإسرائيلي أن رابين أراد إنهاء السيطرة على الفلسطينيين في الأراضي المحتلة منذ 1967، وظل متمسكًا بهذه الغاية، ولكنه، في الوقت عينه، بقي رافضًا أن يؤدّي هذا المسار إلى الانسحاب إلى خطوط 1967، وإلى إقامة دولة فلسطينية…

لدى التوقّف عند أبرز عناصر الموقف الإسرائيلي حيال التواتر المتوقع للاعتراف العالمي بدولة فلسطينية في الشهر المقبل (سبتمبر/ أيلول)، تطرّق كاتب هذه السطور، الأسبوع الفائت، إلى مسألة أن اليمين الإسرائيلي الحاكم يستخدم في سياق إعلان رفضه قيام دولة فلسطينية موقف رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق يتسحاق رابين، الذي عقد اتفاقيات أوسلو مع منظّمة التحرير الفلسطينية، وتُعرّف بأنها تبنّت مقاربة “حل الدولتين”.

ويشير هذا اليمين إلى أنه في خضم عملية أوسلو أيضًا ظلّ رابين يؤكّد، حتى مقتله، أن مسارها لن يؤدّي إلى إقامة دولة فلسطينية، ولا إلى انسحاب إسرائيل نحو حدود 4 يونيو/ حزيران 1967. وهذا ما جرى التشديد عليه في كرّاسة أصدرها في مطلع عام 2019 مركز بيغن ـ السادات للدراسات الاستراتيجية في جامعة بار إيلان الإسرائيلية، والداعية، وإنْ ضمنًا في ذلك الوقت، إلى ضمّ المنطقة ج من أراضي الضفة الغربية، وتتم العودة إليه هذه الأيام عبر إشارة واضعي تلك الكرّاسة إلى أنه لا ينبغي، بأي شكل، تجاهل كل ما حدث في إسرائيل ومنطقة الشرق الأوسط منذ عملية طوفان الأقصى صباح يوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول (2023)، وإلى أن إقامة دولة فلسطينية في حدود 1967 وعاصمتها القدس، في الظروف المستجدّة، ستعتبر، في نظر كل فلسطيني، نتيجة مباشرة لنشوب الحرب في ذاك الصباح، و”سيُعتبر يحيى السنوار أعظم من صلاح الدين”.

طبعًا، لا ينفي اليمين الإسرائيلي أن رابين أراد إنهاء السيطرة على الفلسطينيين في الأراضي المحتلة منذ 1967، وظل متمسكًا بهذه الغاية، ولكنه، في الوقت عينه، بقي رافضًا أن يؤدّي هذا المسار إلى الانسحاب إلى خطوط 1967، وإلى إقامة دولة فلسطينية. كذلك يجري التنويه بأن رؤية رابين هذه لا تنبع بالأساس من دافع أيديولوجي، وإنما من أبعاد عسكرية استراتيجية.

وثمة وثائق عديدة تتعلق بهذه الجزئية من رؤية رابين وتجسّدها، لعل أبرزها آخر خطاب له في الكنيست، عندما عرض اتفاق “أوسلو ب” لإقراره، في 5 أكتوبر/ تشرين الأول 1995، وفيه طرح المبادئ التي يراها أساسية، ولا يجوز التراجع عنها بشأن الحل الدائم للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وهي: عدم الانسحاب إلى خطوط 1967؛ الإصرار على بقاء القدس الموحدة في نطاقها الواسع، بما يشمل مستوطنتي جفعات زئيف ومعاليه أدوميم؛ الاحتفاظ بمنطقة غور الأردن باعتبارها حدود الأمن الشرقية لإسرائيل؛ تعريف الدولة الفلسطينية التي سيحظى بها الفلسطينيون بأنها “كيان هو أقل من دولة”. ويمثّل هذا التعريف بالنسبة إلى اليمين الإسرائيلي، وليس فقط دليلًا على رفض رابين فكرة الدولتين، فقد تحدّث حرفيًّا عن “كيان (فلسطيني) يكون أقل من دولة تُدار فيه بصورة مستقلة شؤون الفلسطينيين الذين يعيشون في نطاقه”. وبوسع استعادة هذه العبارات أن تتسبّب بإعفاء مستخدمها من أي جهدٍ تأويليّ.

إلى ذلك، تزعم السردية الإسرائيلية التي حولها إجماع أن سعي رابين إلى إنهاء السيطرة الإسرائيلية على الفلسطينيين تحقّق بالكامل.

وكانت البداية في مايو/ أيار 1994، مع انسحاب الجيش الإسرائيلي من التجمّعات السكانية الفلسطينية في قطاع غزّة ونقل السيطرة على المكان والسكان فيه إلى السلطة الفلسطينية التي أقيمت للتوّ، ثم إثر اغتيال رابين، حين سحبت إسرائيل قواتها العسكرية من المناطق المأهولة في الضفة الغربية ـ منطقتي أ و ب. وفي 20 يناير/ كانون الثاني 1996، جرت انتخابات للمجلس التشريعي الفلسطيني، وبعد وقت قصير، جرى إلغاء الإدارة المدنية والحكم العسكري في المنطقتين المذكورتين، واستبدالهما بمكتب تنسيق واتصال. وبموجب السرديّة الإسرائيلية نفسها، منذ ذلك التاريخ، ولا سيما بعد إعادة الانتشار في الخليل في يناير 1996، أصبح ما يزيد عن 90% من السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية “تحت سيطرة فلسطينية وليس تحت احتلال إسرائيلي”!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب