الصحافه

مصر تستعد للحرب باعتبارها حقيقة ثابتة.. وأصوات إسرائيلية: يجب وضع موقف علني

مصر تستعد للحرب باعتبارها حقيقة ثابتة.. وأصوات إسرائيلية: يجب وضع موقف علني

ميخائيل ميلشتاين

تنشر وسائل الإعلام والشبكات الاجتماعية في الآونة الأخيرة تحذيرات عديدة من “مؤامرة في الظلام” تنشأ من جهة مصر: بدءاً بانتهاكات فظة لاتفاقات السلام عبر تكثيف لقوات الجيش في سيناء دون تنسيق مع إسرائيل، وحتى الاستعداد المتسارع لمعركة ضدها. أي نظرة مركزة تظهر اشتباهاً بمصادر التقارير ومصداقيتها. فمعظم الصحف والمحللين (بمن فيهم الأمنيون “السابقون” من المحذرين، يتماثلون مع اليمين، ومصادر تحليلاتهم غامضة ولا تستند إلى مصادر سياسية وعسكرية رسمية. يدور الحديث عن ترديد لرسالة من النوع الذي في إطاره يقتبس الجميع عن الجميع دون أن يتساءلوا ما المصدر وما مصداقية التقارير. مطلقو التحذيرات يعرضون أنفسهم أنهم أصحاب معرفة، ويطبقون درس 7 أكتوبر، ويصفون الوضع الحالي لمصر كـ “مفهوم مغلوط جديد”. وغالبيتهم الساحقة، بالمناسبة، لم تعرض أي صوت آخر عشية 7 أكتوبر، بل إن بعضهم مجّد التسوية في غزة، وأظهر أن حماس تم ردعها.

يستوجب الأمر إشعال أضواء حمراء في أوساط الإسرائيليين، وليس بالضرورة من هجوم قريب بل من أنه محاولة مغرضة تجري لخلق توتر بين القاهرة و”القدس” [تل أبيب] بدوافع مشبوهة. في هذا السياق، يثور تذكير حرج من الماضي غير البعيد يتعلق بقضية “قطر غيت”. وحسب ما علم، تطلعت قطر لتحسين صورتها كوسيط ناجح في ظل التشهير بمصر، وفي هذا الإطار عملت أيضاً على نشر معلومات كاذبة حول نوايا هجومية من القاهرة ضد إسرائيل. “تقارير” كهذه، ومنها “مناورة هجوم مصرية ضد مفاعل ديمونا” تبينت كأنباء ملفقة، أو “طبخ” مواد قديمة وصفت كدليل على استعداد لمعركة. عملياً، بالفعل تتدهور العلاقات مع مصر، خصوصاً عقب تخوف الأخيرة من اعتزام إسرائيل حل مشكلة القطاع على حسابها من خلال دفع الغزيين إلى سيناء. القلق من “المؤامرة الإسرائيلية” يتعمق مؤخراً في ضوء خطة احتلال مدينة غزة وتجميع معظم الغزيين في منطقة صغيرة جنوبي القطاع، وتضاف إلى هذا حماسة أبداها نتنياهو لخريطة “أرض الميعاد” (بما فيها أراض في دول عربية، من مصر أيضاً)، و”مقابلة” منحها لقناة تلغرام “أبو علي إكس برس” واتهم فيها القاهرة بمنع الهجرة من غزة (ما جر تراشقاً قاسياً بين الدولتين) إلى جانب ما طرحته الوزيرة غيلا جمليئيل من بداية الحرب (وحتى قبلها) لإقامة دولة فلسطينية في سيناء، أمر اعتبرته القاهرة تهديداً جدياً.

رفع مستوى التأهب العسكري المصري استعداداً لأوضاع متطرفة محتملة (وأساسا اقتحام الحدود مع غزة وتدفق جماهيري إلى سيناء)، يفسر إسرائيلياً أنه استعداد لخطوة هجومية ويجر تأهباً وتدريبات من جانب إسرائيل

الأزمة الحادة في العلاقات تترافق وعلاقة مهزوزة وبلا ثقة تتعمق بين قيادتي الدولتين. هذه وصفة لنشوء سوء تقدير مأساوي، وآلية خطيرة تتجه إلى حروب حتى وإن لم تكن الأطراف المشاركة معنية بالمواجهة. إن رفع مستوى التأهب العسكري المصري استعداداً لأوضاع متطرفة محتملة (وأساسا اقتحام الحدود مع غزة وتدفق جماهيري إلى سيناء)، يفسر إسرائيلياً أنه استعداد لخطوة هجومية ويجر تأهباً وتدريبات من جانب إسرائيل، ومن هنا تتطور كرة ثلج قد تؤدي إلى احتكاكات أمنية، إلى حد هز اتفاق السلام بين الدولتين. يأتي كل هذا رغم توقيع خطة كبرى مؤخراً لتوريد الغاز من إسرائيل إلى مصر، ما يفترض به ظاهراً أن يلجم تدهور العلاقات.

بين هذا وذاك، المطلوب اليوم هو انتباه لتهديدات ليست وهمية أو مختلقة من جهة مصر، وعلى رأسها تهريب السلاح من سيناء إلى القطاع وإلى أراضي إسرائيل، غالباً عن طريق حوامات، مثلما في حالة محور فيلادلفيا الذي شكل قناة مركزية عن طريقها تحولت حماس إلى جيش ينفذ 7 أكتوبر، لذا فإن التهريب الحالي قد ينبع هو الآخر من تداخل بين إهمال وغض نظر، وربما تعاون من جانب محافل مصرية تجني أرباحاً. إن التنسيق والثقة القويين بين الدولتين كفيلان بالمساعدة للقضاء على الظاهرة، لذا نوصي بمشاركة واشنطن، التي ترعى اتفاق السلام.

في أكتوبر 1973 و2023، كان أصحاب القرار السياسي والأمني مفعمين بالثقة بالنفس وبالاستخفاف بالعدو، وهكذا خلقوا بأيديهم مفاجآت استراتيجية وصدمات قومية. في أكتوبر 2025 ينعكس تحدٍ آخر، لا يقل خطورة في الإصرار على خلق تهديدات. وينبع الأمر من خليط من المصالح المشبوهة وأنماط العمل ما بعد صدمة الاعتماد الحصري على استخدام القوة وسلوك على أساس تحليل قدرات الطرف الآخر دون “تشويش العقل” بتحليل نواياه. يدور الحديث عن نموذج خاص لمفهوم مغلوط يدمج الأماني والأيديولوجيات وجنون الاضطهاد (الاشتباه، لكن من النوع غير الصحي)، وكل هذه تجسد الحقيقة البشعة في أن جذور مفهوم 7 أكتوبر لم يحقق فيها قط كما ينبغي.

إن التوتر المتصاعد والخطير مع دولة ذات جيش أقوى في العالم العربي يستوجب إيضاحات – سواء من جانب رئيس الوزراء أم من جانب الجيش الإسرائيلي. فالغموض والحفاظ على التنسيق من خلف الكواليس مهمان بشكل عام، لكن الوضع الذي يصبح فيه الاستعداد المصري للحرب “حقيقة” وينشأ تخوف باحتكاك متزايد معها، يستوجب على عجل موقفاً علنياً، ومن الأفضل أن يكون ذا رسالة مصالحة وليست رسالة مناكفة وتهديد.

إن الانتقال الحاد من عدم الاكتراث و”الاحتواء” لمظاهرة القوة في كل وضعية وزمن – والذي تحول عملياً إلى استراتيجية إسرائيل في نصف السنة الأخيرة، من شأنه أن يوقع معركة أخرى على رأسها لا يبدو أن لأي من الطرفين مصلحة فيها، وتعرض أحد الذخائر الاستراتيجية الإسرائيلية للخطر. كل هذا في الوقت الذي تكون فيه إسرائيل غارقة حتى الرقبة في ساحات قتال مستمر، وتعلق في عزلة دولية حادة، ويصعب عليها تثبيت إجماع داخلي للمواجهات المختلفة، وبخاصة تلك التي في غزة.

يديعوت أحرونوت 28/9/2025

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب