تحقيقات وتقارير

تساؤلات إسرائيلية.. إلى متى نجرّب المجرّب ونبحث عن نجاحات تكتيكية ونبقى بلا إستراتيجية مع غزة؟

تساؤلات إسرائيلية.. إلى متى نجرّب المجرّب ونبحث عن نجاحات تكتيكية ونبقى بلا إستراتيجية مع غزة؟

 

الناصره / وديع عواوده

تُواصل إسرائيل بمختلف أبواقها السعي للانتصار في المعركة على الوعي مع “الجهاد الإسلامي”، ومع الفلسطينيين بشكل غير مباشر، من خلال إبراز قدراتها، وتضخيم منجزاتها، وطمس جرائمها بحق المدنيين في قطاع غزة، وآخرها قتل وإصابة عدد منهم خلال اغتيال مسؤول عسكري وشقيقه في خان يونس، عند منتصف الليلة الفائتة.

من جهتها، نعت “سرايا القدس” الشهيد علي غالي، عضو مجلسها العسكري، ومسؤول الوحدة الصاروخية، الذي قالت إنه استشهد في عملية اغتيال غادرة في خان يونس. وأضافت أن غالي استُشهد برفقة عدد آخر من الشهداء. وجاءت جريمة الاغتيالات الجديدة باستهداف مبنى سكني في خان يونس، بعد نجاح “سرايا القدس” بمباغتة إسرائيل برشقة جديدة من الصواريخ (70 صاروخاً) طالت عدة مدن إسرائيلية، أصاب بعضها منازل خالية في سديروت وعسقلان. ومنذ منتصف الليل توقفت عملية تبادل النار، بعد نحو 170 غارة إسرائيلية في قطاع غزة، و500 صاروخ منها نحو أهداف إسرائيلية، ومقتل وإصابة العشرات من الفلسطينيين، معظمهم مدنيون.

 هايمان: شاهدنا حماس تتكلم، والجهاد يقاتل.

 الاعتداء على المدنيين

وحاولت جهات إسرائيلية رسمية وغير رسمية، بمساندة معظم وسائل إعلامها وأبواقها، تسويغ قتل المدنيين الفلسطينيين، بالزعم تارة أن الجيش الإسرائيلي أخلاقي وأنه يتحاشى المساس بالمدنيين، وتارة أخرى باتهام عناصر المقاومة باستهداف المدنيين الإسرائيليين، وبالاختباء بين المدنيين، مع العلم أن عملية اغتيال القيادات العسكرية الثلاثة، في بداية هذا العدوان، تمت بتفجير بيوتهم على رؤوس من فيها من نساء وأطفال أيضاً مع المعرفة المسبقة بذلك.

 وجاءت مساءلة وسائل الإعلام العبرية عن هذه الجرائم والانتهاكات للقانون الدولي خجولة، وسط محاولات تخفيف وتبرير، فيما غرّد بعضها خارج السرب الصهيوني الدعائي. من جهتها قالت القناة 13 العبرية إن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو صادق بنفسه على عملية قتل القيادات العسكرية داخل منازلهم، رغم تبليغه بوجود عائلات فيها، مما عرّض القناة لحملات متتالية.

وسخرت صحيفة “هآرتس” من مزاعم تبرير المساس بالمدنيين الفلسطينيين، وقالت في افتتاحيتها بعنوان “ضربة قوية.. بالجناح” إن الضربة الأولى في عملية “درع وسهم” قتلت 13 فلسطينياً جلّهم نساء وأطفال، ودون تردد تم التعامل في إسرائيل مع ذلك كـ “ضرر جانبي” ضروري لاغتيال القادة الثلاثة. وفي سياق انتقادها لتبييض المصطلحات، أشارت “هآرتس” لمقولة القائد السابق

 لجيش الاحتلال دان حالوتس، الذي سُئل عن شعوره كطيّار عسكري عندما يتم إلقاء قنبلة بزنة طن على حي سكني في عملية اغتيال مؤسس “كتائب عز الدين القسّام” الشهيد صلاح شحادة في 2002، فقال ببلادة وعجرفة مقززّة: “شَعَرَ بضربة خفيفة في جناح الطائرة”.

من جهته أكد الكاتب الصحافي المحلل في الصحيفة ذاتها أوري مسجاف، في مقال له بعنوان “عملية عسكرية عليها الراية السوداء”، هي عملية غير شرعية في جوهرها.

ساليبان: الولايات المتحدة تمنح إسرائيل دعماً كبيراً لها ولأمنها وحقها بالدفاع عن أمن مواطنيها مقابل صواريخ عمياء.

حسابات “حماس” بعيون إسرائيلية

وتواصل إسرائيل الرسمية بشكل منهجي وحثيث تضخيم عملياتها ونجاحاتها في “تأديب” “الجهاد الإسلامي”، والتفريق بينه وبين حركة المقاومة الإسلامية “حماس” في الجولة الحالية من القتال، على غرار عمليتين سابقتين: “طلوع الفجر”، في 2022، و”الحزام الأسود”، في 2019.

وتشير المصادر الإسرائيلية لحسابات “حماس” في اكتفائها بغرفة عمليات مشتركة وفي تصريحات مساندة لـ “الجهاد الإسلامي”، ومنها ما لا يخلو من محاولات مستمرة لزرع الفتنة ضمن سياسة “فرّق تسّد”، فعلى سبيل المثال، قال الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية، الرئيس الحالي لمعهد دراسات الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب الجنرال في الاحتياط تامير هايمان إننا “شاهدنا حماس تتكلم، والجهاد يقاتل”.

وفي حديثه لقناة 12 العبرية قال هايمان أيضاً إن حركة “حماس” تريد الاحتفاظ بهيبتها وقوتها بعد عملية “حارس الأسوار” (“سيف القدس” في مايو /أيار 2021)، وإنها راغبة باستنساخ التجربة لتنفيذ فكرة “وحدة الساحات” والاحتفاظ بمقدار من الطاقة ربما لـ “يوم القدس” و”مسيرة الأعلام”، وإنها لا تريد أن تثقل على أهالي القطاع المحاصر والمستنزف، وكذلك الرغبة غير المعلنة في إضعاف “الجهاد الإسلامي”، أملاً بتخفيف “مشاغباته”، كما قال المعلق العسكري في القناة 13 العبرية. ومنذ اليوم الأول، كانت إسرائيل، وعلى لسان ساستها وعسكرييها، بدءاً من رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو، قد استماتت لإبقاء “حماس” خارج المواجهة، رغم أنها طالما حمّلتها مسؤولية ما يجري في غزة بشكل عام، بصفتها الحكومة وصاحبة السيادة فيها، بل حتى في الضفة الغربية أحياناً.

المعركة على الوعي

منذ اليوم الأول دارت المعركة على الوعي، فالاحتلال رغب بالحسم مع “الجهاد الإسلامي” بجريمة اغتيال عدد من قادته العسكريين بضربة مباغتة متزامنة استخدمها في الماضي عدة مرات، على طريقة “الصدمة والترويع”، وشلّ التنظيم وإخراجه عن توازنه وإفقاده ثقته بنفسه. وهذه طريقة ليست جديدة، وقد استخدمها الاحتلال منذ عقود، وعبّر عنها وزير الأمن الأسبق

موشيه ياعلون في كتابه “طريق طويلة طريق قصيرة”، حيث أكّد على معادلة أو طريقة التعامل مع الفلسطينيين المبنية على الغطرسة وعلى “كيّ الوعي”: ما لا يتأتى بالقوة يتأتى بالمزيد منها”.

وفي ظل الدور الكبير للمؤسسات الإعلامية ومنتديات التواصل الاجتماعي، التي تبث وقائع الحرب والمواجهات العسكرية بالبّث الحي المباشر، وتؤّثر على تطوراتها وعلى القرارات الخاصة بها وبمستقبلها، كان الناطقون بلسان الجيش والحكومة يصدرون أشرطة فيديو وبيانات ومعطيات دون توقف ضمن تسويق الرواية الرسمية. وكل ذلك وسط محاولة تضخيم قوة “الجهاد الإسلامي”، والمبالغة في تصوير المنجزات وتحقيق الأهداف، خاصة بما يتعلق بعمليات الاغتيال “الجراحية” التي تتم ليس فقط بسبب عدم خبرة أو ضعف التدابير الاحتياطية لـ “الجهاد الإسلامي”، بل بفضل “المعلومات الاستخباراتية” الوفيرة والدقيقة لدى الجيش الإسرائيلي عما يدور داخل القطاع.

موشيه ياعلون كشف في كتاب عن معادلة أو طريقة التعامل مع الفلسطينيين المبنية على الغطرسة وعلى “كيّ الوعي”: ما لا يتأتى بالقوة يتأتى بالمزيد منها.

في المقابل حاولت هذه الجهات الإسرائيلية التقليل من قيمة وتأثير نتائج القصف الصاروخي من غزة على وعي الإسرائيليين والفلسطينيين وصرف الأنظار مثلاً عن تريّث المقاومة عن الرد، وإبقاء مليون إسرائيلي داخل البيوت والملاجئ في جنوب البلاد من دون عمل وتعليم، أو صرف الأنظار عن صورة فتح الملاجئ في تل أبيب وتدافع المارة في شوارعها في ظل صافرات الإنذار، وهي مشاهد تخدش صورة الانتصار الذي تحاول إسرائيل تسويقه وتشكّل فرصة لـ “الجهاد الإسلامي” للتلويح أيضاً بقوته وقدراته ومكاسبه. كذلك تحاول صرف الأنظار عن قدرة “الجهاد الإسلامي ” على استهداف العمق الإسرائيلي، والنيل من هيبة دولة سيادية، رغم كونه تنظيماً عسكرياً صغيراً يدير المواجهة العسكرية لوحده، وينجح بإطلاق مئات الصواريخ، منها 100 صاروخ في الساعة الأولى من المواجهة، وخلال النهار، علاوة على بقائه قادراً على مواصلة القتال، رغم اختلال مريع في موازين القوى، ورغم اغتيال عدد من قادته العسكريين.

نجاح تكتيكي مع فقدان الإستراتيجية

على خلفية ذلك وغيره، تبدي أوساط إسرائيلية غير قليلة تساؤلات عن تجريب المجرّب (جولات عسكرية متتالية منذ الرصاص المصبوب في 2008) وجدوى هذه العمليات والجولات العسكرية مع قطاع غزة، وتقول إنها تتكرر مرة كل سنة أو سنتين، وتؤدي لأضرار في الجانبين دون ردع المقاومة. وتقول إن “درع وسهم” حققّت نجاحاً تكتيكياً وحسب، دون مكسب إستراتيجي، فإسرائيل لا تردع المقاومة الفلسطينية للكفّ عن القتال وإطلاق الصواريخ لفترة الطويلة، مثلما أن هذه الجولة لن تردع “حماس” ولا “حزب الله” ولا إيران، كما قال الجنرالات في الاحتياط تامير هايمان وعاموس غلعاد وميخائيل ميليشتاين وغيرهم ممن أدلوا بتصريحات إعلامية في الساعات الأخيرة. هؤلاء يستذكرون عدم وجود حلّ أو استراتيجية لتسوية قضية قطاع غزة، وبعضهم يشير لفقدان أفق سياسي وعدم وجود إستراتيجية عامة للتعامل مع القضية الفلسطينية، عدا التفريق بين الضفة غزة، بين “حماس” وبين “فتح”، وهي سياسة يقودها بمنهجية نتنياهو منذ عاد للسلطة في 2009. في حديثه للقناة 13 العبرية قال جلعاد إن الهدف الإسرائيلي من هذه العملية العسكرية إضعاف تنظيم “الجهاد الإسلامي” وشلّ حركته وبلبلته بعد استبدال قيادته مرة تلو المرة، وليس استعادة قوة الردع مقابل تنظيم صغير متمرّد لا يرتدع، عقيدته راسخة في محاربة إسرائيل. ويشير عاموس غلعاد إلى أن العملية العسكرية الأخيرة تهدف أيضاً لعزل “حماس” عن “الجهاد”، وهذا برأيه، ورأي آخرين، لا يكفي، فـ “حماس” جزء من محور الشر، وستبقى كذلك.

فيما ذهب آخرون للقول إن إسرائيل تختار مواجهة التنظيم الأصغر وتحاشي مواجهة التنظيم الأكبر “حماس”، مكررة خطأها مع “حزب الله”، وهما خطآن متشابهان سينفجران في وجهها يوماً، ويؤكدان أن التنظيمات الفلسطينية، بما في ذلك “الجهاد الإسلامي”، تزداد قوة وخطورة من جولة إلى جولة، منذ حصار غزة عام 2007.

 ونبّه المعلق السياسي في القناة العبرية 13 أنها في نهاية المطاف عملية محدودة، وضد تنظيم صغير، ترافقها عجرفة إسرائيلية كبيرة، كما يتجلى في تصريحات قادة سياسيين وعسكريين، فيما تساءلت مقدمة البرامج الإسرائيلية البارزة في الإذاعة العبرية العامة رينا ماتسليح: من يقرر هنا متى يتوقف إطلاق النار، ومن يبادر له أصلاً؟ نحن أم “الجهاد الإسلامي”؟

احتمالات التهدئة وحسابات الطرفين

وتتواصل التساؤلات عن أهداف مثل هذه الجولات العسكرية، خاصة الجولة الأخيرة، أهي فقط رغبة من قبل حكومة الاحتلال بالانتقام من “الجهاد الإسلامي” على إطلاق 100 صاروخ، عقب استشهاد الشيخ المجاهد خضر عدنان؟ وهل هي فقط محاولة إضعاف “الجهاد الإسلامي” ومنعه من بناء معادلة جديدة تربط بين ما يدور في القطاع وما يدور في الضفة الغربية، أم محاولة ردعه واستعادة الاحتلال قوة الردع، وهل دخلت على الخط حسابات حزبية سياسية للحفاظ على الائتلاف الحاكم، وإنزال نواب حزب “القوة اليهودية” برئاسة إيتمار بن غفير عن شجرة التهديد بتفكيكه؟ أم كل ذلك؟ لكن السؤال الشاغل في إسرائيل، في هذه الساعات، متى تنجز التهدئة؟ وهل أدت عملية اغتيال علي الغالي وصحبه لإبعادها؟ وهل تؤدي هذه الاغتيالات لإطالة أمد التهدئة هذه المرة؟

صواريخ عمياء

المؤكد أن إسرائيل رغبت منذ اللحظة الأولى أن تتوقف المواجهة بعد ساعات فقط من عملية اغتيال قيادة “سرايا القدس” داخل منازلهم مع أسرهم، لأنها تعي أنها مكلفة، خاصة عندما تطول، ومن الممكن أن تحرجها وتورطّها مجدداً في مصيدة إيرانية تتمثل بـ “وحدة الساحات”، كما حصل في مثل هذا اليوم قبل عامين بعد عملية “سيف القدس” التي قادتها “حماس” و”الجهاد”، في مايو /أيار، وبذلك تصرف أنظارها وطاقاتها عن ملفات أخرى مثل الملف النووي الإيراني. ومع ذلك، وربما بسبب ذلك (الرغبة بوقف العدوان الجديد)، تحاشى رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزير الأمن فيها يوآف غالانت الحديث عن التهدئة، التي كانت تجري خلف الكواليس مداولات لأجلها، تقودها مصر وقطر، عندما ظهرا في إطلالة صحافية مشتركة، عند التاسعة من الليلة الماضية، وقبيل التصعيد الأخير. وخلال الليلة الفائتة أيضاً، قال البيت الأبيض إن المستشار القومي في الولايات المتحدة جيك ساليبان قد تحدث مع نظيره الإسرائيلي تساحي هنغبي حول هذا العدوان على غزة، ونقلت وسائل إعلام عبرية عن ساليبان قوله إن “واشنطن تبارك مساعي وقف النار، وتأسف لوقوع خسائر بشرية”، لكنه شدد مجدداً على أن “الولايات المتحدة تمنح إسرائيل دعماً كبيراً لها ولأمنها وحقها بالدفاع عن أمن مواطنيها مقابل صواريخ عمياء”.

– “القدس العربي”:

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب