عربي دولي

في مواجهة دعوات لعزله ورحيله ومطالبته بحل البرلمان.. أيّ خيارات أمام ماكرون بعد إسقاط حكومة بايرو؟

في مواجهة دعوات لعزله ورحيله ومطالبته بحل البرلمان.. أيّ خيارات أمام ماكرون بعد إسقاط حكومة بايرو؟

باريس-  بعد إسقاط الجمعية الوطنية الفرنسية لحكومة فرانسوا بايرو، أمس الإثنين، توالت المواقف السياسية المتباينة حيال هذا التطور السياسي غير المسبوق في تاريخ الجمهورية الخامسة (لأول مرة يفشل رئيس وزراء في تصويت على الثقة دعا إليه)؛ في حين أعلن الرئيس إيمانويل ماكرون أنه سيُعيّن رئيساً جديداً للوزراء “خلال الأيام القليلة المقبلة”.
جوردان بارديلا، رئيس حزب “التجمع الوطني” اليميني المتطرف، رحّب برفض النواب بأغلبية منح الثقة للحكومة، وطالب الرئيس إيمانويل ماكرون بحلّ الأزمة عبر حل الجمعية الوطنية والدعوة إلى انتخابات تشريعية مبكرة.
جان لوك ميلونشون، زعيم حزب “فرنسا الأبية” اليساري الراديكالي، بدوره، ذهب إلى ما هو أبعد، داعياً إلى رحيل الرئيس إيمانويل ماكرون. وعلى المنوال نفسه تحدّثت ماتيلد بانو، رئيسة الكتلة البرلمانية للحزب، معلنة عن عزم مجموعتها البرلمانية تقديم مذكرة لعزل رئيس الجمهورية.

جان لوك ميلونشون: ندعو إلى رحيل الرئيس إيمانويل ماكرون

من جانبها، دعت مارين تونديليه، السكرتيرة الوطنية لحزب الخضر (يسار)، الرئيس إيمانويل ماكرون إلى تعيين رئيس للوزراء يكون من اليسار (تحالف الجبهة الشعبية الجديدة). في حين قال بوريس فالو، رئيس كتلة الحزب الاشتراكي في الجمعية الوطنية، إن حزبه يريد “مساراً سياسياً آخر” ويقترح “طريقة جديدة”، مؤكداً الاستعداد لتجسيد هذا التغيير مع الخضر.

أما فابيان روسيل (الحزب الشيوعي)، فقد وصف إسقاط حكومة فرانسوا بايرو بأنه “نسمة هواء نقية” للشعب الفرنسي، داعياً إلى مواصلة التعبئة الشعبية.

في صفوف المعسكر الرئاسي، دعا غابرييل أتال، رئيس الوزراء السابق والرئيس الحالي للكتلة البرلمانية لحزب “النهضة”، إلى تغيير عميق في الأسلوب السياسي، عبر تعيين مفاوض يجمع الأحزاب حول برنامج مالي مشترك، مؤكداً أن رئيس الجمهورية يجب أن “يشارك السلطة”.
وبالنسبة لحزب “الجمهوريين” اليميني، المشارك في حكومة بايرو، والذي انقسم نوابه بين مصوّت على الثقة ومصوّت ضدها؛ فقد شدد رئيس كتلته البرلمانية، لوران فوكييه، على ضرورة وضع برنامج عمل واضح قبل اختيار الأشخاص.

السيناريوهات المحتملة؟

تتجه الأنظار الآن إلى الإليزيه، في وقت يجد الرئيس إيمانويل ماكرون نفسه مجدداً في صلب اللعبة السياسية لرسم مرحلة ما بعد حجب الثقة عن حكومة حليفه فرانسوا بايرو، زعيم حزب “موديم” اليميني-الوسطي. فأي خيارات وسيناريوهات أمام ساكن الإليزيه؟
السيناريو الأول المطروح هو اختيار ماكرون لرئيس وزراء جديد من الكتلة الوسطية – أي حزبه النهضة، وحزب فرانسوا بايرو “موديم”، وحزب “آفاق” بزعامة رئيس الوزراء السابق إدوار فيليب – أو من القاعدة المشتركة التي تضم هؤلاء بالإضافة إلى حزب “الجمهوريين” اليميني المحافظ، برئاسة وزير الداخلية برونو روتايو، وذلك انطلاقاً من قناعة أن هذا الفضاء السياسي هو الأكثر قدرة على إيجاد أغلبية ولو نسبية.
غير أنه، بعد فشل ميشيل بارنييه (حزب الجمهوريين)، ثم فرانسوا بايرو، يبدو هذا الخيار محفوفاً بالمخاطر، لكن الرئيس ماكرون يخشى بشدة أن يتم المساس بخياراته الاقتصادية وعقيدته الضريبية، ما قد يدفعه إلى إعادة المحاولة للمرة الثالثة.

غابرييل أتال: رئيس الجمهورية يجب أن يشارك السلطة

مع هذه الفرضية، يتم تداول عدة أسماء، في مقدمتها وزير الجيوش الحالي سيباستيان لوكورنو، القادم من حزب “الجمهوريين” اليميني المحافظ، قبل أن يتحول إلى أحد ركائز الماكرونية (نسبة إلى ماكرون). وسبق أن طُرح اسمه في التعديلات الوزارية السابقة، لكنه صرّح مجدداً، قبل بضعة أيام، أنه ليس مرشحاً لخلافة بايرو في ماتينيون (رئاسة الحكومة).
يتم أيضاً تداول اسم كاترين فوتران، وزيرة العمل والصحة والتضامن والأسرة الحالية، التي كانت على وشك أن يتم تعيينها رئيسة للوزراء في عام 2022 قبل أن تُستبعد لصالح إليزابيت بورن تحت ضغط من حزب النهضة الحاكم.
يحضر أيضاً اسم وزير العدل الحالي جيرالد دارمانان، بالإضافة إلى مرشحين محتملين تم تداول أسمائهم سابقاً مثل كزافييه برتران (حزب الجمهوريين)، رئيس منطقة أو-دو-فرانس؛ أو فرانسوا باروان (حزب الجمهوريين)، والمفوض الأوروبي السابق تييري بروتون، ورئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد، وغيرهم.

اختيار شخصية يسارية

السيناريو الآخر المحتمل هو اختيار الرئيس ماكرون شخصية يسارية. فعقب الانتخابات التشريعية لعام 2024، كان يتعيّن على الرئيس الفرنسي أن يعيّن في ماتينيون شخصية من تحالف اليسار “الجبهة الشعبية الجديدة” (NFP) الذي جاء في المرتبة الأولى في الانتخابات، بينما عوقب معسكره وحزب “الجمهوريين” في صناديق الاقتراع. لكنه رفض ذلك. واليوم، وبعد ثلاثة عشر شهراً، وفشل كل من ميشيل بارنييه وفرانسوا بايرو، يجد ماكرون نفسه أمام هذا الخيار مرة أخرى، الذي لم يعد يستبعده كلياً. يوم الثلاثاء الماضي، دعا إلى توسيع ما يُعرف بالقاعدة المشتركة باتجاه الحزب الاشتراكي، عائلته السياسية السابقة.
وأكد أوليفييه فور، السكرتير الأول للحزب الاشتراكي، أن الحزب “جاهز” لخلافة فرانسوا بايرو، معلناً أنه “تحت تصرف” الرئيس. لكنه رفض حكومة “من اليمين واليسار”، بل يريد حكومة يسارية من دون حزب “فرنسا الأبية” اليساري الراديكالي، تسعى إلى التسويات من دون اللجوء إلى المادة 49.3 (تسمح بتمرير مشاريع القوانين دون الحاجة إلى تصويت البرلمان).
وقد أخذ خيار رؤية اليسار في ماتينيون وزناً إضافياً، حيث دعا رئيس الوزراء الأسبق دومينيك دو فيلبان الرئيس ماكرون إلى “استدعاء شخصيات” من اليسار “قادرة على تشكيل هذه الحكومة”. ويوم الخميس، أعلن رئيس كتلة نواب حزب “الجمهوريين” لوران فوكييه أنه لن يصوّت على حجب الثقة ضد رئيس وزراء اشتراكي أو من “التجمع الوطني” اليميني المتطرف.

شخصية تكنوقراطية

إلى جانب أوليفييه فور، يتكرر اسم رئيس الوزراء الأسبق برنار كازنوف، الذي غادر الحزب الاشتراكي احتجاجاً على تحالفه مع حزب “فرنسا الأبية”. وسبق أن تم تداول اسمه بالفعل العام الماضي لتولي رئاسة الحكومة، لكنه تعرض لانتقادات وتلقى دعماً خجولاً من رفاقه السابقين. وإن كان الوضع يبدو مختلفاً الآن.

فابيان روسيل: إسقاط حكومة فرنسوا بايرو نسمة هواء نقية للشعب الفرنسي

كما ترددت أسماء أخرى، في الأيام الأخيرة، مثل بيير موسكوفيتشي، الرئيس الأول لديوان المحاسبة، وجان إيف لو دريان، وزير الخارجية السابق ومبعوث الرئيس الفرنسي حالياً إلى لبنان، أو وزير الاقتصاد الحالي إريك لومبار، القريب من أوليفييه فور.
نظراً لسوء انطباع الفرنسيين عن الشخصيات السياسية، فإن هناك فئة لا بأس بها منهم تميل إلى اختيار رئيس وزراء تكنوقراط، لا ينتمي إلى أي حزب سياسي، بل قادم من المجتمع المدني أو عالم الأعمال. وفي هذه الخانة يتم تداول أسماء شخصيات مثل لوران برجيه، الأمين العام السابق لنقابة الـCFDT، الذي كان دائماً يقول لا، لكن في ظروف استثنائية. أو أيضاً جان-دومينيك سينا، الرئيس السابق لمجموعة ميشلان، أو إيمانويل فابر، المدير التنفيذي السابق لشركة دانون. فهل سيذهب ماكرون في هذا الاتجاه؟

حلّ جديد للجمعية الوطنية

كان الرئيس إيمانويل ماكرون قد لمّح ضمنياً، هذا الصيف، إلى أنه لن يحلّ الجمعية الوطنية مرة أخرى. لكن الضغط للعودة إلى صناديق الاقتراع يزداد، رغم أن العديد من نواب اليسار والوسط واليمين لا يريدون انتخابات جديدة قد تكون قاتلة لهم. ومع ذلك، تُظهر عدة استطلاعات أن غالبية الفرنسيين يريدون حلاً جديداً للجمعية الوطنية، والذي تدعو إليه مارين لوبان (حزب التجمع الوطني) – التي قد لا تترشح بسبب حكم بعدم الأهلية – حتى إن الرئيس اليميني الأسبق نيكولا ساركوزي أعلن تأييده لهذا الخيار.
أما رئيس مجلس الشيوخ جيرار لارشيه (حزب الجمهوريين) فقد أعلن معارضته الشديدة لأي حل جديد لأنه، حسب رأيه، لن يجلب وضوحاً سياسياً أكثر مما حدث في عام 2024.
وتظهر استطلاعات الرأي أنه في حال حلّ الجمعية الوطنية والدعوة إلى انتخابات تشريعية مبكرة، فإن حزب “التجمع الوطني” اليميني المتطرف سيأتي في الصدارة، متقدماً على اليسار الموحّد، ثم تحالف “معاً” (حزب النهضة وحلفاؤه)، وحزب “الجمهوريين”.

“القدس العربي”:

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب