مقالات

صورة إسرائيل مقابل صورة فلسطين

صورة إسرائيل مقابل صورة فلسطين

عوض عبد الفتاح

انهارت ماكينة الدعاية الإسرائيلية التي استهلكت مئات الملايين من الدولارات. سياسيون إسرائيليون يقرّون بالإحباط ويطالبون بمزيد من الأموال والأكاذيب لتلميع صورة فقدت بريقها…

تتراجع صورة إسرائيل في الوعي العالمي بسرعة غير مسبوقة، إذ تُرى اليوم ككيان وحشي، قاتل، فاقد لأي حسّ أخلاقي. في المقابل، ترتقي صورة فلسطين في الوجدان الإنساني كرمز للعدالة والعذاب، وكشعب يقاوم الإبادة والظلم. لم يعد العلم الفلسطيني مجرد راية وطنية، بل صار رمزًا عالميًا للمقاومة والتحرر من نظام كوني جائر.

مع كل مجزرة جديدة أو فصل جديد من الإبادة، يتزايد تدفق التعاطف الشعبي مع فلسطين، فيما تُحاصر الجرائم الإسرائيلية حلفاءها الغربيين في مأزق أخلاقي وسياسي. هذا الانكشاف دفع عددًا متزايدًا من المثقفين والفنانين والأكاديميين في الغرب، ومنهم يهود، إلى إعلان رفضهم للأسطورة الصهيونية التي غذّتها الدعاية الغربية لعقود طويلة. كثيرون باتوا يرون أن إسرائيل لا تكتفي بتدمير فلسطين، بل تُغرق الغرب أخلاقيًا معها، وأن تحرر فلسطين قد يشكّل مدخلًا لتحرر الغرب نفسه من هيمنة صهيونية خانقة.

لقد انهارت ماكينة الدعاية الإسرائيلية التي استهلكت مئات الملايين من الدولارات. سياسيون إسرائيليون يقرّون بالإحباط ويطالبون بمزيد من الأموال والأكاذيب لتلميع صورة فقدت بريقها. حتى قادة متطرفون مثل نفتالي بينيت، رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق، عادوا من جولاتهم في الولايات المتحدة مثقلين بخيبة الأمل من تحوّل الرأي العام الأميركي ضد المستعمرة.

اليوم، لم يعد العالم منشغلًا فقط بحركة حماس، بل بغزة نفسها؛ بأطفالها، بصحافييها، بأطبائها الذين يُذبحون تحت الأنقاض ويُجوَّعون بوحشية. لم يعد إرهاب الموساد أو حملات التشويه يردع المشاهير والناشطين عن إعلان تضامنهم مع فلسطين. وقد شكّلت تصريحات المقرّرة الأممية، فرانسيسكا ألبانيز، منعطفًا بالغ الدلالة، حين أكدت أن “حماس ليست حركة إرهابية بل حركة تحرر وطني، وحركة سياسية فازت بانتخابات وُصفت بأنها الأكثر ديمقراطية”، مشددة على أن المستهدف في حرب الإبادة هو الشعب الفلسطيني وحقه في الحياة وتقرير المصير. الحملة الهستيرية، الأميركية والإسرائيلية، ضدها زادت من نفور الرأي العام، فيما تحوّل موقفها الشجاع إلى مصدر إلهام للملايين حول العالم للتمسك بالمبادئ الإنسانية.

ما يجري في غزة والضفة الغربية يكشف بوضوح أن الهدف الحقيقي لإسرائيل هو محو الشعب الفلسطيني وتدمير أي إمكانية لقيام كيان مستقل. إن التطهير العرقي الجاري في الضفة، حيث لا وجود لحماس، يثبت أن المشروع الصهيوني يقوم على الاقتلاع والإبادة، ويدفع المنطقة إلى صراع دائم لن يتوقف إلا بهزيمته.

من يجني ثمار هذا التحول؟

عسكريًا، وفي المدى المنظور، تخرج إسرائيل متفوقة ميدانيًا دون حسم، فيما ستخرج المقاومة منهكة، والشعب الفلسطيني مثقلًا بكارثة إنسانية ضخمة. ومع وجود سلطة رام الله المستسلمة وحالة عربية رثة، قد لا تكون هناك قوة فلسطينية قادرة فورًا على استثمار هذا التحول العالمي. وهذا خلل فادح.

لكن استراتيجيًا، تخرج إسرائيل مهزومة. صورتها ومكانتها الدولية تتهاويان، والدعوات لمقاطعتها وحظر بيع السلاح لها تتسع. داخليًا، يتعمق فقدان الأمن الفردي والجماعي، وتتفاقم الانقسامات الاجتماعية والسياسية. حتى الإسرائيليون في الخارج باتوا يفتقدون الأمان بسبب ما ترتكبه قيادتهم من جرائم ضد الإنسانية. هذه أزمة صهيونية عميقة ستطول، ولن تستطيع المؤسسات الرسمية معالجتها، لأنها تمسّ جوهر المجتمع الاستيطاني وشرعية مشروعه. لقد بات واضحًا أن التدمير الكامل لغزة، الذي خططت له إسرائيل وتنفذه بوحشية منذ عامين، يتحول إلى تدمير ذاتي لا يمكن إصلاحه.

التحدي الفلسطيني

لم تغيّر المقتلة الصهيونية سلوك سلطة رام الله، التي واصلت لعب دور “المقاول الثانوي” للمستعمر، كما لو أن الجرائم في غزة والضفة تقع في قارة بعيدة. الانقسام الفلسطيني والجدل حول خيارات حماس يتفاقمان. لكن الفرصة لترميم الوضع الداخلي قائمة، إذا استطاعت القوى الفلسطينية، السياسية والشعبية، بلورة صيغة مشتركة للعمل والنضال. يمكن، إذا توفرت الإرادة، إحباط خطة سلطة رام الله المفروضة من الخارج لإجراء انتخابات صورية ومشوّهة للمجلس الوطني الفلسطيني، تهدف إلى إقصاء قوى أساسية وإزاحتها من طريق العودة إلى مسار التسوية التصفوي.

وحتى يتحقق ذلك، تبقى حركات التضامن العالمية، التي تضم ناشطين وسياسيين وأكاديميين وفنانين من مختلف أنحاء العالم، في طليعة المواجهة المدنية ضد إسرائيل. هذه القوى، بما تملكه من زخم أخلاقي وشعبي ورؤية تحررية إنسانية، قد تكون رافعة داعمة لإحياء الحركة الوطنية الفلسطينية وإعادة صياغة أهدافها وأدواتها بما يتناسب مع المرحلة الجديدة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب