مقالات

عن «مقايضة» السلاح الفلسطيني بالحقوق

عن «مقايضة» السلاح الفلسطيني بالحقوق

أيهم السهلي

ليست المرة الأولى التي يُفتح فيها موضوع السلاح الفلسطيني في لبنان وقد لا تكون الأخيرة. المتغيرات السريعة في المنطقة مستمرّة، وطالما أنّ «المجتمع الدولي» تَعامل مع نتيجة الحرب على أنها هزيمة لحزب الله، فإنّ مفاعيل ذلك أدّت إلى ما نحن بصدده على صعيد ملف السلاح. على أساس ذلك، أُعيد فتح الملف، بعد زيارة رئيس السلطة محمود عباس في أيار، وإعلان البيان المشترك، الذي أكّد على: مبدأ حصرية السلاح، تشكيل لجنة مشتركة لمتابعة أوضاع المخيمات، والعمل على تحسين الظروف المعيشية للّاجئين، مع احترام السيادة والالتزام بالقوانين.

يعاني اللّاجئون الفلسطينيون في لبنان من أمور عدّة، منها غياب الحقوق المدنية والاجتماعية-الاقتصادية، واتّفاق لبناني ضمني بين كل الأحزاب تقريباً على أنّ المسألة: إمّا أنه بالإمكان تأجيل بحثها، وإمّا أنها ستسبّب خلافاً داخلياً كبيراً، وبالتالي فلتبقَ ورقة للتفاوض الداخلي بدل حرقها. وفي نتيجة هذا التوصيف المكثّف، اللّاجئ الفلسطيني ممنوع من العمل في أكثر من 70 مهنة (باستثناء مهنة التمريض) وممنوع من حقوق أخرى، كالتملّك، وهوّيته القانونية غير واضحة، تنوس ما بين اللاجئ والأجنبي.

وجرّاء إعادة فتح ملف السلاح، عاد حديث بعض الفلسطينيين عن «مقايضة» بالحقوق، حتى بات هذا التعبير متداولاً على نطاق واسع في الأوساط الفلسطينية واللبنانية. وكأنّ السلاح رهينة في وجه الدولة اللبنانية من أجل تحقيق مطالب متعلّقة بحقوق طبيعية. في حين أنّ هذه الحقوق يجب أن يتحلّى بها الفلسطيني كإنسان أوّلاً، وثانياً كمقيم منذ أكثر من 77 عاماً بحكم احتلال دياره منذ تلك السنوات وعدم التمكّن من العودة.

إنّ في فكرة «المقايضة» استخفاف وعدم مسؤولية من «المسؤولين» الفلسطينيين الذين يتحدّثون بها. كما أنها لا تنمّ عن حديث سياسي، ولا سيّما أنّ العلاقة بين القوى الفلسطينية، كـ«ممثّلة» للفلسطينيّين، وبين الدولة اللبنانية، ليست علاقة متوازنة، وليست علاقة «دولة لدولة»، لكنها بانت كذلك مع زيارة عباس إلى لبنان. إذ تجاوز كل ما تريده الفصائل وما تتحدّث به، وتجاوز حتى ما تريده «فتح» التي يرأسها، والتي تتولّى الكثير من شؤون الفلسطينيّين في لبنان؛ بدليل ما ترتّب على زيارته من تغييرات في المستوى القيادي للحركة في لبنان، وفصل دور السفارة عن ملفات اللّاجئين (على الأقل هذا ما يقال حتى الآن).

إنّ حقوق الفلسطينيين مسألة حقوق إنسان، تحتاج إلى مستوى حوار مختلف بين السلطات اللبنانية والجهات الفلسطينية، كما إلى أصحاب كفاءات على درجة من المعرفة بالواقع الفلسطيني، وكذلك بالأوضاع اللبنانية وحساسيّتها. وليس بالضرورة أن يكون هؤلاء من التابعين أو المنتظمين في الفصائل، علماً أنّ بعض الفصائل لديها كوادر مؤهّلة ولديها القدرة الكاملة على خوض هذا الحوار الضروري مع الدولة اللبنانية، فضلاً عن الكوادر المستقلّة الموجودة في لبنان وخارجه من المؤهّلين قانونياً.

إذ إنّ هذا الأمر، أي الحقوق، يخصّ حاضر ومستقبل نحو 195 ألف لاجئ فلسطيني مقيم فوق الأراضي اللبنانية بحسب تصريح صحافي لمديرة «الأونروا» في لبنان آذار الماضي، ونحو نصف مليون فلسطيني مسجّل لدى الوكالة في لبنان.

النظر في المسألة الفلسطينية في لبنان يتطلّب النظر بالوضع الفلسطيني ككل، ولا سيّما تمثيل الفلسطينيين ككل، وليس في لبنان فقط. ولعلّ مسألة التمثيل واحدةٌ من أبرز الإشكاليات التي تخصّ اللاجئين الفلسطينيين، تحديداً في دول اللجوء (لبنان، وسوريا، والأردن، ومصر، والعراق). وفي ظلّ تسارع الأحداث في الداخل الفلسطيني، وغموض مستقبل السلطة، ومع تفريغ منظمة التحرير ــــــ الممثّلة لكلّ الفلسطينيين بالمعنى الرمزي والقانوني ــــــ من مضمونها السياسي، فإنّ التباساً وضياعاً كبيراً يلوح في الأفق، يتعلّق بمستقبل اللّاجئين.

الأسئلة كثيرة ومعقّدة، بعضها يتعلّق بمنظمة التحرير المترهّلة والمغيّبة عن العمل منذ سنوات طويلة، في ظلّ حال التماهي بين السلطة والمنظمة. وفي ظلّ الصراع المستمرّ بين «فتح» و«حماس» وفي أحد جوانبه ذلك المتعلّق بتمثيل الفلسطينيين. وأخيراً، ونتيجة كل ذلك، هناك ضياع فلسطيني، وتشتّت في القرار وكيفية اتّخاذه تبعاً لأولويّة المصالح «الوطنية» و«الحزبية».

ولأنّ في الإعادة إفادة، فلا بدّ من التذكير بأنّ حقوق الفلسطينيين هي حقوق إنسان، ويجب نقاشها انطلاقاً من هذه الأرضية. وربما من المهمّ العودة إلى اقتراحات سابقة، قدّمها خبراء لهم وزنهم، كالدراسة التي نشرها رئيس الحكومة الحالي الدكتور نواف سلام، قبل أكثر من عقدين في مجلة «الدراسات الفلسطينية»، بعنوان «بين العودة والتوطين: أي حلّ لمستقبل الوجود الفلسطيني في لبنان؟» (19 – صيف 1994) إذ عالج المسألة وطنياً وأخلاقياً وقانونياً، واقترح منح اللاجئين الفلسطينيين الجنسية الفلسطينية على اعتبار «أنّ دولة فلسطين هي للفلسطينيين أينما كانوا»:

«من نتائج ذلك ليس فقط تحسين المركز المعنوي للّاجئين الفلسطينيين وتوفير الحماية الدبلوماسية لهم في البلاد التي قد يبقى قسم منهم فيها، بل من شأنه نفي الحاجة إلى تجنيسهم فيها أيضاً، ومنها لبنان، إضافة إلى أهمّية قيام مرجعية سياسية تكون مسؤولة عنهم تجاه هذه البلاد، وفقاً لمبادئ القانون الدولي وما يمكن أن يعقد معها من معاهدات».

أمّا لجهة الحقوق السياسية، فـ«لن يكون للفلسطينيين الباقين في لبنان أي حقوق سياسية كالتي يتمتّع اللبنانيون بها، مثل حقوق الانتخاب أو الترشيح أو التعيين في الوظائف العامة على تنوّعها»، لكن «على هؤلاء واجبات تجاه لبنان، أهمّها الخضوع لقوانينه وأنظمته كافة، وخصوصاً ما يتعلّق منها بمتطلّبات المحافظة على سيادته وأمنه وتنظيم شؤون الأجانب فيه».

ويضيف: «لا يعني ذلك أنّ هؤلاء الفلسطينيين سيبقون محرومين من الحقوق السياسية، بل سيكون في إمكانهم ممارستها ترشيحاً وانتخاباً، وإلى غير ذلك، في إطار مؤسّساتهم الوطنية الفلسطينية وإن كانت إقامتهم في لبنان، تماماً كما يقوم، مثلاً، المواطنون المقيمون خارج بلدهم بممارسة حقوقهم في الترشيح أو الانتخاب عبر قنصليات بلدهم في الخارج».

أمّا لجهة الحقوق المدنية والاجتماعية، فيقول سلام: «يجب أن يتلازم مع منح الفلسطينيين الباقين في لبنان الجنسية الفلسطينية العمل على تسوية مسألة إقامتهم فيه، وإعادة النظر في وضع حقوقهم المدنية والاجتماعية». ولا بدّ من أن «يُستحدث، من ضمن القوانين اللبنانية، فئة إجازات إقامة دائمة أو طويلة الأمد».

إنّ مثل اقتراح الدكتور نواف سلام، وغيره من الاقتراحات لتحسين ظروف الحياة للّاجئين الفلسطينيين في لبنان وفي مناطق أخرى، يجب النظر فيها، وتجب الاستعانة بها لدراسة أحسن الحلول المتناسبة مع حقوق الإنسان، وسيادة الدول المستضيفة للّاجئين.

أخيراً، إنّ تسليم السلاح الفلسطيني في لبنان، وكما هو معروف، مرتبطٌ بتوازنات وأوضاع سياسية متحرّكة جدّاً اليوم، ومرتبط أكثر بنتائج الحرب المستمرّة في المنطقة، والتي لا تجعل الفلسطينيين خارج فلسطين أصحاب القرار والسيادة على مقدراتهم ومصائرهم، بقدر ما لهذه التوازنات والمتغيّرات أن تقرّر عنهم، طالما أنّ تمثيلهم خاضع أيضاً، اليوم أكثر من أي وقت مضى، لهذه التوازنات المتحرّكة والعاصفة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب