
بوصلتي…
بقلم كمال ديب
أعيد التأكيد هنا أني اعتبر نفسي جزءاً فكرياً من الجنوب العالمي بوجه النيوليبرالية المتوحشة المتمثلة بالاستعمار الغربي وأذياله المحلية من منتفعين وغرضيين وراكبي عروش ومناصب. وأّؤكد ستة مبادىء تحكم بوصلتي في التفكير والكتابة:
أولاً، قضية المرأة: ويأتي هذا المبدأ في المرتبة الأولى لأنّه يعني نصف المجتمع. فلا معنى لأي حريّة وتنوير من دون تحرير المرأة اللبنانية والعربية عموماً.
ثانياً، القضية الفلسطينية: منذ أوج النهضة الثقافية العربية – أي منذ الأربعينيات من القرن العشرين – لا تزال القضية الفلسطينية عنصراً ملازماً وبوصلة المثقفين والتنويريين اللبنانيين والعرب. هي تشكّل التحدّي الحضاري والتكنولوجي والتنموي لنهضة لبنان والعرب ويجب أن تستمّر في قلب العمل العربي.
ثالثاً، قضية الفقراء والمضطهدين: يجب ردم الهوة الاقتصادية. فهناك بون شاسع بين إمكانات الدول العربية المادية والعلمية والاستراتيجية وبين ثرواتها الاقتصادية، وبين نسبة الفقر والتخلّف والحرمان. والحقيقة أنّ إفقار الشعب في لبنان والعالم العربي مصدره الرئيسي تحالف القوى الحاكمة مع النيوليبرالية العالمية ورفضها تقديم الخدمات وبرامج الرعاية.
رابعاً، قضية العلمنة والحداثة: من البديهي أنّ العلمنة والحداثة هي في صلب الحركة التنويرية والنهضوية في لبنان والعالم العربي، وهي ما جعل الأمم الناهضة في أوروبا تتقدّم وتتطوّر وتخلق المجتمعات العصرية. ولكن العلمنة والحداثة لا تنمو إلا في نظام ديموقراطي برلماني ولا تُفرض عسكريّاً كما كان واقع الحال في بعض الجمهوريات العربية. وبديهي أن يكون النهضوي اللبناني والعربي عموماً صديقاً لزميله الأوروبي الذي يلتزم مبادئ التنوير ويحترم قضايا التحرّر العربي، لأن النهضة العربية شقيقة النهضة الأوروبية، ولا مكان للعداء بينهما.
خامساً، قضية الأقليات الدينية والعرقية: في كل بلدٍ عربي تقريباً ثمّة أقليات دينية وعرقية إثنية يحق لها أن تعيش في ظل قوانين ودساتير تحترم شعائرها وعاداتها ووضعها الاجتماعي، وضمن نظام سياسي مدني يعترف بالتنوّع. فهناك مسيحيون في سوريا ولبنان والعراق ومصر والسودان وبلدانٍ عربية أخرى، وأقليات إسلامية ليست على مذهب الأكثيرة في أكثر من بلد عربي، وأقليات دينية أخرى. وهناك أكراد وأرمن في سوريا والعراق ولبنان، وبربر/أمازيغ في شمال أفريقيا، الخ. واحترام الأقليات يحتاج إلى إطار ديموقراطي برلماني منفتح وليس لطبخة رجعية على طريقة النظام الطائفي اللبناني.
سادساً، قضية مواجهة الاستعمار الجديد: النيوليبرالية الاقتصادية هي اليوم أقوى من أي فترة استعمارية سابقة. فهي لا تريد فقط مشاركة النخب المحلية في نهب ثروات الشعوب، بل أن تكون هي صاحبة الأمر. وعلى النهضويين التنويريين أن يتصدّوا لهذا الاستعمار الجديد ولا يشاركوا في الترويج لأتباعه المحليين مهما كانت الإغراءات.
على كل مثقف في الدول العربية الـ22 أن يتفكّر في هذه المبادئ ويراجع نفسه كل يوم حول مدى التزامه بها. فهي تشكّل وحدة عضوية: فهي لا تقبل أن يلتزم المرء قضية فلسطين دون أن يلتزم الحداثة العلمانية المدنية، ولا تقبل أن يتبنّى قضية الفقراء والمضطهدين في المجتمع ويرفض تحرير المرأة. والأسوأ أن يكون طائفياً وعنصرياً ويعتقد أنّه متنوّر. بل الأسوأ أن يرى الظلم بعينه ويصمت.
يا جماعة إن الحرب الحقيقية هي عالمية وليست في شوارع وازقة، بل هي تدور عالمايً على الثروات الاقتصادية وتوسّع النيوليبرالية العالمية. والنظام العربي الرسمي هو عبد للسيد العالمي ويمارس اضطهاد المرأة ويتحالف مع الإقطاع الاقتصادي المحلي الخادم المطيع للنيوليبرالية الغربية ضد حقوق الفقراء والطبقة الوسطى، ويقتل من ليس على دينه أو مذهبه ويفرض ثقافته على الأقليات.
إنّ هذه النقاط الستة باقية ومستمرّة وستنتصر، ورجعة النفط وقوى الظلام التكفيرية والاتسيطان والاسعمار الغربي إلى زوال.