مقالات
البلد المكشوف امنياً منذ زمنٍ طويل ، ماذا بعد ! بقلم نبيل الزعبي -طليعة لبنان-
ماذا بعد ! بقلم نبيل الزعبي -طليعة لبنان-

البلد المكشوف امنياً منذ زمنٍ طويل ، ماذا بعد !
بقلم نبيل الزعبي -طليعة لبنان-
(علينا ان نتعلم العيش معاً كأخوة والا فسوف نهلك معاً كاغبياء ،”مارتن لوثر كينغ”)
بعد الكارثة الامنية التي حلّت يومي السابع عشر والثامن عشر من شهر ايلول الماضي لما شكّل بدايةً للانهيار الامني والعسكري الذي شهده حزب الله مستكملاً حلقاته التدميرية في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية وصولاً إلى تاريخ وقف اطلاق النار في السابع والعشرين من شهر تشرين ثاني الفائت ، طالعتنا خلال ذلك ما نُقِل عن اكثر من طرف وجهة ، ان هناك مؤشرات على اكتشاف اجهزة تنصت وجمع معلومات كجزء من شبكة تجسس الكتروني موجودة في اكثر من مكان على الأراضي اللبنانية ، الأمر الذي يدل وبالشكل القاطع ان لبنان عن بكرة ابيه ، وليس الضاحية الجنوبية من بيروت وحسب ، مخترقُّ امنياً وليس من فترةٍ قريبة وانما لسنوات وسنوات تفوق عدد سنوات الاختراق في اجهزة البيجر واللاسلكي التي تركت الآلاف تحت بصر وسمع العدو الصهيوني لتجهز عليهم في عصر ذات يومٍ حُدِّدَ في ١٧و١٨ ايلول الماضي ، ليجعل منه العدو مقدمةً لإحداث اختراقات ٍ اخرى غير مسبوقة في الصراع العسكري والأمني معه منذ تأسيس كيانه الغاصب حتى اليوم .
قد يكون ما تقدّم حدثاً عادياً وحسب امام الفضاء المفتوح للمسيّرات الصهيونية التي لا تنفك عن مغادرة سماء العاصمة بيروت والمدن والبلدات اللبنانية وتمتلك من التكنولوجيا والمعلوماتية ما يجعل تهديدها مسألة استراتيجية مصيرية لا يمكن مواجهتها إلا بالدولة القوية الموّحدة بجيشها وشعبها ومؤسساتها وهنا يكمن”مربط الفَرَس” الذي تتمحور حوله الانقسامات العامودية الحاصلة اليوم بين المطالبين بدولة ذات سيادة تمتلك لوحدها قرار السلم والحرب او الخضوع لوضعٍ سابق كانت الدولة اللبنانية تتفرّج وتراقب وحسب .
ومع التطورات العسكرية المتلاحقة والتدمير الشامل الذي احدثته الغارات الصهيونية على اكثر من موقع ومنطقة في لبنان ، لا يتبين لنا وحسب ،حجم التخطيط المسبق الذي اعده العدو الصهيوني لنا والذي لم يكن ليفاجؤنا وهو المتربّص بنا والمستعد لتدمير كل مقومات اقطار وطننا العربي الكبير بغية تركيع ما امكن تركيعه من انظمة ودفعها إلى الاعتراف به والتطبيع معه ،
فإن ما حصل على الساحة اللبنانية يثير العجب ويجعل للمفاجأة حيّزاً كبيراً مفتوحاً على مختلف الجهات الامنية الشرعية او الاخرى الميدانية التي تركت لهذه الأحداث ان تتراكم لتكشف المستور وغير المستور على ارضنا وبات علينا لملمة ما عليها من أشلاء وإحصاء ما نزل بها من كوارث لا مناص بعدها من مراجعة شاملة تضع هذا البلد على سكة الاحياء الحقيقي ولا نقول الإصلاح اللفظي ،الذي خبرناه جيداً على ايدي وافكار من ادّعوا حمله والتبشير به طوال السنين الماضية فجعلونا نترحّم على السياسيين التقليديين بكل اطيافهم الذين لم يُسَجّل يوماً انهم وصلوا إلى مستوى الوقاحة والتضليل التي يرفعها اصحاب الشعارات ، من مختلف اطراف الطيف السياسي الحاكم الذين ثبت استحالة اي تغيير حقيقي على ايديهم قبل خطاب القسم الرئاسي الذي كان بمثابة حبل منجاة للّبنانيين بعد يأسٍ واحباط امتد عقوداً وعقود وليوازيه البيان الوزاري أهميةً جعلت الناس تنظر إلى يوم الجمعة في الخامس من شهر ايلول المنصرم كمحطة مصيرية مفصلية تاريخية لا بد منها للانتقال من حالٍ إلى حال ويتأكد للمتحمّس والمتردّد والمشكّك ان خلاص لبنان لا يكون إلا بوحدته وقوته ، وان تمثلت الوحدة بالإجماع الشعبي على حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية ، فإنما القوّة هي في انتزاع الخوف والقلق من اي لبناني تجاه لبناني آخَر حيث لا يجد هذا وذاك الامان والاستقرار إلا في تكريس مواطنيتهما معاً تحت راية وطنٍ واحد ، لا مزارع طائفية ومذهبية تحدّد له حدوداً ، وجيشُّ واحد يجمع ولا يفرِّق ، سلاحه الشرعية وقراره سيادة الشعب والوطن التي لا سيادة فوقها اليوم وغداً والى الابد .
إلى ذلك ، وإذا كان من مرجعيةٍ تستحق الشكر بعد الجيش اللبناني ليتوجه اليها المتردّدون ّوالخائفون على البلد والتضامن الحكومي بعد جلسة مجلس الوزراء المنعقدة في الخامس من ايلول ٢٠٢٥ والمخصصة لخطة الجيش اقرار حصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية فقط ، فانما هي تتمثل باللغة العربية وبلاغتها وبيانها الذي سمح للجميع بابتكار افضل ما امكن من جُمَلٍ صيغت على قاعدة “الترحيب” بخطة الجيش وتدوير الزوايا ليخرج الجميع مرتاحاً ، سواء الحكومة التي تمسكت بهيبة السيادة وخطاب القسم والبيان الوزاري او الطرف الممانع الذي خرج راضياً بعد كل حملات التنمُّر والتخوين التي رماها على الحكومة ورئيسها تحديداً ، واخطر ما فيها تلميح أدواته الإعلامية قبل ذلك بسابع ايار جديد على سبيل التهديد للمطالبين بحصر السلاح بيد الدولة اللبنانية ، وكان على هذه الوسائل الإعلامية ان تكون من الحصافة الإدراك مسبقاً لما يشكل ذلك من خدمات مجانية للعدو الصهيوني لطالما كان يسعى اليها وهو يمارس التفرقة بين المكونات اللبنانية لمواجهتها فرادى وعزلها عن بعضها البعض في الوقت الذي يحتاج البلد إلى الارتقاء بالخطاب الداخلي إلى مستوى المسؤوليات التاريخية المندرجة في سياق تحصين البلد في وجه الأطماع الصهيونية وتفويت الفرص امام اي انقسام داخلي كما هو حاصل هذه الايام ازاء موضوع حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية الذي عبّر عنه رئيس الجمهورية في عيد الجيش بكلامٍ مسؤول يسعى بكل جدّية لإزالة الهواجس المتمكنة بمكوّن لبناني دون الآخر وحسب ، وذلك في معرض تأكيده ان سحب السلاح لا يجب ان يمّس احداً في ظل وجود دولةٍ ذات سيادة وجيش ٍ قوي يحمي الجميع .
على المقلب الآخر ، يجب ان يعي من يطرح الاستقواء بالعدو الصهيوني على الداخل ، تلميحاً او مجاهرةً او يهدد بالشارع مقابل شارع ، انه يقدّم بدوره خدماته المجانية ايضاً لهذا العدو الذي لا يترك ذريعةً إلا ويتبناها وهو يستكمل أعماله العدائية ضد لبنان خارقاً اتفاق شهر تشرين ثاني من العام الماضي بالمئات من الاغتيالات وأعمال التدمير للبلدات والقرى من أقصى الجنوب إلى شماله مروراً بالعاصمة والبقاع والجبل .
إلى ما تقدّم ، كان من المصلحة الوطنية ان يدرك من في هذا المقلب وذاك ، انه يقوِّض وعن سابق تصوّر وتصميم كل جهود الرئاسة اللبنانية العاملة على احتضان كل اللبنانيين تحت سقفٍ واحد وبالتالي فان استمرار الخطاب التعبوي التصعيدي المتبادل لا يدخل سوى في خانة ان هناك من لا تهمّه الوحدة والاستقرار لانه تعوَّد على العيش داخل حظائره التي تشكّل السياج الاساس لهذا النظام الطائفي الرابض على ماضي وحاضر اللبنانيين وآن لهم ان يستكملوا عيشهم غداً دون هذه الآفة المسببة لامراضهم وأزماتهم لعقود وعقود تفادياً لما يُمكِن ان يهبط علينا غداً ما هو اخطر من الاحداثُّ المصيرية التي تواجهنا اليوم فلن تعود معها بلاغة العربية ولا بديعها وبيانها لتنفع ، وسنفتقر حتماً لكلِّ تدوير جديد للزوايا ، هذا ان بقي لهذا البلد سقفاً او زاويةً .