خطة ترامب والاقتصاد الإسرائيلي: تفاؤل أسواق الأسهم وحذر محافظ بنك إسرائيل

خطة ترامب والاقتصاد الإسرائيلي: تفاؤل أسواق الأسهم وحذر محافظ بنك إسرائيل
جاء الرد الإيجابي في أسواق الأسهم والمال بمجرد بدء التسريبات حول خطة الرئيس الأميركي لوقف الحرب. وقد تعزّز هذا الشعور بعد المؤتمر الصحافي المشترك بين ترامب ونتنياهو، حيث أعلن ترامب رسميًا خطته لوقف الحرب.
تجاوبت أسواق الأسهم في تل أبيب بإيجابية كبيرة مع خطة ترامب لوقف الحرب على غزة، إذ شهدت جميع المؤشرات ارتفاعات قوية منذ بداية الأسبوع الماضي. وخلال أسبوع التداول الأخير والقصير، الذي اقتصر على ثلاثة أيام فقط بسبب الأعياد اليهودية، سجّلت المؤشرات قفزة لافتة.
وعلى الرغم من استمرار الحرب في غزة، واتساعها لاحقًا لتشمل لبنان ومن ثم إيران، فإن سوق الأسهم الإسرائيلي ارتفع بشكل ملحوظ منذ بداية عام 2025. فحتى نهاية أيلول/سبتمبر من العام نفسه. ارتفع مؤشر تل أبيب 125 بنسبة 33.92%، وصعد مؤشر تل أبيب 35 بنحو 34%، بينما سجّل مؤشر البنوك ارتفاعًا قدره 21%، وارتفع مؤشر التأمين بنسبة 24%.
تعود هذه الارتفاعات إلى مزيج من العوامل، أبرزها: عودة المستثمرين الأجانب بعد تراجعهم في السنوات الماضية بسبب الأوضاع السياسية والأمنية؛ الأرباح القوية للشركات في الربع الأول من عام 2025؛ تحويل الاستثمارات بعيدًا عن قطاع العقارات – الذي تراجع أداؤه – نحو سوق الأسهم الذي اعتُبر أكثر جاذبية في ظل حالة عدم الاستقرار العالمي.
كذلك، ارتفع سعر صرف الشيكل أمام الدولار كنتيجة لطرح خطة ترامب، إذ واصل الشيكل مكاسبه ليصل إلى أعلى مستوى له منذ ثلاث سنوات، مسجّلًا مستويات أقل من 3.3 شيكل للدولار الواحد.
خطة ترامب مفيدة للاقتصاد الإسرائيلي
جاء الرد الإيجابي في أسواق الأسهم والمال بمجرد بدء التسريبات حول خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لوقف الحرب. وقد تعزّز هذا الشعور بعد المؤتمر الصحافي المشترك بين ترامب ورئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، حيث أعلن ترامب رسميًا خطته لوقف الحرب على غزة.
على الصعيد الإسرائيلي، رحّب المجتمع الإسرائيلي عامة، والإعلام وغالبية القيادات السياسية بالخطة، وتعاملوا معها بوصفها خطة تستجيب لمعظم الشروط الإسرائيلية وتمنح إسرائيل فرصة لإنهاء الحرب، مع إمكانية الادعاء بأنها حققت جزءًا كبيرًا من أهدافها المعلنة.
الأمر الأبرز أن ترامب تبنّى خلال خطابه الرواية والخطاب الإسرائيليين بشأن الأحداث منذ السابع من أكتوبر 2023 بشكل شبه كامل، مُعلنًا دعمه المطلق لما تقوم به إسرائيل من حرب وإبادة وتجويع، بل وصل إلى حد الإشادة بنتنياهو وسياساته؛ وهو مشهد يُعدّ غير مألوف ومثيرًا للاستهجان في السياق السياسي الدولي الراهن.
ترى أسواق الأسهم والمال في إسرائيل أن خطة ترامب تصبّ في صالح المصالح والأهداف الإسرائيلية، إذ تمنح تل أبيب غطاءً دبلوماسيًا يوفّر حماية من الضغوط الدولية، وتسهم في تأجيل أو حتى منع احتمال فرض عقوبات اقتصادية أوروبية عليها، بما يتيح لها الخروج من مأزقها الدولي الراهن. وبهذا، تُنظر إلى الخطة كوسيلة أساسية لاحتواء تداعيات الحرب ومنع توسّع أي أزمة اقتصادية أو مالية قد تهدد الاستقرار الاقتصادي لإسرائيل.
يانيف فاغوت، نائب مدير التداول في البورصة الإسرائيلية، علّق على حالة النشوة التي سادت السوق عقب الإعلان عن خطة الرئيس ترامب. وأوضح أن تداعيات الخطة، في حال وافقت عليها حركة حماس وأقرّتها الحكومة الإسرائيلية، ستكون واسعة النطاق اقتصاديًا، وهو ما يفسّر ردّ الفعل الإيجابي في سوق الأسهم.
ففي مقابلة مع صحيفة غلوبس الاقتصادية بتاريخ 30 أيلول، قال فاغوت: “في نظرة إلى الأمام، ورغم الارتفاعات الحادة، يمكن ملاحظة قدر من الحذر لدى المستثمرين فيما يتعلق بالسوق المحلية. هذا الحذر مبرّر، إذ لم يتضح بعد كيف سيكون ردّ حركة حماس. ومع ذلك، إذا تحقق السيناريو الإيجابي، فسيكون الحدث ذا تداعيات اقتصادية هائلة، ستنعكس على سياسة الفائدة لبنك إسرائيل وعلى موازنة الدولة. فقد كان واضحًا في قرار الفائدة الصادر أمس أن الوضع الجيوسياسي يشكّل العائق الأساسي أمام إجراء تخفيضات كبيرة في الفائدة.”
بنك إسرائيل: الحذر والتشكيك يطغيان
رغم التفاؤل الواضح في أسواق الأسهم وردود الفعل الإيجابية للشركات الكبرى، فإن الأسواق ما زالت تترقّب ردّ حركة حماس وكيف ستتعامل الحكومة الإسرائيلية معه. وحتى الآن جاءت مؤشرات السوق إيجابية، لكن المشهد على صعيد السياسة النقدية أكثر تحفظًا.
على النقيض من أجواء التفاؤل، يواصل محافظ بنك إسرائيل إبداء قدر كبير من الحذر، وربما القلق، تجاه مسار الاقتصاد والوضع المالي للحكومة وميزانية الدولة. هذا الحذر تجلّى في قرار البنك الإبقاء على سعر الفائدة الأساسية من دون تغيير، خلافًا لتوقعات كثير من الخبراء، وبعد أن أقدم البنك الفدرالي في الولايات المتحدة بالفعل على خفض الفائدة. وبذلك، ظلّت الفائدة الأساسية مستقرة عند مستوى مرتفع يبلغ 4.5% لأكثر من عامين، وهو ما يُعدّ عبئًا ثقيلًا يقيّد وتيرة النمو الاقتصادي ويعيق تحفيز الاستهلاك الداخلي.
جاء قرار بنك إسرائيل الإبقاء على مستوى الفائدة الأساسية دون تغيير انعكاسًا لتقديرات اقتصادية تميل إلى التشاؤم بشأن مسار الاقتصاد الإسرائيلي في الأشهر المقبلة، وربما أيضًا خلال عام 2026. ويستند هذا القرار إلى فرضية استمرار حالة عدم الاستقرار الأمني، وربما السياسي أيضًا، ما يزيد من حذر البنك في إجراء تخفيضات كبيرة على الفائدة في المرحلة الراهنة.
توقعات بنك إسرائيل للاقتصاد الكلي
في جانب التوقعات الماكرو–اقتصادية، يشير بنك إسرائيل إلى أن معدل النمو الاقتصادي السنوي لعام 2025 سيبلغ نحو 2.5% فقط، مقارنةً بـ3.3% في التقديرات السابقة. كما يُقدّر البنك أن العجز المالي للحكومة سيصل خلال العام الحالي إلى 5.1%، وهو مستوى أدنى بقليل من سقف العجز الجديد المتوقع أن يُقرّ في الكنيست خلال الأيام المقبلة والبالغ 5.2%، لكنه يظلّ أعلى من التقديرات السابقة.
أما على صعيد الأسعار، فيتوقّع البنك أن تصل نسبة التضخم مع نهاية عام 2025 إلى 3%، مقارنةً بـ2.6% في التقدير السابق، ما يعكس ضغوطًا تضخمية إضافية مرتبطة باستمرار حالة عدم الاستقرار الأمني والسياسي.
أوضح خبراء بنك إسرائيل أن التراجع في النمو الاقتصادي لعام 2025 يعود أساسًا إلى إطالة أمد الحرب. في المقابل، تبدو التوقعات لعام 2026 أكثر إيجابية، إذ يتوقع البنك المركزي نموًا بنسبة 4.3%، غير أن هذه التقديرات مشروطة بفرضية أساسية مفادها أن الحرب لن تستمر إلى الربع الأول من العام القادم.
وللمرة الأولى، وضع خبراء الاقتصاد في البنك المركزي “سعرًا” مباشرًا لإطالة أمد الحرب، حيث أوضحوا أن استمرار القتال لربع إضافي سيؤدي إلى:
– انخفاض الناتج المحلي بنسبة 0.25%
– ارتفاع التضخم بنسبة 0.1%
– تباطؤ وتيرة خفض الفائدة
– زيادة نفقات الحكومة بما يعادل 0.15% من الناتج المحلي
قرار اللجنة النقدية ومخاطر التضخم
أشارت اللجنة النقدية في بنك إسرائيل في بيانها إلى أنها قرّرت الإبقاء على سعر الفائدة دون تغيير، وذلك في ظل ثلاثة عوامل رئيسية: تصاعد القتال في غزة، تراجع المزاج الدولي تجاه إسرائيل، ومستوى عالٍ من عدم اليقين الجيوسياسي.
كما عدّدت اللجنة أربعة مخاطر رئيسية قد تؤدي إلى تسارع وتيرة التضخم في الفترة المقبلة: التطورات الجيوسياسية وانعكاساتها المباشرة على الاقتصاد، زيادة الطلب مقابل قيود في العرض، ولا سيما في قطاع البناء، التطورات المالية والضريبية (الفيسكالية)، تدهور شروط التجارة العالمية.
يربط خبراء بنك إسرائيل بصورة واضحة ومباشرة بين المسار الاقتصادي وتطوّره خلال العام الحالي والعام المقبل وبين الوضع الأمني والسياسي، ولا سيما الحرب على قطاع غزة. هذا الترابط يفسّر من جهة حالة التفاؤل في أسواق الأسهم والمال في إسرائيل على خلفية خطة ترامب واحتمال وقف الحرب، ومن جهة أخرى يفسّر الشكوك والحذر اللذين يبديهما بنك إسرائيل.
فالبنك لا يبني قراراته على تقديرات أو توقعات غير مؤكدة، بل يتعامل مع الوقائع الملموسة، ويبدو أنه لا يثق كثيرًا بالحكومة الإسرائيلية، ولذلك يشترط رؤية وقف فعلي للحرب قبل الإقدام على أي خطوات أو قرارات مهمة في المجال الاقتصادي.