مفاوضات «إيجابية» | بين إيران والوكالة: ثلاثة سيناريوات محتملة
مفاوضات «إيجابية» | بين إيران والوكالة: ثلاثة سيناريوات محتملة
تستمرّ مفاوضات إيران والوكالة الذرية وسط ضغوط غربية، مع ترجيح ثلاثة سيناريوات بين اتفاق محدود أو عقوبات أو تصعيد عسكري.

طهران | مع انطلاق الاجتماع ربع السنوي لمجلس محافظي «الوكالة الدولية للطاقة الذرية»، في فيينا، أمس، عاد الملفّ النووي الإيراني إلى واجهة النقاشات الدولية. فالاجتماع يُعقد في ظلّ تصاعُد التوتّر بين طهران والعواصم الغربية، وتزايد المخاوف من احتمال انزلاق الأزمة النووية إلى مسارات أشدّ خطورة، على المستويين الدبلوماسي والأمني. لكنّ استمرار المحادثات بين إيران والوكالة، يزيد من احتمالات خفض التوتّرات.
ودخل هذا الملف مرحلة جديدة في الأشهر الأخيرة؛ فمن جهة، ألحقت الهجمات الإسرائيلية والأميركية على المنشآت النووية، في حزيران الماضي، أضراراً جسيمة بها، وأثارت تساؤلات حول قدرة إیران على تخصيب اليورانيوم، وحول مخزوناتها الحالية. ومن جهة أخرى، أقرّ البرلمان الإيراني قانوناً يحدّ من التعاون مع الوكالة في مجال الضمانات، ويُخضع أيّ عمليات تفتيش للمنشآت النووية، لتصاريح جديدة من المجلس الأعلى للأمن القومي.
مع هذا، بدأت طهران والوكالة الدولية، في الأسابيع الماضية، محادثات للتوصّل إلى إطار عمل جديد للتعاون. وفي حين يقول المسؤولون الإيرانيون إن الاتفاق «قريب»، وإنه سيضمن استئناف عمليات التفتيش الفنية، لكن ثمّة تساؤلات حول ما إذا كان الإطار المذكور قادراً على معالجة الشكوك الفنية والمخاوف السياسية للدول الغربية.
وكان كشف تقرير سرّي صادر عن الوكالة الذرية، الأربعاء الماضي، أن إيران «زادت مخزونها من اليورانيوم المخصّب بنسبة نقاء 60%»، قريبة من المستوى المطلوب لصنع الأسلحة النووية، وذلك قبل الهجوم الإسرائيلي عليها في الـ13 من حزيران الماضي. وذكر التقرير أن التقديرات لمخزون إيران من اليورانيوم العالي التخصيب، في ذلك التاريخ، بلغت 440.9 كيلوغراماً، وأن الكمية المذكورة تكفي لصنع 10 قنابل نووية إذا زاد مستوى تخصيبها.
وأعرب المدير العام للوكالة، رافاييل غروسي، أمس، عن تفاؤله بإمكانية التوصّل إلى اتفاق قريب مع إيران لاستئناف التعاون في ما يخصّ تفتيش المنشآت النووية. وقال غروسي، في افتتاح اجتماع مجلس محافظي الوكالة، إن «مراجعة البرنامج النووي الإيراني كانت في صميم جهودنا في الأسابيع الماضية، خاصة بعد الهجمات التي وقعت في حزيران». وعن المفاوضات بين الجانبين، قال: «تمّ إحراز بعض التقدّم.
بدأ اجتماع مجلس المحافظين، فيما تتفاوض إيران وفرق خبراء الوكالة حول إطار التعاون الجديد
آمل أن نتمكّن من الوصول إلى نتيجة ناجحة خلال الأيام القليلة المقبلة، حتى يتسنّى الاستئناف الكامل للتعاون الضروري مع إيران». وتابع: «التنفيذ الكامل لحقوق والتزامات الوكالة وإيران بموجب معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، ضروريّ لتمهيد الطريق نحو تحسّن حقيقي في الحالة العامة»، لافتاً إلى أنه «لا يزال هناك وقت، لكن ليس كثيراً. يمكنني أن أؤكد لكم أنّنا نبذل كل جهدنا للوصول إلى نتيجة جيدة في غضون الأيام القليلة المقبلة، وربّما الساعات».
في المقابل، أكّد الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، أمس، أن المحادثات مع الوكالة كانت «إيجابية» إلى الآن، «لكنها لم تنتهِ بعد»، مشيراً إلى أنّ جولة مقبلة منها ستُنظَّم مستقبلاً. ولفت بقائي، في مؤتمره الصحافي الأسبوعي، إلى أن أطر المحادثات بالنسبة إلى إيران واضحة، وهي «قوانين ومقررات مجلس الشورى ومصالحنا القومية»، مضيفاً أن الوكالة أدركت أن شكل التزام إيران بمعاهدة الضمانات، لا يمكن أن يكون مثل ما كان عليه قبل العدوان الأميركي – الإسرائيلي عليها.
وذكر بقائي أن إيران عضو في «معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية» وملتزمة بها، منبّهاً إلى أن «الانسحاب من المعاهدة قرار يُتّخذ على مستوى قيادة البلاد، ولم يُتّخذ إلى الآن»، ومبيّناً أن طرح البرلمان مقترح انسحاب إيران من المعاهدة، «لا يعني بالضرورة أن يتم اتّخاذ هذا القرار في البرلمان». كذلك، أشار إلى وجود مباحثات مشابهة مرتقبة في الأيام المقبلة بين المسؤولين الأوروبيين والإيرانيين.
بناءً على ذلك، فإن السيناريوات المتوقّعة لاجتماع الوكالة، تبدو واضحة؛ فالسيناريو الأول، وربّما الأفضل، هو التوصّل إلى اتفاق وسط، تسمح بموجبه إيران للوكالة باستئناف عمليات التفتيش اللازمة، فيمتنع مجلس المحافظين، بدوره، عن إصدار قرار جديد ضدّ طهران. ومن شأن هكذا اتفاق أن يُهدّئ الأجواء، ويسمح باستمرار المفاوضات الدبلوماسية، إلى جانب منع عودة العقوبات الدولية ضدّ الجمهورية الإسلامية (من خلال تفعيل «آلية الزناد»)، وتمديد الموعد النهائي لاستخدام هذه الآلية.
لكن السيناريو الثاني يبدو أصعب؛ فإذا فشلت المفاوضات أو لم يُقنع الإطار المقترح من قِبل إيران، الدول الغربية، فهناك احتمال لإصدار بيان أو حتى قرار ضدّها، ما سيؤدي مجدّداً إلى إحالة الملفّ على مجلس الأمن أو فرض عقوبات دولية.
أما السيناريو الثالث، وهو الأخطر، فيتعلّق بالبعد الأمني والعسكري للملفّ؛ ففي الاجتماع السابق، وبعد يوم واحد فقط من صدور القرار ضدّ إيران، شنّت إسرائيل هجمات على أراضيها. وتُظهر هذه التجربة أن قرارات مجلس المحافظين يمكن أن تُواكب التطوّرات الميدانية فوراً، وتدفع المنطقة نحو مواجهات جديدة.
وفي هذه الظروف، تواجه الوكالة تحدّياً خطيراً: إذا تعرّضت لضغوط سياسية مفرطة من الدول الغربية، فستفقد مصداقيتها الفنية؛ أمّا إذا منحت إيران حرية التصرّف من دون آلية مراقبة فعّالة، فستُتهم بالإهمال. ومن هنا، يسعى رافاييل غروسي وفريقه في فيينا، إلى حل وسط: مزيد من الشفافية وجدول زمني للتعاون يُعالج مخاوف إيران ويكسبها ثقة «المجتمع الدولي» في آن واحد.