بعد مقتل المؤثر كيرك.. ترامب وأنصاره اختاروا الانتقام من اليسار بدلا من وقف العنف السياسي

بعد مقتل المؤثر كيرك.. ترامب وأنصاره اختاروا الانتقام من اليسار بدلا من وقف العنف السياسي
قالت سوزان غليسر في مقال بمجلة “نيويوركر” إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أعلن بعد مقتل المؤثر تشارلي كيرك، أعلن الحرب على اليسار الأمريكي بدلا من التعهد بوقف العنف السياسي في الولايات المتحدة.
ففي الساعات التي تلت مباشرة مقتل كيرك أمام حشد كبير في جامعة أوتا فالي يوم الأربعاء، وفي الوقت الذي لم يتم فيه الكشف بعد عن هوية الفاعل أو تفسير سبب القتل، سارع من يدعون اليقين في واشنطن لزج الكثيرمن الحقائق، فالمؤيدون للحزب الجمهوري جاءوا متسلحين بحقائق سابقة، وتم دمج الأحداث في روايات كانت معروفة قبل وقوع القتل بوقت طويل.
وحتى قبل تأكيد وفاة كيرك، تحدثت نانسي ميس، عضو الكونغرس الجمهورية عن ولاية ساوث كارولينا، إلى الصحافيين خارج الكونغرس، وقالت لهم: “الديمقراطيون مسؤولون عما حدث اليوم”. وعندما سألها رايان نوبلز، كبير مراسلي قناة “إن بي سي نيوز” في الكونغرس، إن كان الجمهوريون، بهذا المنطق، سيتحملون مسؤولية إطلاق النار على اثنين من المشرعين الديمقراطيين في مينيسوتا هذا الصيف، أجابت: “هل تمزح معي؟ أطلق مجنون يساري غاضب رصاصة على رقبته، وتريد التحدث عن الجمهوريين الآن؟ لا.. الديمقراطيون يتحملون المسؤولية 100%”.
وتعلق غليسر أنه في وقت مختلف، ربما كان من الأسهل رفض كلام ميس باعتباره مجرد لعب أمام الكاميرات وأن نستمد الشجاعة بدلا من ذلك من العديد من التصريحات التي ترفض العنف السياسي وتعبر عن الصدمة والرعب والتضامن التي كانت تتدفق بالفعل من الديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء.
وقدم نائب الرئيس جيه دي فانس تأبينا صادقا، لكن الغضب الذي عبرت عنه ميس لم يكن شاذا. ففي قاعة مجلس النواب، عندما دعا الرئيس مايك جونسون إلى لحظة صلاة صامتة لكيرك، نهض أعضاء من كلا الحزبين من مقاعدهم واندلعت مباراة صراخ، مع لورين بويبرت، وهي جمهورية من كولورادو التي طالبت بصوت عال بأكثر من مجرد صلاة صامتة واعترض العديد من الديمقراطيين على عدم تقديم صلاة للطلاب في إطلاق نار جماعي في نفس اليوم في كولورادو.
وصاحت آنا بولينا لونا، وهي جمهورية من فلوريدا، ردا على الديمقراطيين: “لقد تسببتم جميعا في هذا”.
وبعد أربع ساعات، رد دونالد ترامب على وفاة كيرك، في مقطع فيديو مدته أربع دقائق من المكتب البيضاوي نشره على موجز وسائل التواصل الاجتماعي الخاص به.
ولم يحتو خطاب ترامب على مواقف مثل ما عبّر عنها جو بايدن حول “ضرورة أن نخفف من حدة سياساتنا”، أو حول كيف أنه على الرغم من “أننا قد نختلف، فإننا لسنا أعداء”، وهو ما قاله بايدن بالفعل عندما تعرض ترامب لرصاصة قاتل محتمل في صيف عام 2024.
وبدلا من ذلك، حمل ترامب خصومه السياسيين وخصوم كيرك، مسؤولية ما أسماه صراحة “اغتيالا شنيعا”.
ولم يستشهد بأي دليل ولا يبدو أنه كان يعتقد أنه مضطر لتقديم أي دليل.
ولم يشر إلى أي من الهجمات السياسية في السنوات الأخيرة التي أودت بحياة ضحايا ديمقراطيين، بما في ذلك، ما حدث في وقت سابق من هذا الصيف من إطلاق النار على اثنين من المشرعين في ولاية مينيسوتا، توفي أحدهما.
وجاء في كلام ترامب: “لسنوات، قارن اليساريون المتطرفون، أمريكيين رائعين مثل تشارلي بالنازيين وأسوأ مرتكبي جرائم القتل الجماعي والمجرمين في العالم.. هذا النوع من الخطاب مسؤول بشكل مباشر عن الإرهاب الذي نشهده في البلاد اليوم، ويجب أن يتوقف فورا”، وهذا ما قاله قبل أن يقدم قائمة بضحايا آخرين لـ”العنف السياسي اليساري المتطرف”، بمن فيهم هو نفسه.
ووعد باتخاذ إجراءات سريعة للقضاء على مرتكبي هذا العنف، وكذلك “المنظمات” التي تموله وتروج له.
ولم يحظ تهديد ترامب اللافت للنظر باهتمام كبير، وكان ينبغي أن يحظى به.
ولم يكن الرئيس يحاول حتى توحيد البلاد، بل بدا وكأنه يلقي باللوم على شريحة كبيرة من الأمة التي تكره سياساته العنصرية الانقسامية وتلك التي يروج لها كيرك، كما لو كانوا هم من أطلقوا النار.
وكان بعض حلفاء ترامب ومستشاريه الأكثر نفوذا يوضحون ما قد يعنيه هذا بالدعوة صراحة إلى قمع اليسار الأمريكي، وهو ما لا يتوافق مع روح حرية التعبير التي استخدمها كيرك كشعار حاشد لتجنيد جيل جديد من المحافظين الشباب.
وكتبت لورا لومر، وهي مناصرة لنظريات المؤامرة اليمينية المتطرفة، والتي نجحت في دفع ترامب إلى إقالة عدد من كبار مسؤولي الأمن القومي، على موقع إكس: “لقد حان الوقت لإدارة ترامب لإغلاق كل منظمة يسارية وسحب التمويل منها ومحاكمتها” و”يجب أن نسكت هؤلاء اليساريين المجانين مرة واحدة وإلى الأبد، اليسار تهديد للأمن القومي”.
واستحضر كريستوفر روفو، وهو ترامبي آخر مؤثر، قاد التحرك ضد مبادرات التنوع التي أصبحت في النهاية مبدأً أساسيا لإدارة ترامب الثانية، الاضطرابات السياسية في الستينيات من القرن الماضي، وكتب: “في المرة الأخيرة التي نظم فيها اليسار المتطرف موجة من العنف والإرهاب، أغلقها جيه إدغار هوفر [مدير مكتب التحقيقات الفدرالي] بالكامل في غضون بضع سنوات”.
و”لقد حان الوقت وفي حدود القانون، للتسلل وتعطيل واعتقال وسجن كل المسؤولين عن هذه الفوضى”.
وانضم نائب رئيس طاقم موظفي ترامب، ستيفن ميلر، يوم الخميس إلى الداعين لقمع اليسار، في منشور مطول بعنوان “مصير أطفالنا ومجتمعنا وحضارتنا يتوقف عليها”.
وكانت مصادفة حزينة بحتة أن يأتي مقتل كيرك قبل يوم واحد فقط من أحداث 11 أيلول/ سبتمبر 2001، عندما كان ترامب يحيي الذكرى الرابعة والعشرين للهجمات على الولايات المتحدة. وأدى تدمير برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك على يد أسامة بن لادن وأتباعه من القاعدة إلى ظهور “الحرب العالمية على الإرهاب” التي شنتها إدارة جورج دبليو بوش، وهي حرب أخرى ضد الفكر المتطرف الذي حفز ميلر والعديد من المحافظين الشباب الآخرين على النشاط السياسي في أوائل الألفية الثانية.
وفي أيام دراسته، أطلق ميلر مشروعا للتحذير من خطر “الفاشية الإسلامية”، وصور الولايات المتحدة وكأنها أُرغمت على الدخول في صراع عالمي مع الأيديولوجية الجهادية الإسلامية المتطرفة.
وتقول غليسر إن ما هو مثير للدهشة، هو قراءة بيان ميلر حول ما يعتبره التهديد الرئيسي اليوم، والذي، كما هو الحال مع معظم خطاب ترامب وحركته “لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى” الحالي، لا يركز على الخصوم الخارجيين مثل روسيا والصين، بل على الاحتمال المخيف لعدو عنيف من الداخل، “أيديولوجية تنمو باطراد في هذا البلد وتكره كل ما هو جيد وصحيح وجميل، وتحتفي بكل ما هو مشوه وملتوٍ وفاسد”، بحسب تعبير ميلر.
ومع أنه من الإنصاف الإشارة إلى أن الكثير مما كتبه ميلر عن اليساريين اليوم ردا على مقتل كيرك يشبه ما كان سيقوله عن الإرهابيين الإسلاميين قبل عقدين من الزمن، ولكن ما يبدو هنا، ليس افتقار ميلر للإبداع، بل السرعة والصراحة اللتين اختار هو وترامب استغلال إطلاق النار على أحد أهم حلفائهما في خدمة هجوم كاسح على اليسار السياسي الأمريكي.
وفي الوقت الذي كان يأمل فيه آخرون بحوار عاقل حول كيفية إنهاء مشكلة العنف المتصاعدة بسرعة وسط كل الأطياف السياسية، فقد حدد الرئيس ومستشاره المقرب الأزمة بطريقة مختلفة فهي، تتعلق باليمين الأمريكي المحاصر وما يجب أن يفعله ترامب حيال ذلك.
وكانت النقطة هنا واضحة لمن اختاروا الإنصات: الرئيس لا يكترث إطلاقا بكل تلك الدعوات المتظاهرة بالنفاق من أجل الشفاء، ما يريده الآن ليس حوارا حول أزمة العنف السياسي في أمريكا، بل سياسة جديدة عدوانية للانتقام السياسي.
– “القدس العربي”: