تبرّؤ أميركي «كاذب» من الاغتيال: إنه الفيلم «الترامبي» نفس

تبرّؤ أميركي «كاذب» من الاغتيال: إنه الفيلم «الترامبي» نفس
تكشف الضربة الإسرائيلية في الدوحة تواطؤاً أميركياً واضحاً، إذ تحوّل مقترح ترامب إلى غطاء لاستدراج قيادة «حماس» وتصفيتها سياسياً وعسكرياً.

على وقع انتشار أنباء في الأيام الأخيرة عن «مقترح أميركي جديد» قدّمه الرئيس دونالد ترامب بنفسه، وسلّمه لحركة «حماس» عبر وسطاء، «ووافقت» إسرائيل عليه رسمياً، وفيما كان الجميع ينتظر ردّ الحركة على المقترح، هزّت الضربة الإسرائيلية التي استهدفت قيادة الحركة في الدوحة، المنطقة بأكملها أمس، وجعلت الهدف من وراء «مبادرة ترامب» محطّ تساؤلات عديدة. ولعلّ السؤال الأبرز هنا، هو ما إذا كانت المبادرة الأميركية مجرّد «رؤية» لمسار تفاوضي يتضمّن فخّاً لـ»حماس»، أم غطاء لعملية مخطّطة مسبقاً تهدف إلى تصفية القيادة السياسية للحركة.
ووفقاً لما نشرته التقارير العبرية عن مقترح ترامب، فقد كان ينص على إطلاق سراح جميع الأسرى الإسرائيليين دفعة واحدة، مقابل إطلاق سراح الآلاف من الأسرى الفلسطينيين، بالتوازي مع تعليق العمليات العسكرية، ومنها خطة احتلال مدينة غزة، على أن يصار، في المرحلة الثانية، إلى بدء المفاوضات برعاية أميركية، لإنهاء الحرب. على أنّه عقب إعلان «حماس» تلقّيها المقترح ونيتها دراسة بنوده، واجتماع قيادتها في الدوحة بهدف دراسته بالفعل، تعرّض مقر الاجتماع لغارات إسرائيلية بصواريخ دقيقة، في ما أنبأ بأن إسرائيل، ومن خلفها الولايات المتحدة، اللتين قرّرتا استهداف المفاوضين، لم تكونا تنتظران، عملياً، ردّهم.
على أي حال، لم تكن ضربة الدوحة مجرّد عملية عسكرية، بل مثّلت إعلاناً سياسياً واضحاً لا يحتمل التأويل، مفاده أنّ تل أبيب لا تريد أي تسوية مع حركة «حماس» والفلسطينيين، سواء عبر اقتراح ترامب، أو أي مبادرة أخرى، إلى حين تحقيق ما تصفه بـ»الانتصار المطلق»؛ علماً أنه على الرغم من موافقتها على الاقتراح، وضعت إسرائيل شروطاً جوهرية تعجيزية أمامه، ما يعكس نيتها المُسبقة تنفيذ قرار الاستهداف.
شكّلت ضربة الدوحة إعلاناً سياسياً بأن تل أبيب لا تريد أي تسوية مع حركة «حماس»
وبالنسبة إلى العدو، فإن الانتصار المشار إليه لا يقتصر على إلحاق «هزيمة عسكرية بحماس»، بل يشمل تفكيكها ككيان سياسي وعسكري، وإنهاء القضية الفلسطينية كقضية وطنية جامعة. كما أنه بناءً على السلوك الإسرائيلي في الضفة والقطاع، أصبح واضحاً أن تل أبيب لا تُقاتل لاستعادة أسراها من غزة، أو لتحقيق الأمن، بل لإعادة تشكيل الجغرافيا والديموغرافيا الفلسطينيتين بالكامل. أما الضربة في الدوحة، فتأتي استكمالاً للنيات العدائية المطلقة، المتمثّلة بتهجير الغزيين، وتهويد الضفة وإلغاء مفهوم جدوى مواصلة الكفاح في سبيل القضية الفلسطينية، مادياً وفي الوعي الجمعي للفلسطينيين، ومن ثم تحويل الصراع من قضية تحرر وطني، إلى عملية إدارة أزمة إنسانية وتهجير قسري.
لكنّ المفارقة التي تنطوي على كذب فاضح، أنّ كلاً من رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن، يسرائيل كاتس، أعلنا أنّ الضربة شكّلت «فرصة عملياتية»، وكأنّ اجتماعاً معلناً في الدوحة لقيادة «حماس»، كما جرت العادة، بهدف دراسة اقتراح أميركي لإنهاء القتال، هو حدث غير مسبوق في سياقات الحرب.
أما من الناحيتين العملياتية والسياسية، فلم تكن الضربة الإسرائيلية في الدوحة لتتحقق من دون غطاء أميركي، وربما مصادقة ومشاركة في التخطيط والتنفيذ. ومن هنا، يمكن فهم سبب عدم صدور أي استنكار من البيت الأبيض إزاء هجوم استهدف قطر، الحليف الاستراتيجي لواشنطن، واجتماعاً يهدف إلى مناقشة اتفاق قدّمه ترامب بنفسه. بل بدلاً من ذلك، سارعت واشنطن إلى الإعلان أنه تمّ إبلاغها مُسبقاً بالضربة. بناءً على ما تقدّم، يجادل البعض في أن مقترح ترامب لم يكن محاولة حل، بقدر ما مثّل «طعماً» لاستدراج قيادة الحركة، وتمهيد الطريق أمام إسرائيل لاستهدافها.