مقالات

هلَّا فزعناه من لصوص الحروب بقلم: البخيت النعيم

بقلم: البخيت النعيم

 
قراءة في دفتر الوطن..
هلَّا فزعناه من لصوص الحروب
كتب: البخيت النعيم
مدخل:
منذ بدأت مغامرة الحرب المدمرة في السودان “15 أبريل 2023م”، نهض أمامي سؤال أجد له مسوِّغاً:
هل يمتلك الذين فجروا هذه الحرب غير المسبوقة تاريخياً، رؤية إستراتيجية وأبعاداً فكرية أو سياسية أو ثقافية أو أمنية، أم أنَّ الجنرالات ومن خلفهم القوى الظلامية، ليس لهم علاقة بالعلوم الإستراتيجية للحروب؟!..
مصطلح إستراتيجي يعني توظيف الموارد والإمكانيات المتاحة وفق الحاجة الملحَّة دون أن يكون هنالك خلل في ذلك.
فأيّ تفكير في خوض حرب داخلية أو خارجية لها شروط ومفاهيم أولية، أهمها الرؤية الإستراتيجية.
ومن المقومات الإستراتيجية:
1/ الأمن القومي.
2/ الأمن الغذائي.
3/ الأمن المائي.
إن اتِّخاذ قرار الحرب لا يأتي بتعجُّل أو سرعة، يفترض أن يخضع لعدد من الخطوات، قبل اتخاذ قرار الحرب، منها الحوار والتفاوض والمساعي الحميدة، ثم اتخاذ قرار الحرب أخيراً.
هذه الحرب التي تدور في البلاد لم تكن مدروسة أو مستوعِبة لمخاطر نتائجها، مع علمنا بعوامل تفجرها نتاج تراكمات تاريخية والخلل في التوزيع العادل للثروة والسلطة.
موقع السودان الجيو استراتيجي:
يعتبر السودان من الدول الكبرى من حيث المساحة، في أفريقيا والوطن العربي، وتجاوره سبع دول، ويطلُّ على واجهة بحرية طولها “644” كيلومتر على البحر الأحمر، البحر العالمي للملاحة، ويمتلك السودان موارد طبيعية كبيرة ومتنوعة ومخزونه النفطي تجاري، إضافة للمعادن واليورانيوم والحديد ومخزون كبير من الذهب، ويمرُّ عبره نهر النيل وله مخزونه المائي من مياه جوفية ومطرية، إضافة للثروة الحيوانية والتي تقدر ب”110″ مليون رأس، وغابات ومحاصيل زراعية منها الصمغ العربي والدخن والقمح والفول والسمسم والكركدي وغيرها.
السودان متداخل مع سبع دُوَل وفيه تنوع ثقافي، حيث تعتبر الحضارة والثقافة السودانية من أقدم وأهم الحضارات من ممالك إسلامية ومسيحية، والحضارة المروية وغيرها. تمخَّضت هذه الحضارة والثقافة نتاج عملية تاريخية، طويلة اجتماعية وثقافية ومادية، ممَّا جعل التكوين الوطني ذا طابع ثقافي عربي وأفريقي وإسلامي، حيث تعتبر اللغة العربية هي اللغة الرسمية والعامة مع وجود لهجات محلية، هذه هي عناصر الشخصية السودانية الوطنية والقومية.
مخاطر الاستعمار البريطاني:
معروف أن الاستعمار البريطاني استهدف السودان في هوِيَّته الثقافية والحضارية والاقتصادية والبشرية، وزرع مخطط تفتيت السودان وقطع أطرافه، فقانون المناطق المقفولة عام “1925م” الذي استهدف جنوب السودان وجنوب النيل الأزرق وجبال النوبة، هو قانون تمَّ تطبيقه على أساس التصنيف العرقي للمجتمع بقصد تعويق التطور الطبيعي والتفاعل بين مكونات المجتمع السوداني.
فالاستعمار القديم والحديث ركَّز على نظرية ضرب أسفل الجدار وسياسة شدّ الأطراف حتى قطعها من الدولة الأم، بحيث لا تقوم دولة مركزية قوية.
وقد وضح المخطط من خلال اتفاقية نيفاشا عام “2005م” والذي أفضى إلى فصل جنوب السودان وإقامة دولته المستقلة، في التاسع من يوليو عام “2011م”، مثلما وُضعت بروتوكولات مفخَّخة لمنطقة جبال النوبة وأبيي وجنوب النيل الأزرق، لازال وضع تلك المناطق معقداً ومجهولاً، مثلما تصاعدت دعاوى تقرير المصير لدارفور وشرق السودان وغيرهما.
تراكم الأزمات بعد الاستقلال الوطني:
علينا اعتماد المنهج الاستقرائي، لتتبُّع مراحل الأزمة السودانية، والذي يتطلَّب منَّا معرفة الجذور التاريخية الأصل، أي ضرورة اتِّباع المنهج العلمي لمراحل نشوء الأزمة الوطنية، منهج تشخيصها الوصفي والتاريخي والبيئي ومنهج الدراسات المقارنة.
فالأزمة السودانية نتاج أخطاء متراكمة تاريخياً، أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، حيث لم يتبلور مشروع وطني يعني بالعدالة والتنمية المتوازنة وإدارة التنوع الثقافي.
فالأزمة “على حسب تعريف قاموس مختار الصحيح” هي الشدة والقحط، هي خلل مفاجئ نتيجة الأوضاع غير المستقرة يترتَّب عليها تطورات غير متوقَّعة نتيجة لعدم القدرة على احتوائها من قِبَل الأطراف المعنية.
لذلك علينا النظر بعمق في أحداث الحرب التي تدور الآن، والتي فجرها جنرالات نظاميون ومن خلفهم قوى ظلامية تريد إعادة إنتاج مشروعها الرجعي والفاشل، الذي حكم السودان ثلاثة عقود وجعل من السودان دولة فاشلة ومعزولة “دولة الكليبتوقراطية” أي دولة اللصوص.
لذلك علينا كمفكرين وأكاديميين وسياسيين وخبراء إستراتيجيين ومثقفين ومهنيين ومنظمات مجتمع مدني، التفكير بشكل عميق وجدِّي في مخاطر الأزمة الآن، حتى لا تتحوَّل لكارثة وطنية شاملة.
علينا التفكير في خصائص الأزمة ومراحل نشؤها تاريخياً ومرحلة انفجار الأزمة.
السؤال: هل كان الاستقلال الوطني شاملاً بأبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية؟، وهل هنالك احترام لقبول الآخر والتنوع الثقافي؟، وهل كان هنالك مشروع عادل لتوزيع السلطة والثروة وإقامة التنمية المتوازنة في كل السودان؟..
ماذا فعلت الحكومات المتعاقبة في مرحلة ما بعد الاستقلال؟!
لقد مر على الاستقلال الوطني “67” عاماً حكمت فيها الدكتاتوريات العسكرية “58” عاماً، أدخلت البلاد في أزمات متراكمة، لذلك لم يتشكل بعد مشروع التأسيس لإعطاء الاستقلال الوطني بُعده السياسي والثقافي والتنموي والاجتماعي والنهضوي في كل ربوع الوطن.
فخلل التنمية غير المتوازنة، ترك مراراتً وغبناً تاريخياً في كثيرٍ من مناطق السودان، وكان مدخلاً لنشوء كثيرٍ من الحركات الاحتجاجية بالطرق السلمية أو عن طريق حمل السلاح. من أسباب ثورات وانتفاضات ثورة أكتوبر “1964م”. وانتفاضة مارس أبريل “1985م” وانتفاضة ديسمبر “2018م” حتى انتصرت “11 أبريل 2019م”، كل هذه الثورات والانتفاضات كانت شعاراتها “الحرية والعدالة والسلام والتنمية المتوازنة، ووضع دستور دائم يؤسس لدولة مدنية ديموقراطية عصرية”.
أزمة حرب الجنرالات وآفاق الحلول:
الحرب الراهنة، بدأت عروضها وارهاصاتها منذ زمن بعيد، وهي نتاج طبيعي لتراكمات تاريخية وخلل منهجي في تركيبة الدولة السودانية بأبعادها السياسية والفكرية والثقافية والتنموية، والخدمة المدنية والعسكرية، خاصة تراكمات تجربة الإسلام السياسي السوداء، التي حكمت السودان ثلاثة عقود، وكانت نتيجتها فصل الجنوب وتكوين دويلات القبائل من خلال تجربة الحكم الفيدرالي واستشراء الفساد المالي والإداري وتسييس المؤسسات النظامية، خاصة الجيش والشرطة والدعم السريع وجهاز الأمن والمخابرات، وهذا يعتبر أخطر دور سالب قام عليه مشروع الإسلام السياسي الذي دمَّر البلاد والعباد..
حقاً أنهم أسوأ من سوء الظن العريض..
لذلك انفجرت الأزمة يوم “15 أبريل” الماضي، والتي تمظهرت في صراع جنرالات القوات النظامية بين الجيش من جهة والدعم السريع من جهة أخرى، ومن خلف ذلك فلول النظام المباد.. وأقول إنَّ انقلاب “25 أكتوبر 2021م” كان خطأً إستراتيجياً على ثورة ديسمبر المجيدة، وكان ردة على مكتسبات شعبنا، قاده الفريقان عبدالفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو، ومنذ الانقلاب دخل السودان في مأزق تاريخي بلا دولة أو حكومة أو سلطة، حيث دخلت البلاد في المجهول!
وأقول إنَّ الصراع السياسي والاجتماعي الذي طفح، يحتاج منَّا لقراءة منهجية للبحث عن مشروع وطني ديموقراطي شامل، يعبِّر عن كل أبناء وبنات السودان، ويغلق الباب أمام المغامرين وقوى الردة الظلامية، الذين أشعلوا الحرب لدمار السودان، وبالتأكيد هنالك ثمة دوائر إقليمية ودولية تمظهرت في أبعاد الصراع ولها دوافعها في الاستهداف والسيطرة على ثروات البلاد..
أرى من المهم وضع برنامج إسعافية عاجلة للخروج من الأزمة والحرب أهمها:
– من المهم الاتفاق على وحدة السودان شعباً وأرضاً وعلى سيادته واستقلاليته.
– إنَّ مسؤوليتنا التاريخية تجاه شعبنا، تحتِّم علينا أن نلتحم مع شعبنا بالمطالبة بالوقف الفوري والشامل لإطلاق النار بين الأطراف المتحاربة، وفتح ممرات آمنة لتقديم الخدمات الصحية والمياه والكهرباء والغذاء، وتمكين المواطنين من ممارسة أعمالهم الطبيعية.
– استلهام موروث شعبنا في الفزع والتعايش السلمي ورفض الحرب وفضح الذين كانوا سبباً في تفجيرها.
– فضح كل أساليب الإعلام المُضلِّل والكاذب الذي تحرِّكه ماكينات ومنصَّات قوى الردة وفلول النظام المباد، والذين يسعون للفتنة والحرب الأهلية وضرب النسيج الاجتماعي، وصناعة الفوضى الخلاقة في العاصمة والولايات.
– الابتعاد عن المؤسسات الخدمية والمشافي والمؤسسات الطبية، وحماية الأطقم الطبية لأداء دورها الطبيعي، بل نشيد بدور الجيش الأبيض الذي قدَّم تضحيات جسام من أجل إسعاف المواطنين.
– من الضروري احترام القوانين الدولية، وحقوق الإنسان ووقف ضرب واستهداف الطيران الحربي للمناطق السكنية للمواطنين.
– يجب البحث عن حل وطني من أجل استكمال مهام الفترة الانتقالية بقيادة مدنية، وبالضرورة من المهم أن تخرج المؤسسات النظامية المسلحة وكافة حملة السلاح من أي مشهد سياسي أو اقتصادي نهائياً.
– يجب مساءلة ومحاسبة ومحاكمة كل الذين تورَّطوا في الحرب.
– بالتأكيد للحرب تداعيات اقتصادية واجتماعية، كان ثمنها باهظاً، من الآف الضحايا والجرحى والنازحين والمشردين واللاجئين، بل دمرت الحرب البنية التحتية للعاصمة والمدن الصناعية خاصة مدينة بحري الصناعية مثلما توقفت المؤسسات الصحية والتعليمية والخدمة المدنية وخدمات المياه والكهرباء وصحة البيئة في العاصمة والولايات.
– علينا استنهاض قيم الفزع والمروءة والتكافل الاجتماعي والسلام وإطلاقنا شارات الإبداع في الفنون والآداب، ونبذ خطاب الكراهية والجهوية والعنصرية.
– يجب تعويض المتضررين من أبناء شعبنا من أسر الشهداء والجرحى والنازحين والتجار الذين نُهبت ممتلكاتهم وأموالهم.
– من الضروري تكوين جبهة وطنية عريضة من كل قوى الثورة، لتقديم رؤية لمخرج وطني شامل.
فهلَّا فكَّرنا في فزع الوطن من لصوص الحروب وفي تأسيس مشروع دولة مدنية ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان والمواطنة؟!..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب