مقالات

الحرب العالمية الثالثة، السلاح النووي، النظام العالمي الجديد، الذكاء الاصطناعي، العملات الرقمية د. رياض العيسمي

د. رياض العيسمي

الحرب العالمية الثالثة، السلاح النووي، النظام العالمي الجديد، الذكاء الاصطناعي، العملات الرقمية

د. رياض العيسمي

إذا ما أجرينا بحثا دقيقا عبر محرك Google على الانترنيت، نجد بأن هذه المواضيع هي الاكثر تداولا اليوم. وكنت قد كتبت حولها جميعا بشكل أو بآخر في عدة مقالات سابقة. لكنه لم يحصل وأن كتبت عنها مجتمعة وبينت العلاقة فيما بينها في مكان واحد سوى في كتابي باللغة العربية المعنون: الولايات المتحدة ومآلات الصراع على الشرق الأوسط: التنافس الجيو استراتيجي والنظام العالمي الجديد. الذي صدر في منتصف العام الماضي، ٢٠٢٢. والذي فرغت قبل عدة أيام من تحديثه وترجمته إلى اللغة الانكليزية. وذهب في رحلة التدقيق والتنقيح. ومن المؤمل أن يصدر بنسخته الاليكترونية بعد حوالي شهرين أو ثلاثة. وهذا ملخص لبعض ما جاء فيه بهذا الخصوص:

“لا شك بأن الوضع القائم في العالم اليوم يشابه إلى حد بعيد ذلك الذي كان سائدا قبيل بدء الحرب العالمية الثانية، عام ١٩٣٩. حيث كان الكساد الاقتصادي مازال يسيطر على معظم مفاصل الحياة في الولايات المتحدة. وكانت أوروبا تترنح تحت وطأته وهي تغلي بسب اجتياح قوات هتلر لإقليم الدونيست في غرب تشيكوسلوفاكيا بحجة حماية مواطنيه من العرق الألماني. ووقعت الحرب العالمية الثانية بعد اجتياح القوات النازية لبولندا. وهذا ما يتشابه إلى حد كبير مع وضع أوروبا اليوم بعد الغزو الذي قامت به القوات الروسية بأمر من بوتين لأوكرانيا واحتلال إقليم الدونباس في شرق أوكرانيا بنفس الحجة التي ساقها هتلر في تشكوسلوفاكيا. وبولندا بدأت بدورها تستعد للدخول على خط الحرب الأوكرانية أملا في منع تكرار التاريخ من الجهة المعاكسة. هذا في الوقت الذي يدخل الاقتصاد الأمريكي مرحلة من الركود الحاد الذي ينذر بالمزيد من التردي تحت وطأة التضخم غير المسبوق وشبح عدم موافقة الكونغرس على طلب الرئيس بايدن برفع سقف الدين العام للحكومة لتسديد مدفوعاتها المستحقة، والتي وصلت الى ما يزيد على ٣٢ ترليون دولار. وإن لم تبدأ بتسديد هذه المستحقات قبل نهاية الشهر القادم وبدء السنة المالية الفيدرالية في الأول من شهر تموز، سوف يتوقف موظفو الحكومة الفيدرالية عن العمل بسبب عدم قدرة الدولة على دفع رواتبهم. وستتوقف كافة البرامج المدعومة من قبل الحكومة. وقضية استقراض الحكومة الامريكية من نفسها لسداد الديون المترتبة عليها وتصريف الأعمال الحكومية هو مبدأ قديم مرتبط بالطبيعة المرنة للنظام الاقتصادي الأمريكي الذي يقوم على أساس الاقتراض والاستثمار لتحريك السوق وتطويرها. وهذا التوجه اثبت نجاعته عبر السنين بتفوق الولايات المتحدة اقتصاديا على العالم. ولهذا لم يحدث من قبل في تاريخ الولايات المتحدة بأن الكونغرس وقف في طريق رفع سقف الدين العام. خاصة وان الدولار هو المرجعية النقدية. وهو العملة الرئيسية في العالم منذا عام ١٩٧٢. وذلك عندما ارتبطت مرجعيته النقدية بالتغطية النفطية بدلا من الذهب. وبهذا أصبح باستطاعة الحكومة الأمريكية الفيدرالية طبع المزيد من العملة وقت تحتاج، وضخها في السوق بعد توفير التغطية النقدية لها من الاحتياطي النفطي. ولكن الوضع قد تغير اليوم في ظل ظروف الانقسام السياسي الكبير الحاصل في الولايات المتحدة والاختلاف الحاد في توجهات الحزبين الحاكمين، الجمهوري والديمقراطي، وعدم توافقهما على أبسط القرارات البديهية والضرورية مثل رفع سقف الدين العام واقرار الميزانية العامة، واستمرار حرب أوكرانيا، والتي كلفت الميزانية الامريكية في عام واحد بقدر تكلفة الوجود الأمريكي في أفغانستان على مدى عشرين عام. وأيضا بسبب الاضطرابات الحاصلة في انتاج النفط وارتفاع اسعاره وخروجها عن السيطرة الامريكية بعد تحالفات السعودية الاستراتيجية الأخيرة مع الصين وروسيا. هذا في الوقت الذي تكفل الصين، بكونها ثاني اقتصاد عالمي، الحكومة الامريكية بسندات مالية معادلة للفائدة المترتبة على اقتراضها من نفسها. كل هذا أصبح يشكل عبئا ثقيلا على كاهل الدولار الأمريكي، والذي بات واضحا بأن النظام العالم الجديد يستهدفه. وسيهز عرشه، إن لم ينزله عن العرش الذي تربع عليه منذ الحرب العالمية الثانية. والتي كان من أهم نتائجها أيضا إًزاحة الولايات المتحدة لبريطانيا وفرنسا، المنتصرين في الحرب العالمية الأولى، عن عرش العالم. وهكذا تحاول أن تفعل اليوم كل من الصين وروسيا لإزاحة الولايات المتحدة عن عرش العالم في حرب عالمية ثالثة. والتي ستسعى الولايات المتحدة لتثبيت عرشها على العالم من خلالها. ولهذا الحرب العالمية الثالثة أصبحت ضرورة قصوى لكل الأطراف المتصارعة. ليس لتدمر وتهرم بعضها بعضا، وإنما لغرض تحقيق التفوق الحاسم على بعضها وفرض نظام عالمي جديد يخلف الذي قام وساد بعد الحرب العالمية الثانية، والتي لم تنته في ٣٠ نيسان ١٩٤٥ عندما استسلمت القوات الألمانية لأفواج الجيش الاحمر السوفييتي عند دخولها برلين، وانتحار هتلر، بل انتهت في ٢ أيلول، أي بعد اكثر من أربعة أشهر. وبعد أن أمر الرئيس الأمريكي الجديد هاري ترومان في ٦ آب بإلقاء القنبلة الذرية الأولى على مدينة هوريشيما في اليابان، والتي راح ضحيتها من ٩٠ إلى ١٥٠ ألف إنسان. وذلك لاجبار اليابان على وقف الحرب دون قيد أو شرط. وذلك لأن اليابان كانت قد استمرت بالحرب بالرغم من استسلام ألمانيا، قائدة دول المحور. وهذا ما أدى إلى استمرار النزيف في الاقتصاد العالمي واقتصاد دول التحالف بشكل عام، والاقتصار الأمريكي بشكل خاص. وذلك لكون الولايات المتحدة كانت هي الممول الاكبر للحرب وقادت الحلفاء فيها. وبهذا أعلنت اليابان مرغمة عن رغبتها بالاستسلام للقوات الامريكية، وليس لقوات الجيش الاحمر السوفييتي التي كانت تستعد لغزو اليابان. وبهذا حققت الولايات المتحدة نصرا عسكريا حاسما في الحرب العالمية الثانية بسب امتلاك القنبلة النووية واثباتها لقدرتها على استخدامها. ولكن الولايات المتحدة لم تكن لتكتفي بالانتصار العسكري فقط، بل أرادت أيضا أن تثبت تفوقها على العالم. وذلك من خلال القائها القنبلة الثانية على مدينة نغازاكي اليابانية في ٩ آب، والتي راح ضحيتها حوالي ٥٠ الف انسان جديد. وكان الهدف الأساسي من القاء القنبلة الثانية هو ارسال رسالة حازمة وحاسمة للاتحاد السوفييتي، الذي برز كمنافس لها، والعالم بان الولايات المتحدة تملك الكثير من سلاح الردع النووي هذا، والذي يخولها بقيادة العالم دون غيرها. وعندها فقط أعلن الرئيس الأمريكي ترومان عن نهاية الحرب العالمية الثانية واعلن ارساء قواعد النظام العالمي الجديد بقيادة الولايات المتحدة. والمفارقة بأن هتلر كان هو من نادى بالنظام العالمي الجديد في بداية الحرب العالمية الثانية كانتقام لمًا لحق بألمانيا من اجحاف وإذلال من قبل الحلفاء بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى. ولكن هتلر مات دون أن يحصل على ما توخاه من الحرب . ولهذا، ومنذ أن اجتاحت قواته أوكرانيا، ما انفك الرئيس الروسي بوتين يهدد باستخدام السلاح النووي اذا ما اجبر على ذلك، اي الوصول الى خيار يشابه خيار هتلر. وهو قد يكون جادا في ذلك، بالرغم من تهديد الولايات المتحدة المباشر له بأنه إن حاول، سيكون هو وروسيا أول ضحاياه. ولهذا تهديده باستخدام السلاح النووي التقليدي قد لا يكون حقيقيا. ولكن ما هو حقيقي أكثر هو قوله “بأن الذكاء الاصطناعي هو السلاح الأقوى اليوم. ومن يمتلكه سيسيطر على العالم.” وظهر وكأنه يهدد بهذا السلاح أيضا. نعم كل المؤشرات العلمية تدلل على أن الذكاء الاصطناعي سيكون هو سلاح الردع القادم في النظام العالمي الجديد. ولكن بعد أن يصار إلى تقنين خطورته ومنع انفلاته من عقاله وتحوله الى سلاح رعب، وليس سلاح ردع كما أصبح السلاح النووي على مر الزمن، والذي قد آن الأوان لإزالته من العالم أجمع. وأيضا الرئيس الصيني شي جي بينغ هو الآخر كان على حق في توجهه بضرورة خلق عملة صينية رقمية موازية لليوان تنافس الدولار. لكن العملة المرجوة لا يمكن أن تكون عملة صينية أو روسية، ولا حتى أمريكية، بل لا بد وأن تكون عملة عالمية مستقلة. وتكون هي المرجعية الأساسية لكل العملات الوطنية العالمية، بما فيها الدولار. وتكون عملة التداول والمقايضة في أسواق التجارة العالمية. ولهذا الرئيس الأمريكي بايدن هو ايضا على حق في أن يعتبر الصين هي المنافس الاستراتيجي الأكبر للولايات المتحدة. ويؤكد على ضرورة عدم التراجع أمامها. لكن المشكلة الحقيقية للولايات المتحدة هي ليست في تراجعها بقدر ما هي في قبولها بصعود الآخرين والتعامل معهم بحكمة وحنكة وليس بفوقية، كما بدأ يعتقد الكثير من المنظرين الاستراتيجيين. وكما قال إبراهام لينكلون الرئيس السادس عشر: “لا اخاف على الولايات المتحدة من عدو خارجي يدخل إليها ويخربها من الداخل، وانما من عدو داخلي يهدد لحمتها الوطنية.” فهو كان رئيسا ذا رؤية ثاقبة. وكان متنبها جدا لخطورة الانقسام السياسي والاجتماعي الحاد في الولايات المتحدة، وكما بدأ يتضح جليا اليوم. ولهذا فالولايات المتحدة لن تنتصر عالميا دون وحدة وطنية داخلية واستراتيجية خارجية جديدة. والتي لا بد أن يكون محورها الأساسي الشرق الأوسط. الذي كان هو دائما الجائزة الكبرى ليس للمنتصرين في الحربين العالميتين الأولى والثانية وحسب، وإنما كل حروب التاريخ التي رافقت نشوء الحضارة فيه قبل حوالي عشرة آلاف عام. وذلك بحكم موقعه الجيواستراتيجي الأهم في العالم وثرواته الطبيعية الغنية التي تعتبر المحرك الأساسي للاقتصاد. وبالنتيجة، الجغرافيا هي التي تصنع التاريخ، والاقتصاد هو الذي يوجه السياسة.

ملاحظة: الكتاب باللغة العربية موجود على موقعي الرسمي، والتحميل مجاني Raisami.com

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب