
حالماً بالصراخ والحياة
بقلم حسين عبدالله جمعة
ليس سرًّا، إن أجابتني ذاكرتي وقالت: أجل… لقد تعوّدت الانتظار! لكنني ما زلت أسأل نفسي: إلى أين يمضي بي هذا الانتظار؟ وماذا أنتظر أصلًا؟ العمر انبرى ومضى… وأنا ما زلت واقفًا على رصيفٍ بارد، يزدحم بالسنوات المهدورة. مرساتي ألقيتها منذ عقود، وكل ما حولي ملَّ صمتي وانتظاري: الأرائك الضيقة، المقاعد الخشنة، محطات القطارات، طرق السيارات، وأجنحة الطائرات… حتى الأشياء بليت، وأنا وحدي ما زلت أرمم الحلم وأدور حول نفسي مثل نحلة تبحث عن رحيق في أرضٍ جافة. لم أنسَ، لكنني نسيت أنني ضعيف أيضًا…! ظننتني قادرًا على صنع قوى خارقة لأحلق من جديد، لأجدد الأسماء، وأعيد تدوير الأمل… لكن الانتظار سرقني، والأنفاس غدت ثقيلة، والحشرجات صارت تصفع صدري كل صباح. أنا الانتظار… أنا الصمت الهادر في عالم أصمّ. أنا الغريب الخارج عن سباقٍ لا يشبهني… فهل صمتي هذا ميزة أم لعنة؟ هل هو بقايا قوة، أم مجرّد صورة بالية تُرمى مثل صور البشر حين تبلى؟ لم أعد أميّز. ما أعلمه أنني تعبت… وسئمتُ هذا الانتظار الطويل. صرتُ أحلم بمعجزة تكسر جدار الصمت، وتعيد الحواس لمن ظننت يومًا أنهم يستحقون كل هذا العناء. ليست ندامة، إنما إنهاك. أبحث عن شجرة وداع، مثل “شجرة كونتا كونتي” على أطراف التيبت، تلك التي تعلّق عليها الأوشحة مع كل رحيل وكل بداية جديدة. أبحث عن غصن أعلّق عليه صمتي، وأكتب عليه حلمًا جديدًا. هل هو حلم؟ ربما. لكن في زمنٍ أكلني فيه الصمت، لم يعد لي إلا أن أبقى: حالِمًا بالصراخ… حالِمًا بالحياة.
حسين عبدالله جمعة سعدنايل – لبنان