جذور العنف والإرهاب في فكر حركة الإخوان المسلمين في مصر والسودان (2-1) بقلم محمد الامين ابو زيد -الهدف السودانية –
بقلم محمد الامين ابو زيد -الهدف السودانية -

جذور العنف والإرهاب في فكر حركة الإخوان المسلمين في مصر والسودان (2-1)
يتناول هذا المقال في حلقتين، جذور العنف والإرهاب في تنظيم الإخوان المسلمين في مصر والسودان، مركزًا على الجذور الفكرية والسياسية والبنية التنظيمية.
تُعد دراسة هذه الظاهرة من القضايا المهمة التي أثارت جدلًا واسعًا في الوطن العربي والعالم الإسلامي والغرب، والتي تفسر كثير من الأحداث التاريخية التي ألقت بظلالها على مجرى التطورات السياسية في مصر والسودان.
جذور العنف الخلفية الفكرية والسياسية:
تأسس تنظيم الإخوان في مصر عام 1928م، عقب سقوط دولة الخلافة العثمانية وسيطرة الاستعمار الغربي على الوطن العربي بموجب اتفاقية سايكس- بيكو 1916.
هدف النشأة إعادة الإسلام إلى الحياة العامة ولكن منذ البداية كان للتنظيم بُعد سياسي واضح بجانب البُعد الدعوي.
الشعار المرفوع (الله غايتنا، والقرآن دستورنا، والجهاد سبيلنا، والموت في سبيل الله أسمى أمانينا). وهو شعار يوضح مركزية فكرة الجهاد في فكر الحركة.
بالرغم من الخطاب العلني السلمي أحيانًا، اعتمد الاخوان في مراحل تاريخية متعددة على العنف المسلح كوسيلة لتحقيق ما أسموه بالحكم الإسلامي.
اتسم الخطاب الإخواني بالازدواج والتناقض بطرح خطاب سلمي موجّه للعامة والإعلام، وخطاب داخلي تحريضي وتعبوي مستند على فكرة الجهاد ومعاداة الديمقراطية والأنظمة القائمة.
تنظيم الإخوان ليس مجرد حركة دعوية كما رُوج لها؛ بل هو تنظيم سياسي- ديني ذو بنية تنظيمية هرمية وأيدلوجية تؤمن بالحاكمية وتستخدم العنف كوسيلة للوصول إلى السلطة.
يشير الأستاذ أحمد محمود الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية؛ إلى أن حركة الإخوان المسلمين استمدت جذور العنف من بعض الحركات الإرهابية داخل الحقل الإسلامي وهي حركات في غالبها شيعية المنشأ مثل القرامطة والحشاشين.
ويشير أحمد محمود في جانب آخر إلى انتزاع فكرة الجهاد عن سياقها القرآني التاريخي وتوظيفها في الحاضر يعتبر منهجًا ميكافيليًا وهو المنهج الذي سيطر على سلوك هذه الجماعة منذ تأسيسها.
التنظيم السري/ الخاص وعلاقته بالعنف:
يُعد أخطر أذرع الجماعة تاريخيًا ويعرف بالتنظيم الخاص وهو المسؤول المباشر عن معظم عمليات العنف والاغتيالات التي ارتبطت بتاريخ الحركة في النصف الأول من القرن العشرين.
أنشأه حسن البنا في منتصف الثلاثينيات من القرن الماضي وهو عبارة عن جهاز عسكري مخابراتي سري داخل الجماعة يعمل تحت غطاء ولافتة الدعوة ويأتمر لأوامر القيادة العليا (مكتب الإرشاد).
كان هدفه المعلن الجهاد ضد الاحتلال البريطاني في مصر وفلسطين، ومن المفارقات الغريبة إنْ تنظيم الإخوان أول تنظيم يستلم إعانة مالية من المحتل عبر هيئة قناة السويس.
أما الهدف الحقيقي للتنظيم السري على المدى البعيد؛ هو التحضير للسيطرة على الحكم وتصفية الخصوم السياسيين والعقائديين.
أما الأهداف الخاصة بالتنظيم تتمثل في:
1-تنفيذ عمليات الاغتيال والتخريب في حق المسؤولين والقضاة والسياسيين.
2-تدريب كوادر شابة على السلاح والتفجيرات.
3-إعداد الدولة البديلة (دولة الظل) داخل جهاز الدولة.
4-جمع معلومات تجسس داخلي عن كل القطاعات واختراق التنظيمات.
5-الحفاظ على الولاء والطاعة بالتربية الفكرية الصارمة.
أبرز أعمال العنف التي نفذها التنظيم السري:
-1946 اغتيال القاضي أحمد الخازندار الذي حكم بالإعدام على بعض عناصر الإخوان
-1948 اغتيال رئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي بعد قراره بحل الجماعة.
-1948 تفجيرات في أحياء يهودية ومحلات وصيدليات مملوكة ليهود.
– 1954 محاولة اغتيال الرئيس جمال عبد الناصر (حادثة المنشية الشهيرة).
-إحراق أقسام شرطة ومحطات إذاعة وسينمات ومحلات تجارية يملكها مسيحيون.
يقوم منهج التنظيم السري على ثلاثة ركائز هي؛ البيعة وهو قسم سري على السمع والطاعة في المنشط والمكره، والطاعة العمياء التي تعتمد تنفيذ القرارات دون مناقشة، والتربية القتالية التي تشمل التدريب على السلاح والتسلل والرماية.
هيكليًا، يعتبر التنظيم السرى جزءًا أصيلًا من الجماعة ويمثل البنية العنيفة داخلها، وأنها كانت على علم بكل التفاصيل داخله وفق ما أشارت إلى ذلك التقارير الاستخبارية والإفادات التي أدلى بها عناصر وقيادات التنظيم أمام المحاكم (عبد الرحمن السندي وعلي عشماوي).
يعمل التنظيم بنظام الخلايا المستقلة (خلايا وأسر وشعب) التي لا يعرف أعضائها ما يدور خارجها، ويتم الاختيار لها بعد تقييم وتمحيص ومستوى صارم من الانضباط والطاعة، ويتم التنسيق بين القادة وقائد التنظيم السري المرتبط هرميًا بالمرشد.
علاقة تنظيمات الجهاد بفكر حركة الإخوان:
علاقة التنظيمات الجهادية بفكر حركة الإخوان هي علاقة أصل وفرع أو جذر وشجرة، فالعديد من الحركات الجهادية المتطرفة التي نشأت فى مصر والعالم العربى في السبعينيات عقب الغزو السوفيتي لافغانستان 1979، استمدت جذورها الفكرية والتنظيمية من كتابات سيد قطب وأبو الأعلى المودودي، ومن التجربة التاريخية للتنظيم الخاص داخل حركة الإخوان والتي تلاقت مع الاستراتيجية الأمريكية في محاربة المد الشيوعي في المنطقة، وأصبحت إحدى أذرعها في أفغانستان.
يعتبر سيد قطب هو المنظّر الأول للعنف الجهادب في الحركة؛ كفّر المجتمعات الإسلامية المعاصرة بوصفها تعيش فِي جاهلية، ودعا لتكوين طليعة مؤمنة تسعى لإقامة حكم الله بالقوة إن لزم الأمر. هذا هو الأساس الذي بنت عليه حركات تنظيم الجهاد المصري، والتكفير والهجرة، والجماعة الإسلامية والقاعدة وداعش وكافة التنظيمات الأصولية المتطرفة التي تبنت مشروعية استخدام العنف لتحقيق الغايات السياسية والدينية مستندة على فكرة التنظيم السري القائمة على الانتماء العقائدي السري والولاء الكامل للجماعة.
إن تناسل هذه الجماعات من جذر فكر الإخوان في مشروعية العمل المسلح، والجاهلية وتكفير المجتمع، والحاكمية والتنظيم السري، وعقيدة الولاء والبراء؛ يجعل من حركة الإخوان المسلمين مسؤولة تاريخيًا عن التأسيس الفكري لهذه الجماعات، وامتدادًا
لبنية العنف والتسلط والإرهاب، وإنْ بدت مستقلة عنها؛ إلا أنها نهلت من المعين نفسه. وتعتبر مسؤولة عن كل أحداث العنف التي حدثت في الثمانينيات والتسعينيات؛ وأبرزها اغتيال السادات 1981، واغتيال فرج فودة 1992، التي قال منفذها أمام المحكمة بأنه لم يقرأ كتاب فرج فودة؛ وإنما سمع المشايخ يكفرونه! وعمليات التفجير وحرق المحلات التجارية الخاصة بالمسيحيين في مصر في تلك الحقبة.
نشير إلى مراجع مهمة في هذا الموضوع:
-جماعة الإخوان المسلمين قراءة منهجية لأصولها الفكرية- د. صبري محمد خليل
-جماعة الإخوان المسلمين- ريشارد ميشيل
-دراسات دار الإفتاء المصرية- مرصد الفتاوى التكفيرية حول التطرف داخل النصوص الاخوانية.
-النظام الخاص لجماعة الاخوان المسلمين- عبدالرحمن السندي.
-مذكرات علي عشماوي: التاريخ السري للإخوان المسلمين.
-جذور العنف عند الإخوان المسلمين- د. عبدالله النفيسي.
-معالم في الطريق- سيد قطب
-الفريضة الغائبة- محمد عبد السلام فرج
-دراسات مركز الأهرام ومركز المستقبل للدراسات.



