
ما بين تآمر الأمس وعجز اليوم
بقلم حسين عبدالله جمعة
في عام 1948 كان العالم متآمرًا على فلسطين وشعبها، واليوم، في عام 2025، يقف العالم عاجزًا. وبين التآمر والعجز تعيش فلسطين نكبة جديدة، لا تقلّ خطورة عن نكبة 1948، بل تفوقها قسوة، لأنها لا تقتصر على احتلال الأرض بل تمتد إلى تهديد استراتيجي وجيوسياسي يطاول المنطقة بأكملها. المقاومة في غزة قدّمت ملحمة تاريخية، وأثبتت أن إرادة الشعوب لا تُكسر. لكنّ الحصار والتجويع والتفتيت يضغط على الناس حتى اليأس، فيما المشاريع الجاهزة تنتظر ساعة التنفيذ: تهجير جديد، اقتلاع جديد، وتشتيت جديد. أما السلطة الفلسطينية، فقد ارتضت في أوسلو وما تلاها، وقبلت بـ22% فقط من أرض فلسطين التاريخية، 27 ألف كيلومتر مربع قُسّمت إلى مناطق (أ، ب، ج)، ومع ذلك، إسرائيل اليوم تعود لتتغوّل على ما تبقّى، بدعم أمريكي معلن، وتحت قيادة متطرّفين يضعون الأردن في عين العاصفة، ويفتحون مع مصر ومعبر رفح أبواب القلق والابتزاز. في لبنان، يجري تفريغ المخيمات الفلسطينية من سلاحها، وفرض حياة لا تليق بالإنسان على شعب يعيش منذ 77 عامًا بلا حق عمل ولا ملكية ولا كرامة. سياسة التجويع، الإحباط، والموت البطيء ليست صدفة، بل جزء من مشروع متكامل لطمس الهوية وتفكيك الوجود. وما يُرسم في لبنان يُقرأ بالتوازي مع ما جرى في سوريا، وما يُحضّر لليمن الذي خرج من حرب منهكًا، ليواجه اليوم كشفًا استراتيجيًا جديدًا بعد دوره في مساندة غزة، وكأن المشهد واحد يمتدّ من المتوسط إلى البحر الأحمر. إننا نشهد ولادة شرق أوسط جديد، شئنا أم أبينا، في ظل غياب الدول العربية والإسلامية أو مشاركتها الخفية في المشروع. إسرائيل وأميركا تمسكان بخيوط اللعبة، فيما الأنظمة تكتفي بدور المتفرج، أو اللاعب من تحت الطاولة. محمود عباس قدّم لإسرائيل ما لم يقدّمه أحد من قبله: من أوسلو حتى التنسيق الأمني، ورغم ذلك ترفضه أميركا وتمنع حتى دخوله أراضيها، معلنة انتهاء دور السلطة المهترئة. أمام هذا المشهد، الشعب الفلسطيني وحده دفع الثمن: دم، حصار، تهجير، ودموع. والعالم العربي والإسلامي متخاذل وضعيف، بينما “الشمال الإنساني” يرسم خرائط جديدة على دماء غزة، ويخطط لمشاريع اقتصادية وأمنية في جنوب لبنان، تحت أسماء لامعة كـ”صفقة القرن” و”ترامب إيكونومي”، لكن جوهرها: تقسيم جديد، نكبة جديدة. نحن أمام مستقبل يلفّه السواد والهوان. لن ينقذنا الإنكار ولا الكلام الموارب. المطلوب قراءة دقيقة للواقع، مواجهة الحقيقة بلا رتوش: نحن أمام لحظة نكبة تتكرر، بأدوات مختلفة، لكن بالنتيجة ذاتها: اقتلاع وتشتيت وسحق. فما بين تآمر الأمس وعجز اليوم، نصنع نكبات جديدة. وإن كنت تدري فتلك مصيبة، وإن كنت لا تدري فالمصيبة أعظم